01-08-2023
محليات
|
المركزية
يولا هاشم
يولا هاشم
فجأة وبعد فترة ركود طويلة، انفجر الوضع في مخيم عين الحلوة، اشتباكات وقتلى وجرحى لم تفلح كل الاجتماعات والاتصالات والوساطات التي جرت وتجري في وضع حد لها، وسط مخاوف من قرار كبير بتفجير الوضع في المخيم تمهيدا لانسحابه الى خارجه. كيف يقرأ الخبراء الاستراتيجيون ما يجري في اكبر مخيمات لبنان وما هي تداعيات وأبعاد ما يحصل محلياً واقليمياً وحتى دولياً؟
مصادر مطلعة تساءلت عبر "المركزية" هل ان ما حصل يندرج ضمن إطار دورة عنف عادية أو دورة متقطعة أو شيء مختلف هذه المرة؟ الجواب انها ليست المرة الاولى التي يشهد فيها مخيم عين الحلوة اشتباكات ناتجة عن سخط سياسي واجتماعي مقترن بصراع على النفوذ والسلطة بين الجماعات التي تمثل الجهات الفاعلة الداخلية اللبنانية والفلسطينية وحتى الاقليمية وربما الدولية، المدعومة والمدفوعة بعدم وجود سلطة فلسطينية موحدة، بل عدة سلطات. فإلى جانب المنظمتين الاساسيتين "فتح" و"حماس" هناك الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الشعبية القيادة العامة... هذه هي التفرقة الفلسطينية التي أرادها العرب منذ زمن والتي أمعن فيها كل أعداء الفلسطينيين تخريبا واستفادة. نتيجة لهذه الصراعات شهد الكثيرون، منذ نحو سنة، تحولا ملحوظاً لصالح الاسلاميين، ونعني بهم "حماس" ورفاقهم، مقابل ضعف وانحدار واضح في حركة "فتح". وتشير المصادر الى ان ما يحصل حالياً في عين الحلوة مختلف عن المرات السابقة، فمنذ فترة طويلة لم يشهد المخيم مثل هذا الانفجار بعد موجة الاغتيالات والتصفيات المتبادلة"، مؤكدة ان هناك صراع للسيطرة على ورقة التفاوض الفلسطينية. ربما ليس الهدف ايجاد حلول بقدر ما هو للخربطة وعدم السماح بايجاد حلول إلا من خلال الورقة الايرانية. وهنا نفتح فصلاً جديداً في عين الحلوة يتجلى بمجابهة مفتوحة بين "فتح" والفريق الاسلامي "حماس" للسيطرة على المخيم. وبالتالي فإن "فتح" يضعف والجهاد الاسلامي يقوى بسبب الدعم الذي حصل عليه من ايران من خلال حزب الله لأن ذلك يناسب "الحزب" الذي سيستخدمهم كذراع لاستعمال جنوب لبنان كمنصة لإطلاق الصواريخ على اسرائيل. فمنذ فترة تمّ إطلاق صواريخ على اسرائيل وشهدنا كيف تنصّل حزب الله واشتكى الجميع بأن حركة "حماس" هي من أطلقها، بينما هي بالفعل حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي واي مجموعة من هذه المجموعات التي تتلقى أوامرها مباشرة من ايران.
منذ فترة قصيرة، توجه عدد من قادة حماس الى تركيا وقطر، وطلب منهم حزب الله العودة، ليس فقط من أجل لعب دور إعلامي او اجتماعي او سياسي بل تكتيكي على الأرض من ضمن محور الممانعة، من خلال الطاعة لمركز عمليات واحد موجود في الضاحية تمّ تدشينه من قبل قائد الحرس الثوري الايراني اسماعيل قاآني منذ سنة. وهنا تؤكد المصادر امكان الربط بين عدة أحداث تحصل اقليميا ودوليا وبين ما حصل في عين الحلوة. اقليميا ودولياً، يزور مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان حالياً المملكة العربية السعودية ويتفاوض مع ولي العهد الملك سلمان بن عبد العزيز، يبدو ان أمراً كبيراً يتحضّر للشرق الأوسط كي يتمكن الرئيس الاميركي جو بايدن من إنهاء عهده بانتصار دبلوماسي كبير وسيتجلى بتطبيع العلاقات بين السعودية واسرائيل والتي لن تتم بالمجان. فالمملكة لن تقبل إلا ان تقدم لها اسرائيل وعوداً بايقاف الاستيطان والسير بحلّ الدولتين، وبالمقابل تربح تل ابيب التطبيع مع العالم العربي.
وتشير المصادر الى ان ثمة صلة ضمنية بين ما يحصل في الضفة الغربية بين فتح وحماس وما يحصل في عين الحلوة كنسخة مصغّرة طبق الاصل. في الضفة الغربية يعمل الطرفان على توسيع وتعزيز قدراتهما المالية والعسكرية وأصبحت مدن كنابلس وجنين والخليل قواعد منتظمة للهجوم وعمليات المقاومة، بينما نرى الكثير من كوادر فتح الشباب يهاجر او ينضم الى حماس، وفي الوقت نفسه تبذل السلطة الفلسطينية جهودا جبارة لمواجهة هذا التوسع وتعتقل قادة الجهاد وحماس وتسجنهم، وكان احد الشروط الرئيسية التي ذكرها الفلسطينيون في المحادثات في العلمين هو ان تطلق السلطة الفلسطينية سراح هؤلاء. وهذا الامر ملفت للنظر. وبالطبع هناك رابط بينهما، ومن يعتقد ان ما يحصل في عين الحلوة مجرد اطلاق نار بين "زعران" فهو مخطئ.
وتجدر الاشارة هنا الى ان مدير مخابرات السلطة الفلسطينية ماجد فرج زار بيروت الاسبوع الماضي وبالطبع هناك رابط بينها وبين المفاوضات التي تحصل في العلمين. وحسب بعض التقارير، فإن هدف الزيارة احتواء الوضع ليس فقط في عين الحلوة بل في كل المخيمات، إذ يسيطر الخوف، في حال عدم ضبط الوضع بسرعة في عين الحلوة ان تمتد الى باقي المخيمات. كما ان هدف زيارته محاولة إعادة تقوية دور "فتح" كي تتمكن من ردع "حماس" عن الإقدام على اي عمل، وذلك من خلال التنسيق مع السلطات اللبنانية والجيش تحديدا وشعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي، وتم التوصل في نهاية المطاف الى محاولة ايجاد طريقة عيش بين الدولة وفتح بشكل ان تقوم فتح بجمع السلاح من المخيمات التي تسيطر عليها، شرط ان تبدأ الدولة اللبنانية بممارسة ضغوط ووضع حدود لنشاطات حماس والمجموعات الفلسطينية التابعة لها. لكن لا ترى المصادر أنها ستحصل بالنظر الى عجز السلطات اللبنانية تجاه حزب الله. ومنذ فترة صدرت بحق سفير السلطة الفلسطينية في لبنان اشرف دبور شكاوى، من قبل لجنة التنسيق اللبنانية الفلسطينية، وزيارة فرج أتت أيضاً ضمن هذا الإطار.
سوليفان في السعودية وهناك محاولة اخيرة مهمة جدا من قبل الولايات المتحدة الاميركية لبدء نوع من المحادثات العالمية لاعادة تنظيم الشرق الاوسط من بعد الفوضى البناءة التي حصلت في العراق ولبنان وسوريا واليمن وليبيا والسودان... وحتى الاردن ومصر على حافة الفوضى... لكن من بعد الفوضى يتوجب إعادة تنظيم الامور، وبتنا أمام مؤتمر دولي من أجل الشرق الاوسط وليس فقط مؤتمر دولي من اجل لبنان كما يطالب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وسيكون لبنان جزءا منه، ويتم منذ الآن التفاوض والعمل عليه. زيارة سوليفان ليست للسياحة، وجزء من المفاوضات التي تحصل هي لملمة الشتات والبعثرة العربية ومن ضمنها الفلسطينية كي يكون هناك أشخاص تتحدث باسمهم من دون وجود معارضات كبيرة تقف في وجههم، في حال تم إطلاق مشروع ما. لذلك، سيجمعون هؤلاء الأشخاص الى طاولة المفاوضات وايهامهم بأنهم جزء من الحل، إلا إذا أصبحوا يوما ما جزءا من المشكلة، عندها سيتصرّف الغرب بطريقة مختلفة تعتمد على الضرب بيد من حديد. لكن اليوم ما زلنا في مرحلة التفاوض.
وترى المصادر انه تجري محاولة ترتيب وتوحيد الفلسطينيين من خلال الحوار الفلسطيني تحت طريقة عمل واحدة، هذه المحاولة تحدث في مصر والملفت انضمام حماس الى المفاوضات لكن من دون حركة الجهاد، كأن الامر مقصود، والتي سبقها اجتماع في انقرة برعاية الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي جمع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. كل ذلك يحصل ضمن إطار التفاهمات المصرية والتركية لتوحيد الفلسطينيين حول سلوك موحد في حال حصول مفاوضات دولية لإعادة ترتيب الشرق الاوسط.
الاشتباكات في عين الحلوة جاءت كمن يطلق النار على هذه المحادثات وعلى مرشديهم المَرئيين المصريين والاتراك وغير المرئيين من المرشدين المحتملين الدوليين، وهذا ما تعتبره المصادر استهدافا لأي جهود لإعادة ترتيب الوضع الفلسطيني كمدخل للحل، لأنها القضية الاساس والضغط الاكبر سيكون على اسرائيل التي ستجد نفسها ملزمة بقبول حل الدولتين، خاصة في ظل مشاكلها الداخلية واشمئزاز العالم منها.
الاشتباكات في عين الحلوة هي نتاج رمي فتن، ولكن من أطلق النار؟ ايران بالطبع، التي ترفض ايجاد حلول من دونها، وتقول بأن لا يمكنها تقديم حلول لكن باستطاعتها إفشال أي حل لا يأخذ مطالبها بعين الاعتبار.
على الارض تكتيكيا ستستمر الاشتباكات، وهنا نكون أمام احتمالين: إما ان يقوم احد بغمز ايران بأن سيكون لها دور وعندها ستطلب من حلفائها في لبنان ايقاف المناوشات، وإما إعلامها بأن لا دور لها وفي هذه الحالة ستستمر "المشاغبات"، قد تقوى او تخف، لكنها ستبقى وتتمدد.
أما الدولة اللبنانية، فقد تنازلت منذ زمن عن دورها لمصلحة حزب الله، لذلك يجب ان نرى ما سيفعله الحزب، وما إذا كانت الاحداث ستتحول الى ذريعة لمواجهة سياسية بين الدولة والحزب، والتي قد تتطور الى توترات أمنية بين اجهزة الدولة وحزب الله وربما أكثر. لا أحد يعلم كيف يمكن ان تتأزم الامور. المشكل نبدأه عندما نريد وننهيه عندما نستطيع، تختم المصادر.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار