03-07-2023
صحف
|
الأخبار
للوصول إلى أقرب نقطة إلى الجزء اللبناني من قرية الغجر، يمكن الوقوف عند الوزاني غرباً للإطلالة عن بعد نحو 1 كلم، أو من الشرق من صوب بلدة العباسية على بعد 1.5 كلم. علماً أن هناك طريقاً يمرّ بمحاذاة الجزء الشمالي من الغجر ويربط الوزاني بالعباسية بمسافة 3 كلم، لكنّ هذا الطريق بات محرّماً على أيّ لبناني ومخصّصاً فقط لدوريات «اليونيفل»، رغم وقوعه خارج السياج الحديدي الجديد الذي يضم الجزء اللبناني من الغجر. وتلعب قوات «اليونيفل» هناك دور الحارس، إذ تضع أسلاكاً وموانع حديدية على طول الطريق من الجهة الشمالية المحررة، لمنع اقتراب اللبنانيين منها، ما يشكّل «حزاماً أمنياً» غير معلن حول قرية الغجر بطول 3 كلم، يستكمل إجراءات العزل التي أقامتها قوات الاحتلال حول البلدة. ويقيم الجيش اللبناني حاجزاً عند نقطة أساسية تؤدي إلى الطريق، علماً أنه بموجب الإجراءات الإسرائيلية الجديدة والمترافقة مع تلك التي تقوم بها «اليونيفل»، بات الجيش ممنوعاً من الوصول إلى ذلك الطريق أيضاً، إذ بات يتطلب دخوله النادر لتنفيذ دورية عليه، إذناً وتنسيقاً مسبقيْن من قيادة «اليونيفل» في الناقورة.
لم تقتصر الإجراءات الإسرائيلية على «تطويق» الغجر بجزءَيها السوري واللبناني، بل رفعت قوات الاحتلال أبراجاً حديدية ثبّتت على كل منها كاميرات يصل مداها إلى 5 كلم، إضافة إلى كاميرات صغيرة ومكبّرات صوت موجّهة نحو الأراضي اللبنانية المحرّرة. هذه التحركات المتدحرجة وغير المترابطة مع أحداث أخرى تشهدها الحدود اللبنانية - الفلسطينية، والتي تتعلق بإسرائيل وأولوياتها الأمنية، كانت قوات الاحتلال قد شرعت بها في آذار 2022، أعقب ذلك، في أيلول من العام نفسه، قرار فتح الغجر أمام حركة السياحة الإسرائيلية بعد اعتبارها منذ التحرير في أيار من عام 2000 منطقة عسكرية مغلقة، إلى أن أعلنت تل أبيب العام الماضي سحب قواتها من المنطقة والإبقاء على «حرس الحدود» فيها، على اعتبار أنها انسحبت من الجزء اللبناني من الغجر. إلا أن كل الإجراءات والتحركات الإسرائيلية، بما فيها المباشرة بعملية تسييج الجزء اللبناني، كانت تتم على أساس أنها أرض محتلة.
انتهت إسرائيل من عملية «تسييج» الغجر، بالتزامن مع نشاط لقواتها على طول الحدود اللبنانية - الفلسطينية، وتغيير معالم العديد من النقاط عند «الخط الأزرق» على الحدود بين بلدة حولا ومستعمرة «المنارة»، أو عند «خطّ الانسحاب» في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وهنا، لا بد من الإشارة إلى وجود فرق كبير بين «الخط الأزرق» في بلدة الغجر، و«خط الانسحاب» في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
فـ«الخط الأزرق» في قرية الغجر يعترف به الاحتلال الإسرائيلي وقوات «اليونيفل» ولبنان الرسمي. أما في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فإن لبنان لا يعترف بوجود «خط أزرق» هناك لأنه يعتبرها أراضيَ لبنانية محتلة، بل يطلق عليه «خط انسحاب»، بينما تعترف به «اليونيفل» والاحتلال الإسرائيلي، ويقولان إنه «خط أزرق يتحفَّظ عنه لبنان». وتبرّر القوات الدولية اعترافها بأن هذه المنطقة كانت منذ ما قبل التحرير عام 2000 ضمن منطقة عمل قوات «إندوف» العاملة في الجولان السوري المحتل. في مقابل هذا الواقع الذي يحاول الاحتلال تكريسه وتُعلن «اليونيفل» عدم «صلاحيتها» لمنعه، يقول أهالي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا إنهم كانوا قبل التحرير عام 2000 يدخلون إلى مزارع فشكول وقفوة ورويسة القرن وزبدين لقطف محاصيلهم الزراعية بناءً على تصاريح خاصة من قوات الاحتلال، بينما لم يُسجّل دخول أي من المواطنين السوريين إلى المزارع المحتلة، في أحداث ووقائع واضحة وبسيطة يتداولها أهالي المنطقة للتدليل على لبنانية المزارع.
على أيّ حال، يأتي ضمّ الجزء اللبناني من قرية الغجر إلى الجزء السوري المحتل، بعدما أعادت القوات الإسرائيلية احتلاله خلال عدوان تموز 2006، رغم وجود محاولات دبلوماسية سابقة لـ«إقناع» العدو بالانسحاب منها وتنفيذ القرار 1701. وعلى الدوام كان النقاش مفتوحاً في إسرائيل حيال الطريقة الأفضل للتعامل مع قرية الغجر، خصوصاً في شقها اللبناني. وكان رئيس حكومة الاحتلال الأسبق آرييل شارون اقترح إخلاء الجزء الشمالي من الغجر، وتدمير المباني فيه، كما درست حكومات الاحتلال المتعاقبة خيارات أخرى مثل تقسيم القرية، وإقامة حاجز بين الشطرين اللبناني والسوري، وتكثيف الحماية العسكرية في المنطقة، وتخيير سكان الغجر بين البقاء «في كنف الاحتلال» أو الانتقال للعيش في كنف السلطة اللبنانية، وبناء جدار حول الجزء الجنوبي من القرية وعزلها بين «الخط الأزرق» وهضبة الجولان، أو بناء جدار حول الجزء الشمالي وضمّه إلى المنطقة المحتلة، والخيار الأخير هو الذي طُبّق اليوم.
اليوم، تبدو الغجر كـ«بلدة واحدة» وقد «وحّدها الاحتلال» تحت سلطته. كانت مساحتها المسكونة تبلغ نحو 500 دونم، وتُقسّم إلى الحارة الجنوبية القديمة وهي مقامة على نحو 100 دونم وتقع ضمن الحدود السورية، أما الحارة الشمالية المقامة على نحو 400 دونم، فتُعتبر لبنانية، لكن مساحتها اليوم صارت أكبر مما كانت عليه، إذ تمدّد العمران فيها نحو الجزء اللبناني بشكل كبير، وبات هذا الجزء موطناً للعدد الأكبر من سكّان البلدة البالغ عددهم نحو 2800 نسمة. هذا التداخل بين ما هو سوري وما هو لبناني خلق واقعاً معقّداً في الغجر التي يرفض أهلها الاختيار بين كونهم تابعين لسوريا أو للبنان. هذا الواقع يشبه إلى حدّ كبير العلاقة المتداخلة والمعقّدة بين البلدين اللذَين يعتبران أن البتّ في «نَسَب» الغجر كما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لا يستقيم في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي الذي يعتبر أنها أراضٍ تابعة للجولان احتُل معظمها في عام 1967، ما يعكس قراراً مبدئياً بالتعامل معها على أنها «مُحتلة يتوجّب استرجاعها بالطرق المناسبة»، رغم قرار إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في آذار 2019، الاعتراف بـ«سيادة إسرائيل» على هضبة الجولان السورية التي احتلتها عام 1967 وضمّتها عام 1981.
يوم وقّع ترامب قرار الاعتراف هذا، غرّد على «تويتر» كاتباً: إن هضبة الجولان لها «أهمية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي». اليوم، وبعد استكمال قوات الاحتلال الإسرائيلي «تطويق» الغجر وضمّ جزئها اللبناني إلى الأراضي السورية المحتلة، يحلو للبعض التذكير بما كتبه الصحافي الإسرائيلي أليكس فيشمان في صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية عام 2008، إذ اعتبر أن «أحد الأماكن الوحيدة في الشرق الأوسط، التي يمكن لإطلاق النار على جرافة، أن يؤدي فيها إلى تدهور إقليمي في أيامنا هذه، هو في قرية الغجر الواقعة في زاوية مهملة في أطراف هضبة الجولان، التي ضُمت إلى إسرائيل خطأً».
أبرز الأخبار