30-06-2023
عالميات
وتمددت الاحتجاجات في فرنسا إلى مرسيليا ومونبيليه ورين، وشهدت عدة مدن فرنسية مواجهات عنيفة بين الشرطة والمحتجين. وفي ما استمرت الاضطرابات في العديد من المدن في فرنسا، لليلة الثالثة على التوالي، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، إلقاء القبض على 225 شخصاً.
من جهتها، نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصادر في وزارة الداخلية "اعتقال 421 شخصاً على الأقل"، في عدة مدن. كذلك، أفادت وسائل الإعلام المحلية، بإلقاء القبض على 16 شخصاً على الأقل، وذلك بعد نهب شارع دي ريفولي، أحد أشهر شوارع باريس. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت مشاهد تظهر حرق المالية العامة، في مدينة مونبلييه، جنوبي فرنسا. كما اشتعلت الحرائق في أوبيرفيلييه، إحدى ضواحي شمال باريس، لتطال عدة مناطق، بينها محطة الحافلات. وشمل التوتر أيضاً مدناً كبرى أخرى، مثل ليون جنوبي شرق البلاد، وتولوز في جنوبها الغربي. كما تعطّلت حركة المواصلات في شمال شرق باريس بسبب الأضرار التي لحقت بالشوارع.
من جهتها، قررت الحكومة الفرنسية نشر 40 ألف شرطي ودركي، مساء أمس، في كل أنحاء البلاد، بينهم 5 آلاف في العاصمة باريس وضواحيها، القريبة لمواجهة أعمال عنف محتملة. وأوضح وزير الداخلية الفرنسي أن عدد قوات الأمن سيكون "أكثر بأربع مرات" مما كان عليه في الليلتين الماضيتين.
بدورها، أطلقت قوات الأمن الفرنسية، أمس الخميس، الغاز المسيل للدموع، على مشاركين في "مسيرة بيضاء" تكريماً للفتى الذي قُتِل برصاص شرطي يوم الثلاثاء، بضاحية نانتير غرب باريس. وافتتحت والدة الشاب، مرتديةً قميصاً كُتِب عليه "العدالة لنائل"، التظاهرة من على حافلة صغيرة، وخلفها آلاف المشاركين، الذين حملوا لافتات تحمل الشعار نفسه، ولافتات أخرى كُتِب عليها "لن نقبل بتكرار ذلك أبداً".
من جهة أخرى، وُجِّهت أمس تهمة "القتل العمد" إلى الشرطي الذي أطلق النار على الفتى نائل، ووُضع في التوقيف الاحتياطي، وفقاً لما أعلنته النيابة. كذلك، رأت مجلة "سبكتاتور" البريطانية أن، "ما كشفته وفاة نائل هو الانقسام العميق والمرير في فرنسا". وذكرت المجلة أنّه يوجد في المدن الداخلية، ما يسميه الفرنسيون "أراضي الجمهورية المفقودة"، وحلفاؤهم في أقصى اليسار، ومن ناحية أخرى "أولئك الذين يلتزمون بقيم الجمهورية". وأشارت المجلة إلى "تعاطف الكثيرين في فرنسا مع الضغط الذي تواجهه الشرطة بشكل يومي، حيث قُتِل الكثيرون أو أصيبوا بجروح بالغة أثناء أدائهم لواجبهم، وتسببت أرقام قياسية في إزهاق أرواحهم (46 في عام 2022) بسبب ضغوط عملهم"، كما قالت.
وأشارت المجلة إلى ما قاله، مدير شركة الاستطلاعات السياسية الرائدة في فرنسا، جيروم فوركيه، في مقابلة مع صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، حيث رأى أن "رفض التوقف عند نقاط التفتيش التابعة للشرطة هو وسيلة لإظهار الازدراء لسلطتها". ويحسب فوركيه، فإن هذا الازدراء يمتد إلى جميع مؤسسات الجمهورية، التي "تضاءل احترامها في قطاع كامل من المجتمع".
كما رأت المجلة أن هذا الاحترام يتضاءل منذ عقود، مشيرةً إلى مقال نُشر قبل 3 عقود، في عام 1993، وصفت فيه العلاقات بين الشرطة وشباب المدن الداخلية بأنها "كارثية". ووفقاً للمجلة، اندلعت هذه الكراهية المتبادلة في عام 2005، عندما قام الآلاف بأعمال شغب في جميع أنحاء فرنسا، لمدة ثلاثة أسابيع.
ومنذ ذلك الحين، ظل "شبح انتفاضة مماثلة" يطارد المؤسسة الفرنسية، وقد أحجمت الحكومات المتعاقبة عن استعادة السيطرة على "الأراضي المفقودة"، واختارت بدلاً من ذلك سياسة الاسترضاء، كما أوردت "سبكتاتور". واليوم، تقول المجلة إن ماكرون "يواجه خطراً آخر"، وهو "معاداة اليمين الذي سئم من الفوضى، ومعاداة اليسار أيضاً، الذي يعتقد أنه معادٍ للجمهورية بشكل متزايد".
واعتبرت المجلة أنه "بالنسبة للكثيرين من اليمين، ليس هناك حاجة للشعور بالذنب حيال ما حدث في نانتير"، مضيفةً أنه "ليس خطأ الشرطة، بل خطأ الحكومات المتعاقبة التي أدى ضعفها وخوفها إلى تحويل أجزاء كبيرة من البلاد إلى مجرمين". وذكّرت المجلة، برسالة مفتوحة وجّهها أكثر من 1000 من العسكريين المتقاعدين، في عام 2021، بينهم عشرون جنرالاً، تحذره، وتحثه ماكرون على "إعادة النظام إلى هذه المدن الداخلية".
وكتب هؤلاء: "ليس هناك وقت للمراوغة. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الحرب الأهلية غداً ستضع حداً للفوضى المتصاعدة. والقتلى، الذين ستكون مسؤوليتهم على عاتقك، سيكونون بالآلاف." وتسائلت الصحيفة: "هل وصل هذا الغد؟"، مؤكدةً أن "البلاد في حالة من الفوضى"، ومعتبرةً أن "ماكرون عليه أن يظهر قيادة جريئة وذكية وحاسمة في الأيام المقبلة"، وإلا، فإن التاريخ يمكن أن يسجّله على أنه "الرجل الذي أشرف على انهيار بلاده".
وتأتي كل هذه التطورات بعد مقتل الفتى نائل، الثلاثاء الماضي، في نانتير من مسافة قريبة، خلال عملية تدقيق مروري حيث أطلق شرطي النار عليه، وقالت الشرطة إنه "كان يقود بسرعة كبيرة في ممر الحافلات، ورفض التوقف عند الإشارة الحمراء". من جهته، ندّد ماكرون، بـ"أعمال عنف غير مبررة، طالت المؤسسات والجمهورية" في اجتماع خلية أزمة وزارية دعاها إلى الانعقاد في وزارة الداخلية.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار