13-05-2023
مقالات مختارة
أما امتحانات شهادة الثانوية العامة بفروعها الأربعة فموزعة على أيّام 10 و11 و13 يوليو/ تموز المقبل. وفي هذه الشهادة، حافظت الوزارة على المواد الأساسية في كل فرع، واقتصر أمر المواد الاختيارية على المواد التي وصفتها بأنها غير أساسية في الفرع المعني. لذلك، يمتحن الطالب بسبع مواد عوضاً عن تسع كما جرت العادة في السنوات السابقة، إذ كان متاحاً لكل طالب اختيار مادة من بين ثلاث مواد تختلف بحسب كل فرع. وكان من الواضح أن الوزارة لا يمكنها تأجيل الامتحانات إلى ما بعد هذا التاريخ لعدم إلحاق ضرر بالطلاب الذين قدموا طلبات للدراسة في جامعات خارج لبنان، والتي تنتظر منهم صوراً مترجمة ومصدقة عن الشهادة الثانوية التي يحملونها. ويقارب عدد هؤلاء السبعة آلاف طالب سنوياً.
وتجاوز الوضع حدود توسيع دائرة المواد الاختيارية، بل تعداها إلى تقليص المواد المقررة في الامتحانين. وتشكلت خلال الأشهر الماضية لجان ضمت أساتذة والمركز التربوي للبحوث والإنماء والوزارة والقطاع الخاص وظيفتها تقليص مواد الامتحانات في المرحلتين. وقبل أن تصل تلك اللجان إلى خواتيم أعمالها بتقليص ما رأته غير مهم من المناهج، شهدت الاجتماعات التي عقدت في وزارة التربية والتعليم العالي بين تجمع اتحاد المدارس الخاصة وممثلي المدارس الحكومية بمن فيهم الوزير ودوائر الوزارة المشرفة على كامل العملية التعليمية وتحديد المناهج والبرامج والرقابة على التعليم الخاص، سلسلة من الطروحات المتناقضة بين القطاعين العام والخاص.
وطرحت المدارس الخاصة بداية ضرورة عدم تقليص المناهج وإجراء الامتحانات الرسمية على دفعتين، واحدة للمدارس الخاصة وأخرى للمدارس الرسمية. ومثل هذا الطرح ينطلق من أن إجراء الامتحان بكامل المواد التي يتضمنها المنهاج يعزز موقعها التعليمي والمعنوي، كونها تمكنت من إنجاز المقررات لطلابها، وهو ما عارضته الوزارة كونه يكرس سابقة في الحياة التربوية لناحية إعداد امتحانين لشهادة رسمية واحدة. كما رأت أن قراراً من هذا النوع من شأنه أن يقود إلى رسوب معظم طلاب القطاع الحكومي الذين لم ينجزوا المطلوب، بعدما أمضى هؤلاء معظم العام الدراسي خارج الصفوف بفعل الإضرابات التي نفذها المعلمون الرسميون والمتعاقدون خلافاً لزملائهم في القطاع الخاص. ومن المعروف أن النتائج ستنعكس على الإقبال على الخاص، علماً أن ما بين 5 إلى 7 في المائة من التلاميذ نقلهم ذووهم من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة خلال العام بعدما تبين لهم احتمال خسارة سنتهم الدراسية. بذلك، تدنت نسبة الإقبال على القطاع الحكومي إلى حوالي 25 في المائة فقط من إجمالي التلامذة، بعدما كانت تجاوزت الـ 30 في المائة مع بداية العام الدراسي.
وعلى الرغم من التباين والتناقض بين الطرحين، اجتمعت لجان مشتركة من أساتذة القطاعين وأعادت درس المناهج لناحية مواد الشهادتين المتوسطة والثانوية وتوصلت إلى حل وسط قضى في جانب منه بتمديد الوزارة للعام الدراسي في المدارس الحكومية لأكثر من شهر وإقرار الدروس المقررة للامتحان. أما التسوية، فقد قضت بأن يمتحن التلامذة والطلاب بما يقارب 60 في المائة من المحاور التي يتضمنها المنهاج. لكن هذا الحل أثار القطاع الرسمي الذي كان يطمح طلابه إلى توسيع دائرة التقليص إلى 50 في المائة لتصبح الدروس المقررة والمحذوفة مناصفة. وهو ما لم تسر به الوزارة باعتباره يتناقض مع الشروط التي وضعتها الدول المانحة لتقديمها المساعدات والمنح التي يتلقاها القطاع التعليمي الحكومي بالفريش دولار، وأبرزها ألا تهبط المواد قياساً إلى عدد الأسابيع عن 12 أسبوعاً، أي ما يعادل ثلاثة أشهر فقط.
وأتى تقليص المحاور التي سيمتحن بها الطلاب لمصلحة التعليمين الخاص أولاً والعام ثانياً. فطلاب القطاع الأول أنهوا محاور دراسية تزيد بكثير عن تلك التي تقرر الحفاظ عليها لامتحانهم، وطلاب القطاع الثاني باستطاعتهم الإفادة من فترة التدريس الإضافية للدراسة والتركيز على المحاور التي سيخضعون للامتحان بها.
إذاً، فإن مصدر الإشكالية في عملية تقليص المواد أن القطاع الخاص أنهى البرامج المقررة مع بداية العام الدراسي كلها وجرت مراجعتها، بينما القطاع الرسمي لم ينه أكثرها. وتوقعت الوزارة خلال المفاوضات أن تتمكن من إنهاء ستين في المائة من المحاور المقررة في غضون منتصف شهر يونيو/ حزيران المقبل، وبالتالي يتمكن طلابها من دخول الامتحان بعدة معرفية مقبولة.
عادت الأمور إلى مجاريها بين الوزارة وتجمع اتحاد المدارس الخاصة، ويجري خلال الأيام والأسابيع المقبلة تحديد الأسئلة المطلوبة من ضمن المحاور والفصول التي حددتها اللجان في كل مادة، لكن هذا كله لا يمنع من مقاربة المأزق الذي شهده العام التربوي في لبنان من زاوية مختلفة عن مجرد ما سبق وأوردناه.
ويراهن طلاب المدارس الحكومية على أمرين معاً للنجاح، أولهما يتعلق بكمية الدروس المحذوفة من المنهاج الرسمي للنجاح، وثانيهما على لجان وضع الأسئلة وما يتبعها من معايير في تصحيح المسابقات بعد الامتحانات، والتي نهضت على عدم العدالة أو التكافؤ بين القطاعين. أمر من شأنه أن يدفع وزارة التربية والتعليم إلى اعتماد قرار برفع نسبة النجاح بين الطلاب سواء في الخاص أو العام. وقد حدث خلال الأعوام السابقة ما هو مشابه لذلك، ما يعني أن نسبة النجاح كما جرت العادة في السنوات الثلاث الماضية بمثابة قرار تتخذه الوزارة مسبقاً، بدءاً من تقليص المناهج مروراً بوضع الأسئلة وصولاً إلى "الباريم" أو المقياس المعتمد في كيفية تصحيح المسابقات ووضع العلامات المستحقة. وبذلك، يفقد الامتحان دوره كمحدد للكفايات التي حصل عليها المتعلم خلال العام الدراسي.
الواقع أنه لم يكد اللبنانيون يتركون وراءهم وباء كورونا وما رافقه من تعليم "أونلاين" غير متوافر بسبب انقطاع الكهرباء وعجز الفئات الفقيرة عن تأمين اشتراك بالمولدات الخاصة التي انتشرت في الأحياء والقرى، فضلاً عن الإنترنت والتجهيزات اللازمة، حتى جاء الانهيار المالي والنقدي عاصفاً بما يمكن القول إنه أدهى وأمر مما سبق عليهم من جائحة. فانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية انعكس على القطاع التعليمي الذي شهد هذا العام إضرابات قياسية بالمقارنة مع السنوات السابقة. ففيما كانت تلك الإضرابات تقتصر تقريباً على المتعاقدين في التعليمين الأساسي والثانوي، شملت هذه المرة معلمي وأساتذة الملاك في الوزارة. العنوان العريض الذي تحلق حوله هؤلاء هو الحد من الانهيار في رواتبهم وأجورهم، بعدما بات الراتب الشهري يعادل ثمن صفيحة بنزين. ومع أن قسماً من هؤلاء يقيمون في محيط المؤسسات التعليمية التي يدرِّسون فيها سواء أكانت أكاديمية أم مهنية، لكنهم كسواهم عاجزون عن تأمين طبابتهم وأدويتهم وحاجاتهم اليومية. وعليه، فقد شارك الجميع في الإضرابات.
وكان العنوان الأكثر تردداً بينهم يتمثل في إعطائهم رواتبهم على سعر منصة صيرفة، ما يعني دولرة قسم من رواتبهم بدلاً من تركهم أسرى سعر الصرف في السوق السوداء الذي يلتهم ما يحصلون عليه من أجر. يرافق ذلك بالطبع خسارة ما أطلق عليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي "ديمقراطية التعليم" وقد تزامن مع هيمنة المكاتب التربوية للأحزاب السياسية ـ الطائفية على القطاع والحركة النقابية.
لكن ما حدث خلال العام الدراسي من هيمنة على الروابط لم يمنع كتلا كبرى من المعلمين من الامتناع عن التدريس، ما دامت الدولة لم تستجب للمطالب المرفوعة، وهي التي تعجز الدولة بوضعها الحالي عن تحويل الرواتب من الليرة إلى الدولار، ما من شأنه أن يزيد من الضغط ويرفع من معدلات انهيار العملة الوطنية. ولا بد من الإشارة إلى أن القطاع الخاص شارك في الاحتجاج على الوضع المعيشي، لكن الأيام التي امتنع فيها عن التدريس لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، بالقياس إلى أشهر متلاحقة من الإضرابات في المدارس الحكومية. هنا برز فارق إضافي بين ما ناله تلاميذ القطاعين من كفايات تعلمية، وهو ما أطاح بمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية في الحصول على حق التعليم الذي كان قائماً على نحو نسبي في السنوات السابقة على الوباء.
إذاً، نحن أمام حلقة مفرغة قد تقود إلى الإطاحة بالتعليم الرسمي الذي يتقاضى رسوماً رمزية مقارنة مع الأقساط التي يدفعها الأهل لتعليم أبنائهم في القطاع الخاص. يحدث ذلك على قاعدة أن الفاقد الذي حدثت خسارته في عامي الوباء لم يجر تعويضه، بل تفاقم في ظل الأزمة الاقتصادية ـ المعيشية المستفحلة، ما يعني أن النسبة التي حازها لبنان لجهة التمدرس والتي كانت تضعه في مصاف أعلى الدول العربية (تفوق 95 في المائة) من شأنها أن تتراجع، ونشهد طفرة في الأمية مقارنة مع ما سبق وتحقق. يعزز ذلك ما آلت إليه أوضاع المدرسة الرسمية من تسيب بفعل الإضرابات والقصور عن توفير الحد الأدنى من الإمكانات التشغيلية (مولدات وهواتف ونفقات نثرية وما شابه)، حتى بات البعض يطالب بإلغائها.
العربي الجديد
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار