عودة المصارف إلى إستخدام لغة الإضراب في تعاملها مع أصحاب الحقوق من المودعين، يعني أن ثمة نوايا خبيثة ومبيّتة للإنقضاض على الودائع بشكل نهائي، والتنكر لأصحاب المدخرات وجنى العمر في حقهم المشروع الحصول على بعض أموالهم، أو على الأقل، معرفة بذمّة مَنْ أصبحت المليارات الضائعة، بين الحكومة والبنك المركزي والمصارف.
ثلاث سنوات مضت على إندلاع الأزمة المالية والنقدية، عُقدت خلالها عشرات الإجتماعات، وصدرت القرارات والتعاميم من المركزي بالجملة والمفرّق، وجرى العديد من المحاولات لإصدار قانون الكابيتال كونترول في الوقت المناسب، ولكنها كلها ذهبت سُدى، دون أن يتمكن المودع من معرفة مصير أمواله، وأين أصبحت.
مازالت المصارف تُمارس أبشع أساليب التنمّر والإذلال على كل مودع يحاول أن يحصل على فُتات أمواله، بالمقدار الشهري المُخزي الذي حددته البنوك، دون حسيب أو رقيب. والأنكى من ذلك محاولات عدد من المصارف التهرب من مواجهة مودعيها، والتفاهم معهم على تمرير فترة المحنة بأقل الخسائر الممكنة على الطرفين، والإصرار على تجاهل طلباتهم المحقة لتأمين الأموال لأدويتهم، أو لإستشفائهم، أو حتى توفير الضرورات الأساسية لمعيشتهم.
وعوض أن تعمد جمعية المصارف إلى وضع الخطط للمحافظة على القطاع المصرفي، وإستعادة الثقة الداخلية والخارجية بالبنوك اللبنانية، مازال المسؤولون فيها يركزون جهودهم على المواجهة مع المودعين، الذين يضطر بعضهم إلى إقتحام المصرف الذي يتعامل معه بالقوة، لدفع فاتورة إستشفاء والده أو زوجته، وإنقاذ حياة أحد أفراد عائلته.
والطامة الكبرى أن المصارف تُمارس «حكم قراقوش» على السلطة المالية والمودعين، والمراجع المعنية في الحكومة والبنك المركزي يكتفيان بالتفرج على مسرحية المصارف، التي تجاوزت كل الخطوط الحمر، ولا تتورع عن اللجوء إلى الإقفال، كلما دق كوز القضاء بجرة المصارف التي تحتجز الودائع زوراً وعدواناً وبهتاناً.
قيل: يا فرعون مين فرعنك.. قال: لأنو ما حدى ردّني!!