لفت القاضي في المحكمة الجنائية الدولية السّفير نواف سلام، إلى أنّه "إن كانت الإصلاحات السّياسيّة هي حجر الزّاوية في وثيقة الوفاق الوطني الّتي باتت تُعرف بـ"اتفاق الطائف"، الّتي تبنّاها النّواب اللّبنانيّون الّذين اجتمعوا عام 1989 في السعودية، فهذا الاتّفاق كان يعكس أيضًا مدى تداخل الأبعاد المحليّة والخارجيّة في الأزمة اللّبنانيّة، إلى حدّ أنّه ما كان ليرى النّور لو لم يشمل بنودًا متعلّقةً بتنظيم العلاقة اللّبنانيّة- السّوريّة، وأخرى بتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، ناهيكم عن المتغيّرات الإقليميّة والدّوليّة الّتي ساهمت بدورها بالوصول إلى هذا الاتّفاق؛ ولا سيّما انحسار التّوتّر بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي خلال عهد غورباتشوف".
واعتبر، خلال محاضرة له أقامتها جمعيّة "المقاصد الخيريّة الإسلاميّة" في بيروت، بعنوان: "الطّائف في النّصّ والممارسة: أين الخلل؟"، أنّه
"طالما أنّ اتفاق الطائف لا يزال يشكّل الأساس الّذي يرتكز عليه سلمنا الأهلي، وأنّ الدستور الّذي عدّل بموجبه قد أضحى مرجعيّة الشّرعيّة السّياسيّة في البلاد، فيكون علينا العمل أوّلًا على تنفيذ أحكام الطّائف الّتي لم تنفَّذ بعد، وعلى تصحيح ما شوّه منها عند التّطبيق؛ وعلى سدّ ثغرات الاتّفاق الّتي ظهرت في الممارسة".
وأشار سلام إلى أنّه "من أجل تعزيز مفهوم دولة القانون، لا شكّ في أنّ في إعادة صلاحيّة تفسير الدّستور إلى المجلس الدستوري، بحسب ما نصّ عليه اتّفاق الطّائف، ما سيعزّز من شرعيّة مثل هذا العمل، سندًا لقرينة حياديّة هذا المجلس وطبيعته القضائيّة. بينما إبقاء صلاحيّة تفسير الدّستور (خلافًا للطائف) لدى مجلس النّواب، ينطوي على خطر تعريض أيّ تفسير قد يقدم عليه للانتقاد، بحجّة أنّه تفسير وُضع لخدمة المصالح السّياسيّة للأغلبية البرلمانيّة".
وأوضح أنّه "قد لا يكفي إعادة الطّائف الى مساره الأصلي، بل لا بدّ أيضًا من سدّ ما ظهر فيه من ثغرات خلال الممارسة"، مؤكّدًا أنّ "الإصلاحات الماليّة والاقتصاديّة المطلوبة اليوم، يصعب أن تعطي ثمارها المرجوّة ما لم تترافق مع إصلاحات سياسيّة طال انتظارها. والمطلوب هنا، أن يتمّ وضع موضع التّنفيذ ما لم يطبَّق بعد من بنود اتّفاق الطّائف، وتصحيح ما نُفّذ منه إن خلافًا لنصّه أو لروحه، والعمل على سدّ ثغراته الّتي بيّنتها ممارسة السّنوات الماضية".
كما شرح أنّ "المقصود هنا ليس إعادة توزيع للسّلطة بين الطّوائف المختلفة، بل المقصود تعزيز دور المؤسّسات الدّستوريّة، وإعلاء مبدأ "منطق المؤسّسات" على أيّ اعتبار آخر. ولعلّنا من خلال إعادة اتّفاق الطائف إلى مساره الصّحيح، نعود ونضع لبنان على طريق بناء الدّولة الحديثة، الدّولة القادرة على فرض استقلاليّتها عن الطّوائف المختلفة وتكوين حيّز خاص بها". وشدّد على أنّه "ليس المقصود هنا دولة تُقام في وجه الطّوائف من جهة، ولا دولة تقوم على تسامح الطّوائف تجاهها من جهة أخرى، بل دولة قادرة على احتواء الطّوائف من ضمنها وعلى تجاوزها في آن".