21-02-2023
صحف
|
الأخبار
إلا أنّ الدولار واصل الارتفاع، ما استغلّه الصرّافون الموقوفون والفارّون على حدٍّ سواء للزعم بأن لا علاقة لمضارباتهم برفع سعر الصرف. غير أن تحقيقات محققي فرع المعلومات مع 18 صرّافاً وثّقت قيام هؤلاء بالتلاعب بالعملة عبر المقامرة لتحقيق أرباح أكبر. وكشفت التحقيقات أنّ بعض مجموعات الواتساب كانت وراء الارتفاع بوتيرة سريعة، وأنّ أعمال عدد من الموقوفين لا تندرج في خانة الصرافة، بل تتعداها إلى المضاربة على العملة الوطنية. وتبين أنّ الموقوفين هم مجموعة من عدد يصل إلى ألف صرّاف ينشطون على تطبيقات الواتساب وينتشرون على كافة الأراضي اللبنانية. وبخلاف ما يُشاع عن حجم الكتلة النقدية التي قد يتحكم بها بضعة صرافين، تبيّن أنّ حاجة المصرف المركزي الشهرية للدولار تتراوح بين 250 و 400 مليون دولار. وقد أقرّ الصرّاف، علي نمر الخليل، أنّه وحده كان يُسلّم المصرف المركزي يومياً بين 8 إلى 12 مليون دولار.
اطّلعت «الأخبار» على محاضر التحقيقات مع 18 صرّافاً غير شرعي مشتبه فيهم بأنهم «يقومون بأعمال مضاربة على العملة الوطنية ومراهنات ومزايدات تؤدي إلى رفع سعر الصرف»، وتقول المحاضر إن الموقوفين اعترفوا بأن أعمال المضاربة التي يقومون بها هي سبب رئيسي لرفع سعر صرف الدولار. مع تقديمهم الروايات التي تكشف الطرق التي يستخدمها المضاربون كلعبة قمار حيث يتّفقون في ما بينهم لرفع سعر الدولار ليرتفع فوراً على تطبيقات السوق الفورية للصرف.
القوى الأمنية ضبطت مع الصرّافين غير الشرعيين الموقوفين، عشرات مليارات الليرات ومئات ألوف الدولارات. وهم يديرون مجموعات على تطبيق «واتساب» تنقسم إلى مجموعات سوق الصرف الفوري ومجموعات «سوق الكشف». ومن أبرزها «مجموعة العاصمة» التي تحوّلت إلى ألعاب مقامرة ومراهنة هدفها المضاربة على الليرة لخفض سعرها أمام الدولار بهدف تحقيق أرباح طائلة. وغالباً ما يكون سعر الدولار على مجموعات الكشف أعلى من سوق السعر الفوري الذي لا يلبث أن يلحق به. وما إن يعلم هؤلاء بحاجة المصرف المركزي للدولار، حتى يحول الصرافون إلى مضاربين، وتبدأ المزايدة على سعر الصرف على مجموعات الكشف، ما يعني عملياً، أنهم يسجلون طلبات وهمية كبيرة على الدولار في ما يشبه المراهنة على ارتفاع سعره ما كان يؤدي فوراً إلى زيادة سعر الدولار. وهذه الطلبات على سوق الكشف تحدد سعر صرف للدولار يفوق سعر صرفه الحقيقي في السوق ما تنتج منه مضاربة تؤثر في السوق وترفع سعره. وكانت هذه المزايدة تتسبب برفع سعر الصرف عدة آلاف ليرة للدولار في اليوم الواحد.
وكشفت التحقيقات أنّ معظم هؤلاء كانوا يعملون لمصلحة مصرف لبنان المركزي عبر أربعة وكلاء كلّفهم حاكم المركزي بجمع الدولار لمصلحته، وهم شركة" أو أم تي" عبر يوسف الباشا وشركة "بوب فينانس" عبر مايكل عبد النور وشركة "سيتكس" عبر خليل أمهز وبنك الاعتماد عبر سليم الخليل. وتبين أنّ أبرز مجموعات سوق الصرف الفورية التي ينشط فيها عدد من الصرّافين الشرعيين فئة «أ» وفئة «ب» هي: «المعتمدة»، «سوق الضنية»، «مركزية الملك»، «المركزية الأقوى»، «المنصة»، «الهلال الأقوى»،" في أي بي بلاس "و«مجموعة لبنان».
أما سوق الكشف فهي تلك التي تنشط للمراهنات والمزايدات وتهدف إلى رفع سعر الصرف بشكل كبير على مجموعاتها وهمياً بهدف رفعه في سوق الصرف الفورية لجني مبالغ مالية كبيرة. وقد تبين أنّ المضاربين كانوا يحجزون عمليات شراء الدولار لعدة أيام متتالية عبر تثبيت طلب مبالغ كبيرة بسعر صرف يفوق سعر صرف السوق السوداء بعدة آلاف من الليرات. هذا الطلب غير الطبيعي على سوق الكشف ينتج منه ارتفاع في سوق الصرف الفوري بشكل جنوني. أما هذه المجموعات فهي: «العاصمة»، «الجنوب»، «٧٢»، «الروليت»،" بينغو" «بيروت الكشف». ويبلغ عدد أبرز المشتبه فيهم بالتورط في المضاربة نحو عشرين شخصاً هم: علي نمر الخليل، عيسى كنج، محمد بكري، حسان ناصر ملقب بـ «أبو حسن سقّيلو»، مصطفى حنجول، محمد منصور ملقب بـ «الصعصاع»، حسين خليفة، رضا حاطوم الملقب بـ «أبو جعفر»، شربل عقيقي، حسن فتوني ملقب بـ «بطل "سيتكس "، أيمن فتوني، أسامة ياسين الملقب بـ «الشيخ»، يحي أبو سكينة، أحمد الزين، عبد الرحمن جمعة، عثمان أحمد، مصطفى حسون الملقب بـ «ملك العملة الصعبة»، نزيه فراشة، رامي حسن.
وقاطع المحققون هذه الأسماء مع ما ورد في إفادات معظم الصرّافين الموقوفين الذين أكّدوا أنّ «كبار الصرّافين» و «رؤساء المجموعات» هم من يتحكمون بأسعار العرض حيث يُثبتون واتهموا كلاً من: علي نمر الخليل ومحمد بكري وأبو سمير وأحمد الزين وحسين مرمر الملقب بـ «الإدعشري» وآخرين بالوقوف خلف هذه العمليات.
بدأ المحققون بإفادة عيسى كنج الذي تحدث عن بداية عمله في مجال الصرافة عام 2019 بمبلغ 30 ألف دولار كان قد ادخره من عمله في ملحمة ابن عمّه قبل أن يعرض عليه ابن خاله علي نمر الخليل مشاركته مع ابن خاله يوسف الخليل عبر جمع أرصدتهم ليصبح المجموع 90 ألف دولار. وكان علي نمر الخليل يتولى تشغيل المبلغ في الصيرفة. استمر الثلاثة في العمل على هذا المنوال لغاية 2020 قبل أن يبدأ علي نمر الخليل العمل لمصلحة بنك الاعتماد عبر قريبه سليم الخليل حيث كان يجمع الدولار من السوق ليُسلّمه أسبوعياً مبلغ 400 ألف دولار. كما عمل مع وليد الغصيني الذي يعمل بصفة وكيل لشركتي "أم تي سي و ألفا" يروي كنج أنّه بداية عام 2022 انتقل علي للعمل مع شركة"أو أم تي" عبر بيعها الدولار مقابل عمولة يحصل عليها عن كل دولار يجمعه. استمر العمل مع الشركة حتى الشهر العاشر من 2022 قبل أن تبلغهم إدارة "أو أم تي" توقفها عن شراء الدولار. بعدها بدأوا العمل مع صرّاف يدعى علي الحلباوي مشيراً إلى أن آخر عملية بينهم حصلت يوم الخميس قبل أسبوع من توقيفهم وبلغت قيمتها مليون و 300 ألف دولار. وأشار كنج إلى أنه فسخ شراكته مع علي الخليل في الشهر السادس من 2022، مشيراً إلى أن الأرباح كانت أكثر من خمسة مليارات ليرة في العملية الواحدة على سوق الكشف، وكان أحياناً يتكبد خسائر بمبالغ أكبر. وتحدث كنج عن تأسيس مجموعة «سوق العاصمة» التي تُعنى بـ«الصرافة المكشوفة» أي المؤجلة لعدة أيام مع رهان على ارتفاع سعر الدولار. وأوضح أن الخليل كان يعرض مبالغ مالية طائلة بالدولار على سعر صرف بأسعار تتجاوز سعر السوق السوداء لأيام لاحقة وأحياناً يطلب مبالغ طائلة بالدولار، كاشفاً أنّ هذه المراهنة كانت تنتج منها أرباح وخسائر. وأوضح كنج أنّ مؤسس هذه المجموعة يستخدم اسماً مستعاراً هو محمد فضل الله علما ان اسمه الحقيقي هو عمر السيد علي كان يعمل لمصلحة شركة "أو أم تي" مع شخص آخر يدعى يحبى ابو سكيني المعروف بـ«أبو سمير» (فلسطيني الجنسية). وأضاف أنّه بمجرد تحديد سعر صرف الدولار على مجموعات الكشف وتحديداً «سوق العاصمة»، يجري تحديث سعر الصرف فوراً على التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي. وقال إن شخصاً يدعى إسماعيل المصري (صرّاف غير شرعي) عرّف علي نمر الخليل على شخص يدعى محمد يملك تطبيقاً لسعر صرف الدولار ويقيم في تركيا. وذكر أنّ علي الخليل كان يُرسل له سعر الصرف المحدد في السوق بشكل دوري لرفع سعر الدولار لتحقيق أرباح.
إفادة كنج تقاطعت مع إفادة علي نمر الخليل الذي تحدث عن بداية عمله في الصيرفة منذ بدء الأزمة عام 2019. يروي كيف بدأ العمل مع قريبيه حتى 2021 لينتقل إلى العمل لمصلحة بنك الاعتماد عبر قريبه سليم الخليل الذي يعمل لمصلحة مصرف لبنان، قبل أن يتعرف إلى يوسف الباشا مدير شركة "أو أم تي" ليتقاضى عمولة بالليرة عن كل دولار. وأكد أنّه كان يجمع للشركة نحو عشرة ملايين دولار يومياً، وأن الكوتا التي كان يؤمنها وصلت إلى ما بين 8 و 12 مليون دولار وأنه جمع للشركة قبل رأس السنة 48 مليون دولار.
وبعد توقف "أو أم تي"عن جمع الدولار لمصرف لبنان، أفاد الخليل بأنّه بدأ العمل مع علي الحلباوي بتكليف من بنك الاعتماد. وأفاد بأنّه كان يرفع سعر الدولار أكثر من سعر السوق بمئة وخمسين ليرة لترغيب الزبائن ببيع دولاراتهم بنسبة أعلى. واعترف بأنّه «بعد دخول علي الحلباوي السوق ومعرفتي بأنّه يريد شراء مبالغ مالية بالدولار والحاجة الماسة لمصرف لبنان لتلك المبالغ، كنت أقوم بشراء مبالغ طائلة بسعر يفوق سعر صرف الدولار في السوق السوداء لرفع السوق وإجبار الحلباوي على شراء الدولار مني. وذكر خليل أنّ الفرق الذي يضعه لسعر الدولار على سوق الكشف لا يتجاوز 400 ليرة بينه وبين السوق السوداء، لكن مع دخول شخص آخر ترتفع التسعيرة أكثر ويُصبح الفارق ألفي ليرة. وذكر الموقوف أنّ المبالغ تكون رقمية وأنّه لا يملك العملة اللبنانية، لكن إذا خاب توقعه يدفع الفارق فقط لصاحب العملية. وذكر أنّه خسر قبل عشرة أيام من توقيفه 14 مليار ليرة.
وأبلغ الموقوف يحيى أبو سكينة المحققين أنّ هدف «مجموعة الكشف» شراء الدولار وبيعه عبر توقع سعره والمراهنة على ارتفاعه أو انخفاضه. وذكر أنّه من هذا المنطلق كان يتم عرض وشراء الدولار بأرقام مرتفعة أو منخفضة، تبعاً للمصادر التي كانت تتوافر لهم. وأشار إلى أنّه كان ينفّذ عمليات شراء الدولار بسعر أعلى لكونه على علم مسبق بحاجة الحلباوي لتلك المبالغ، قائلاً: «من باب جني الأرباح كنا نعمد إلى رفع السوق الفورية التي كانت تلحق مجموعة الكشف».
في إفادته، ذكر علي الحلباوي الذي يعمل صيدلانياً أنّه مع بدء الأزمة بدأ ينشط ببيع وشراء الشيكات، وأنه تعرّف في تشرين الثاني الماضي 2022 إلى سليم الخليل الذي يعمل مع مصرف الاعتماد الذي يجمع بدوره الدولارات لمصلحة مصرف لبنان. وأفاد بأنّ خليل مرتبط بعقد رسمي مع مصرف لبنان وكان يستحصل على مبالغ مالية بالليرة من مصرف لبنان لشراء دولارات من السوق. وقد بدأ العمل معه على أن يتقاضى مئة ليرة عن كل دولار، مشيراً إلى أنّ حجم التداول مع مصرف لبنان يتراوح بين خمسة ملايين دولار وخمسة وعشرين مليون دولار يومياً لتأمين حاجات منصة صيرفة. وأشار إلى أنّه في الآونة الأخيرة بات يواجه عملية مضاربة كبيرة وابتزاز لرفع سوق الصرف بشكل جنوني لبيع مصرف لبنان الدولارات بمبالغ أكبر بكثير من سعر سوق الصرف الطبيعي ما يسبب خسائر لمصرف لبنان، مؤكداً أنّ «الارتفاع وهمي تسببه مجموعات سوق الكشف». وعن إفادات بقية الموقوفين بأن طلبه يتسبب بالضغط على السوق ما يرفع سعر الدولار، نفى الحلباوي ذلك مؤكداً أنّ المصرف المركزي يطلب تأمين الدولار بحسب السعر الطبيعي وبكوتا يومية لا تسبب الضغط على السوق. وهذا الأمر مختلف عن المزايدة والمضاربة والمراهنة التي تجري على مجموعات الكشف.
أوضح أحد الموقوفين آلية التحكم بالأسعار عبر مجموعات منتشرة على تطبيق «الواتساب»، وقال : «الأمر يبدأ عندما يطلب مصرف لبنان من خلال مدير عمليات القطع الأجنبي عباس عواضة مبلغاً كبيراً من الدولار لشرائه من الشركات الموجودة في السوق : شركة "سيتكس"لصاحبها حسن مقلّد، "بوب فينانس" لصاحبها سليم صفير، و"أو أم تي " لصاحبها أمل أبو زيد، وعلي الحلباوي وسليم الخليل لمصلحة مصرف الاعتماد. ومع تحديد سعر الصرف المنوي الشراء على أساسه، يُصبح هذا السعر بمثابة سعر رسمي أو «كعب السوق». عندها يقل عرض الدولار فيضطر من يُريد الشراء إلى رفع السعر المحدد ليستطيع شراء كميات الدولارات المطلوبة. وهنا تبدأ المضاربات من قبل أعضاء مجموعات الواتساب الذين يستغلون تجفيف الدولار من السوق وعملية شرائه لطلب الدولار بأسعار أعلى. إذ بمجرد معرفة المشرف على مجموعة «سوق العاصمة» أنّ المصرف طلب شراء مبلغ كبير على سعر معين، يطلب شراء هذا المبلغ من سوق الكشف. ثم يطلب المزيد من الدولارات في اليوم التالي لكن بسعر أعلى ليحقق أرباحاً خيالية. وفي الوقت نفسه يكون قد رفع سعر الصرف. المحصلة أنه بمجرد علم الصرّافين بطلب المصرف للدولار يبدأون بالمزايدة على سعر الصرف والمراهنة على ارتفاعه ما يؤدي إلى ارتفاعه فوراً في سوق الصرف الفوري.
وبالاستماع إلى إفادة مدير وحدة العملات الأجنبية في مصرف لبنان عباس عواضة، كرر الحديث عن الشركات الأربع التي تُسلم المصرف الدولار مشيراً إلى أنّ "بوب فينانس و أو أم تي " توقفت عن تسليمهم الدولار، فيما وضعت شركة "سيتكس"على لائحة العقوبات ليتوقف المصرف عن التعامل معها. وذكر أنّ مصرف الاعتماد لا يزال حتى اليوم يقوم بتأمين الدولار للمصرف المركزي. وأشار إلى أنّ التعامل مع هذه الشركات يتم بالاستناد إلى التعاميم الصادرة عن المصرف المركزي وقانون النقد والتسليف، وأنّ المصرف يشتري بين 250 مليون دولار و400 مليون دولار شهرياً بحسب حاجته.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار