قبل اربعة أيام على الذكرى السنوية الأولى لبدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط، وصل الرئيس الاميركي جو بايدن في زيارة مفاجئة عبر قطار الى كييف وتمشى في شوارعها، حاملا رسائل مباشرة وغير مباشرة، فماذا في المضمون؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يقول لـ"المركزية": "جاء بايدن في إطار الاحتفالات بالذكرى السنوية، التي سبقتها خطوات عدّة حصلت في اوكرانيا، منها عقد الاتحاد الاوروبي قمته السنوية في كييف والتي كانت نوعا من توجيه رسالة مميزة من قبل الغرب إلى العالم، وثانيا حضور الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي اجتماع الاتحاد الاوروبي في بروكسل وخطابه المباشر في الذكرى السنوية لمؤتمر ميونيخ للأمن، والجولة التي قام بها في اوروبا، واليوم جاءت زيارة بايدن لتتوج كل ذلك".
ويؤكد العزي ان "زيلينسكي أثبت بعد 12 شهراً على الحرب، أنه الرجل الأقوى والأول في اوروبا بعدما تحدى الروس وتصدّى جيشهم مكبّدا إياه خسائر فادحة، وشكّل قضية وطنية اوكرانية يلتفّ حولها الجميع، وفرض نفسه على كل الدول الاوروبية من خلال خطاباته التي أعلن فيها أنه يدافع عن الديمقراطية والقيم الغربية ويواجه دكتاتورا، خاصة وان الاميركيين والاوروبيين كانوا خائفين من هالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقوة روسيا المخيفة التي كان الغرب يتحاشى الصدام معها. وأيقن الغرب ان زيلينسكي دافع عن كل اوروبا لأن سقوط اوكرانيا يعني سقوط كل الدول الاوروبية كحجارة الشطرنج أمام الغطرسة الروسية".
ويشير العزي الى ان بايدن حضرالى كييف ليقول إن اوكرانيا خط أحمر وإنه سيدعمها بكل الامكانات وبالتالي على روسيا أن تُذعن للقوانين الدولية. والنقطة المهمة بالنسبة للولايات المتحدة ان خسارة روسيا تعني استنزاف بوتين وكشف حجم قدراته أمام العالم، وتوجيه رسالة له بأنه لن يستطيع تحقيق قدراته ما لم يقدّم له الغرب هذا الهامش. ويلفت العزي الى ان "بوتين أخطأ عندما هدّد بالقنبلة النووية ما أسقط الثقة الكاملة بينه وبين الغرب، ناهيك عن الأمن الغذائي وان دباباته ستتجول في ساحات براغ وبودابست ووارسو، الى جانب استخدامه الطاقة والحرب السيبرانية، فاعتبر الغرب ان بوتين لم يردّ له الجميل عندما وقف الى جانبه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودعمه ومكّنه من الوصول الى كل المؤسسات العالمية".
ويضيف العزي: "جاء بايدن ليقول ان اوكرانيا لن تسقط كما تتمنى روسيا، بل سُمح لها بأن تدكّ المواقع في منطقة الدونباس والتي كانت ممنوعة. اوكرانيا ستحرر القرم بإمكانات وصواريخ وتدريبات عسكرية، وستُجهّز لها فيالق من الدبابات والصواريخ، وبالتالي وجود بايدن اليوم في اوكرانيا هو للاحتفال بالنصر الذي حُقق بغض النظر عن عدم انتهاء المعركة. لماذا؟ لأن الخاسر فعلياً هم الروس .هم لم يحققوا أهدافهم التي دخلوا من أجلها".
ويتابع العزي: "بهذه الزيارة، وجّه بايدن رسالة الى بوتين مفادها أنه لن يستطيع تحقيق النصر على الغرب حتى لو أحاط نفسه بأشخاص يفكرون بعقول المافيا، لأن في الجهة المقابلة 56 وزيرا في رامشتاين يفكرون في كيفية توجيه ضربة قاضية لبوتين". والرسالة الثانية التي وجهها بايدن الى بوتين هي: "صحيح ان سقوط اوكرانيا ممنوع، لكن في الوقت نفسه لا نريد اسقاطك ليس حفاظا عليك بل لعدم تقطيع أوصال روسيا". لذلك لاحظنا ان السلاح الذي يتمّ تقديمه الى اوكرانيا يتدفّق إليها بشكل تدريجي، للقول لروسيا بأنه مخصص لتحرير الاراضي الاوكرانية وليس لدك روسيا. لكن في الوقت نفسه رسالة لبوتين أنه في حال استخدم النووي سيتم قصفه حتى في ملجئه، إلا ان بوتين أجبن من ان يضرب النووي. يكفي ان ننظر كيف كان يجلس بعيدا عن زواره خلال انتشار وباء الكوفيد 19، تحاشيا لالتقاط العدوى".
ويؤكد العزي ان الغرب اتخذ القرار، وستبدأ المعركة عندما يذوب جليد الشتاء في سهول اوكرانيا، وجاء بايدن برسالة مهمة وليس بالدعم المالي او السياسي إنما بإنشاء مصانع لتصنيع المعدات الحربية في كل دول اوروبا الشرقية لتزويد الجيش الاوكراني بهذا العتاد وتدريبه. لذلك، يوجه بايدن رسالة الى الروس بأن عليكم وضع حد لهذه المهزلة لأنكم ستدفعون الثمن. إلا ان روسيا لا تستطيع ذلك لأن الامر أصبح معلقاً بقضايا اخرى كالحرب والسلم والاراضي التي تم ضمها ومسألة الرئيس القادم والعقوبات والكثير من الامور التي تحاول روسيا الخروج منها، لكنها لم تعد تستطيع ذلك".
ويشير العزي الى ان "الولايات المتحدة جاءت اليوم لتقول لروسيا: "نقطة على السطر. اعطيناكم سنة كاملة لكي تفرضوا قدراتكم وشروطكم لكنكم لم تتمكنوا من ذلك. اليوم، انتهينا واوكرانيا ستعد عدتها، واذا استطعتم دمروا ما سنرسله لكييف". إلا أن هذا الامر لن يكون سهلا، لأن روسيا اذا لم تستطع اليوم الخروج بموقف سياسي سريع بإعلان التفاوض على نقاط زيلينسكي العشر، سيعمل الجيش الاوكراني، اذا تسلم المعدات المطلوبة والصورايخ البعيدة المدى، على استعادة أراضيه وبالتالي لن تستطيع روسيا ان تقف في وجه الغرب لأن هذه المعركة هي معركة غير مباشرة ضد الغرب".
ويختم: "روسيا تريد ان تفرض شروطها على اوروبا، لكن الأخيرة لن تقبل، والاميركيون في نهاية المطاف ليس لديهم مشكلة، لأنهم دوما مع المنتصر والمنتصر هو الذي يفرض شروطه".