10-02-2023
صحف
|
الراي
هكذا بدا لبنان أمس يتقلّب بين قلقيْن: أولّهمل خوفٌ استوطنَ أهلَه منذ الكارثة المزلزلة في تركيا وسورية، و«أشعلتْه» هزّةٌ وقعتْ (مساء الاربعاء) على أحد الفوالق التي تقيم فوقها «بلاد الأرز» جنوب الهرمل (بقوة 4.2 درجة) وأجّجتْه اشاعاتٌ تحوّلت زنّارَ رعبٍ لفّ البلاد وناسَها. والثاني واقع مالي - نقدي مخيف زاد من وطأته مضيُّ الدولار في هزِّ آخِر الطبقات الفاصلة عن القعْر المميت، من دون أن تبرّد قلوبَ اللبنانيين المَشاهدُ الساحرة لـ «الجنرال الأبيض» الذي كسا مرتفعاتٍ تكلّلتْ بالثلج ولكن «حزامَ الجليد» الذي رافَقَه أحيا الخشيةَ الدائمة على مَن وَضَعَهم الانهيارُ المالي في مرمى الموت البطيء من الجوع و... البرد.
وعلى وقع استمرار خفوت صوتِ العناوين السياسية الداخلية لمصلحة طغيانِ بداياتِ «الشَبْك» الرسمي مع النظام السوري من بوابة الدعم الإغاثي والانساني، وما قد يستدرجه من إحياءِ خط الاشتباك السياسي الداخلي حول هذا الملف، بقي اللبنانيون أمس مشدودي العيون إلى نكبةِ سورية وتركيا وعمليات الإنقاذِ المستمرة، ومشدودي الأعصاب بعد ليلةٍ «لا تُنسى» من ضخّ اشاعاتٍ عن زلزال «يطرق الباب» استدعتْ خروجَ البعض من منازلهم إلى عراء آمن وتحضير البعض الآخر «حقائب الهروب» عند أول اهتزازٍ أرضي.
ولم تنجح التطميناتُ الرسمية في «تنويم الكابوس» من حَدَث مزلزل قد يقع بين لحظة وأخرى وغذّتْه تصريحاتٌ من مديرة المركز الوطني للجيوفيزياء مارلين البراكس عن «حركة غير عادية» مع تسجيل 11 هزة داخل لبنان في اليومين الماضييْن (ليست ارتدادات) وضرورة البقاء في وضعية alert لنحو 48 ساعة ووجوب إبقاء حقيبة تحتوي على مال وباسبور ومقتنيات ثمنية وحتى أدوية (للمرضى) قرب الباب تَحَسُّباً.
وفي موازاة هذا الهمّ «الموْصول» باستمرار تَقَصي أحوال اللبنانيين المفقودين في تركيا خصوصاً، لم تهدأ التحرياتُ عن تداعيات «التطبيع الناعم» للبنان الرسمي ممثَّلاً بحكومة تصريف الأعمال مع النظام السوري وفق ما عبّرت عنه زيارة الوفد الوزاري الرباعي لدمشق واستقباله من الرئيس بشار الأسد الذي تبلّغ قرار بيروت بفتْح جميع الموانئ الجوية والبحرية والبرية اللبنانية لمرور المساعدات إلى بلاده، وأكد للوفد «أهمية التعاون بين لبنان وسورية في جميع المجالات انطلاقاً من المصالح المشتركة التي تجمعهما».
وتساءلتْ أوساطٌ مطلعة عن سرّ اندفاعة الحكومة إلى تكريس النظام السوري «معبراً سياسياً» للدعم الانساني في غمرة محاذرة عواصم اقليمية ودولية ذلك ورفضها جعْل الزلزال مدخلاً لانتزاع الرئيس الأسد شرعيةً عربية ودولية، وسط توالي تأكيدات فرنسا أن الدعم مستمرّ لمنظماتٍ غير حكومية ومن دون المرور بحكومة دمشق، وتشديد واشنطن على أن عقوبات «قيصر» لا تشمل المساعدات الانسانية والطبية والمواد الغذائية والخيم وغيرها «ولا تمنع وصولها للشعب السوري، ولن نمنع أي دولة من تقديم هكذا مساعدات».
ولاحظت هذه الأوساط مفارقةً نافرة شكّلها التزام «التيار الوطني الحر» تكليف الرئيس نجيب ميقاتي الوفد الوزاري زيارة دمشق (ضم وزيرين محسوبين على التيار أحدهما وزير الخارجية الذي ترأس الوفد)، في حين يرفض التيار المشاركة في جلسات الحكومة نفسها لمناقشة بنود مُلِحّة بحجة أنها حكومة مستقيلة ولا يجوز أن تجتمع في ظل الفراغ الرئاسي واصفاً التئامها بـ «المجزرة الميثاقية»، في حين أنه يلاقي رئيسها في تطورٍ بحجم التطبيع مع النظام السوري، وهو أبعد ما يكون عن «النطاق الضيق لتصريف الأعمال» و «يربط» مع ملف سياسي بامتياز وذي ارتداداتٍ تتعلق بتموْضع لبنان على «فالق» الصراع الاقليمي الذي تشكل سورية أحد أبرز حلقاته.
ولاحظت أن رئيس التيار جبران باسيل مضى في دعوة «الدول التي فرضت حصاراً لرفعه عن سورية» وفق ما أعلن أمس غداة مطالبة الهيئة السياسية للتيار بوجوب «أن يتغيّر مسارُ التعاطي الدولي مع سورية وفتْح الباب أمام قرارات جدّية لرفع الحصار والظلم، لأن المسألة لم تَعُدْ استهدافاً لنظام بل أصبحت استنزافاً قاتلاً لشعبٍ»، طارحة علامات استفهام حول إذا كان «سباق التطبيع» يتصل في جزءٍ منه بـ «سوء تقدير» وفي جزء آخَر بلعبة مزايداتٍ داخلية ذات صلة بالاستحقاق الرئاسي وعبّر عنها «تصويبٌ» على زعيم «المردة» سليمان فرنجية لمقاربته كارثة الزلزال بتغريدةٍ «محايدة» قدّم فيها «كل العزاء للدول والشعوب التي تضررت جراء الزلزالين» من دون أي ذكر لسورية التي تربطه بقيادتها علاقة عميقة وراسخة.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار