وكأن القضاء "بعيد عن أورشليم"... عبارة تنطبق على قرار محكمة التمييز المدنيّة الأخير في حق مصرف "فرنسبنك"، والتي تبدو غير عليمة بفداحة التدهور المالي والاقتصادي، أو ربما تغفل عنها...
الغريب في الملف "القديم – المستجد" أن قراراً قضائياً يُجبر المصرف على دفع 100 ألف دولار دفعة واحدة "نقداً" Cash، في خطوة تسجّل مخالفة لأبسط قواعد مكافحة قانون تبييض الأموال! تحت غطاء الدفاع عن أموال المودِعين والتي يُقِرّ بأحقيّة استرجاعها، القطاع المصرفي قبل غيره في أكثر من موقف وبيان...
... اليوم، أقفل مصرف "فرنسبنك" فروعه كافة "بهدف تعديل أنظمته الداخلية سواء للودائع أو القروض، تماشياً مع الحكم القضائي الصادر بالأمس عن محكمة التمييز والقاضي برفض الشيك كوسيلة إيفاء للدفع". وفيما يعتبر المصرف "أن الأزمة هي أزمة نظامية تحتاج علاجا شاملاً"، فإنه يقوم "بتعديل أنظمته تفادياً للاستنسابية في ضوء القرار القانوني المذكور".
وكان "فرنسبنك" قرّر إغلاق جميع فروعه اليوم على خلفية صدور قرارين عن محكمة التمييز المدنية - الغرفة الثانية، بقبول الطعنين التمييزيين المقدّمين ضدّ المصرف شكلاً وأساساً، ونقض القرارين المطعون فيهما الصادرَين عن محكمة الاستئناف المدنية برئاسة القاضي حبيب رزق الله واللذين قضيا بقبول طلب المصرف وقف تنفيذ الشيكين المصرفيين الصادرين عن "فرنسبنك" نقداً، كما وتصديق القرارين المستأنفين الصادرين عن القاضي المنفرد في بيروت رولا عبدالله بتاريخ 7 آذار 2022 القاضيين بردّ طلبي وقف التنفيذ المقدّمين أمامها من "فرنسبنك".
وإذ أكدت مصادر فرنسبنك أن آليات السحب ATM تعمل بشكل طبيعي لتلبية طلبات العملاء، نفت عبر "المركزية" ما تم تداوله في بعض وسائل التواصل الاجتماعي أن "دوائر التنفيذ القضائية تضع يدها على جميع ممتلكات فرنسبنك وتختم خزائن البنك بالشمع الأحمر وتضع يدها على جميع الأموال إلى حين تنفيذ قرارين قضائيين يقضيان بدفع مستحقات مودِعين بشكل كامل بالدولار، وإلا سيتم عرض جميع ممتلكات البنك للبيع بالمزاد العلني".
وجزمت المصادر أن هذه المعلومات غير صحيحة إطلاقاً، وإلا لما كان المصرف أعلن أن أجهزة صرافاته الآلية (ATM) جاهزة للاستخدام في كل المناطق اللبنانية لتلبية حاجة زبائنه.
الدفع "نقداً" يغيّر المعادلة..
ومع عودة ملف المودِع عياد ابراهيم إلى الواجهة، يقول مصدر مالي متابع لـ"المركزية": لقد أقرّت محكمة التمييز المدنية بأحقية حصول المودِع ابراهيم على أمواله "نقداً"، وكأنها بذلك حوَّلت الاقتصاد إلى نقدي بامتياز وبالتالي مهّدت لتعليق التداول بالشيكات المصرفية التي لم تَعد توفي دَيناً".
انطلاقاً من هنا، يُضيف المصدر "قرّرت إدارة "فرنسبنك" إدخال التعديلات اللازمة على أنظمته المعتمدة تماشياً مع الحكم القضائي الأخير، بما فيه تعديل آلية تسديد الدين حيث يُفترض أن يتم بعملة القرض و"نقداً" تماشياً مع القرار القضائي، وتفادياً لأي استنسابية بين عميل وآخر... فإذا كان المطلوب دفع وديعة أحدهم بالدولار "كاش" فذلك يجب أن يُطبَّق على جميع المودِعين من دون استثناء أو استنسابية، وبالتالي لكي يستطيع المصرف ذلك عليه أن يُدخل التعديلات على أنظمته ليتمكّن من تأمين الدولار نقداً، وبذلك يتوجّب عليه تقاضي دينه نقداً وبالعملة التي أقرض بها، انطلاقاً من المعادلة الآتية: إذا كان على المصرف دفع المال نقداً للعميل، إذاً عليه قبض الدين نقداً وبعملة القرض. إذ لا يجوز هنا الاستنساب: الدفع لمودِع "نقداً" وللآخر شيك مصرفي! فالاستنسابية لم تكن يوماً في صلب عمل القطاع المصرفي".
ويذكّر بأن "المصارف تلتزم جدياً بالسحوبات النقدية التي ينظّمها مصرف لبنان، أما إذا طرأ نظام جديد يسمح لكل مودِع بأن يحصل على وديعته "نقداً"، فهذا يتطلّب إدخال تعديلات في النظم المصرفية كلها.... إذ يَستحيل على أي مصرف دفع 100 ألف دولار نقداً دفعة واحدة، حتى في الولايات المتحدة الأميركية. فكيف بقرار قضائي يطلب ذلك؟! عندها تتغيّر صورة لبنان النقدية والمصرفية!"، من دون أن يغفل الإشارة إلى أن "عياد ابراهيم من التابعيّة المصرية، فلو حتى تم تحويل أمواله "النقدية" إلى مصر لكانت خضعت لشروط الـ"الكابيتال كونترول" حتماً...".
هذه الصورة المقتضبة، تعكس تخبّط القضاء من جهة، والانفعالية التي تُدير أحكامه "أحياناً"، تفادياً للشمولية...