31-01-2023
إقتصاد
|
سكاي نيوز
مراقبون كثر متفائلون بأن الانخفاض التدريجي في معدل التضخم، رغم اختلاف أسبابه بين الدول الرئيسية في العالم، هو مؤشر على أن الاقتصاد العالمي بدأ يتعافى دون الحاجة للمرور بفترة من الكساد، التي كان البعض يخشى أن تكون حادة، بل حذر كثيرون من تحوله إلى كساد تضخمي خطير.
هناك قياسان شائعان لمعدل التضخم. الأول هو معدل التضخم الأساسي الذي يُسقِط من حساب المعدل المواد المتقلبة الأسعار، لأن إدخالها يشوه الاتجاه العام للأسعار، خصوصا المواد التي ترتفع أسعارها ارتفاعا شاهقا ومفاجئا. والنوع الثاني هو التضخم المؤقت والذي يشمل جميع المواد والخدمات. لكن المعدل السائد هو الأساسي. هناك قياسات أخرى منها (مؤشر الأسعار الاستهلاكية ) و(مؤشر أسعار الجملة)، وهما مستخدمان في العديد من الدول لقياس الأسعار الاستهلاكية التي تؤثر على معظم الناس.
انخفض معدل التضخم في الدول الأوروبية، بسبب انخفاض أسعار الطاقة، لكن هذا الانخفاض قد لا يدوم طويلا، خصوصا بعد رفع الإغلاق في الصين وإنهاء سياسة تصفير الإصابات بكوفيد 19، التي اتبعتها السلطات الصينية منذ أواخر عام 2019، ما يعني أن الصين سوف تستهلك المزيد من الطاقة مع اشتداد الحركة الاقتصادية فيها، وهذا سيؤدي إلى رفع أسعارها من جديد.
إضافة إلى ذلك، فإن اعتدال فصل الشتاء الماضي قد وفر نسبة كبيرة من الطاقة التي كانت ستستهلك لو كان البرد قارسا. كما أن امتلاء خزانات الوقود الأوروبية، قد أوقف شراء الغاز، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الأسعار. لكن العديد من الخزانات قد شُيِّدت، أو أنها في طور التشييد، ما يعني أن الكثير من الدول سوف تحتاط للمستقبل بخزن المزيد من النفط والغاز خلال الصيف المقبل.
لكن مؤشر الأسعار الاستهلاكي، الذي يقيس المواد الغذائية، مازال مرتفعا في الاتحاد الأوروبي، إذ بلغ 18.5% في ديسمبر الماضي على الرغم من انخفاض معدل التضخم الأساسي للشهر الثاني على التوالي. أسعار العديد من المواد الغذائية تواصل ارتفاعها، وفي بعض البلدان ارتفعت عاليا، إذ بلغ معدل ارتفاعها في هنغاريا إلى 50%، ولتوانيا 33.5% وأستونيا 30.8% حسب جريدة يورونيوز.
وفي بريطانيا بلغ معدل التضخم 11.1% في أكتوبر الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ 41 عاما، لكنه بدأ في النزول ليصل إلى 10.5% في ديسمبر. الحكومة البريطانية مصممة على خفض معدل التضخم مهما كلف من ثمن، لذلك لم تتفاوض بجد مع نقابات العمال التي أضربت في معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية، من الممرضين وسائقي الإسعاف إلى عمال الإطفاء وسائقي القطارات والمعلمين والأطباء.
التفاؤل يسود البرازيل أيضا مع تولي الرئيس لولا دي سيلفا الحكم مرة ثالثة، بعد فترة تخبط اقتصادي سادت في البرازيل منذ نهاية فترته الثانية عام 2010، إذ تخبطت حكومة خليفته، ديلما روسيف، وطالتها اتهامات فساد، ما أدى إلى انكماش اقتصادي خطير، رغم أنها ورثت اقتصادا ينمو بمعدل قارب 8%. بعد ذلك جاء الرئيس اليميني، جايير بولسونارو، الذي اتخذ من دونالد ترامب مثالا له، إذ قام مؤيدوه باقتحام المباني الحكومية احتجاجا على هزيمته الانتخابية. وفي عهد بولسونارو، تدهورت البيئة وتدنى الأداء الحكومي وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4%، لكن الذي أسعفه في عاميه الأخيرين، هو ارتفاع أسعار النفط وفول الصويا، وهما من الصادرات البرازيلية الرئيسية.
الاتفاقية المعقودة بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة ميركوسور، التي تضم كلا من البرازيل والأرجنتين وبارغواي وأوروغواي، سوف تساعد على تعزيز التعاون الاقتصادي بين المجموعتين. كذلك فإن التقارب بين الأرجنتين والبرازيل، مثلا، بلغ درجة الاتفاق على إصدار عملة مشتركة. وكان الاتحاد الأوروبي قد أوقف العمل باتفاقية التعاون، احتجاجا على سياسات رئيس البرازيل السابق، بولسونارو، المضرة بالبيئة.
اليابان خالفت باقي الدول الصناعية بخصوص معدل التضخم وأسعار الفائدة، إذ سارت في الاتجاه المعاكس، فقد ارتفع معدل التضخم إلى 4% بسبب ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي المدعوم بارتفاع الأجور. ومع أن بنك اليابان أعلن بأنه سيبقي سعر الفائدة قريبا من الصفر، بهدف تحفيز النمو الاقتصادي، لكن هذا الوضع لن يستمر طويلا، إذا ما واصل معدل التضخم ارتفاعه. لكن معدل التضخم الياباني يبقى منخفضا، مقارنة مع المعدلات العالمية.
وفي الصين يتوقع المراقبون نموا اقتصاديا نشيطا، مدفوعا بارتفاع الانفاق الاستهلاكي، خصوصا بعد التخلي عن سياسة تصفير الإصابات بكوفيد 19، وأن هذا النمو سوف ينعش الاقتصاد العالمي. وقد أكد رئيس الوزراء الصيني، لي كيكيانغ، أن الإنفاق الاستهلاكي سيكون الدافع الأكبر لنمو الاقتصاد الصيني "وأن تحفيز الاستهلاك هو خطوة لتوسيع الطلب الوطني، وأن هناك حاجة لتفعيل الدور الهيكلي في الاقتصاد الصيني".
وفي الولايات المتحدة، انخفض التضخم نتيجة لانخفاض أسعار المواد الاستهلاكية والصناعية المستوردة، بسبب ارتفاع سعر الدولار، إضافة إلى انخفاض أسعار الطاقة. وقد تصاعدت الآمال باستقرار الأسعار دون المرور بفترة كساد، وتزايد التفاؤل مع ارتفاع أسعار الأسهم الأمريكية في مؤشر S&P، بنسبة 5% منذ بدء السنة.
غير أن انخفاض الأسعار يؤشر في الوقت نفسه إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي، أي انخفاض النمو الاقتصادي، وهذا غير محبذ في الظروف الطبيعية، لأنه مؤشر على قرب حلول الكساد..
الشركات عموما، والعملاقة منها تحديدا، تنظر نظرة بعيدة الأمد إلى أداء الاقتصاد الكلي في مناطق نشاطها، لأسباب تتعلق بربحيتها. فارتفاع معدل التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة وتقلص النمو الاقتصادي، تربك الوضع الاقتصادي العام، وهي في الوقت نفسه تربك خطط الشركات المستقبلية، وتحد من أرباحها واحتمالات توسعها، لذلك فإن لها مصلحة في مساعدة الحكومات على خفض معدل التضخم واستقرار الأسعار.
انخفاض معدل التضخم في دول العالم الرئيسية يبشر بخير، لكن المتغيرات السياسية، كالعلاقة بين الصين والولايات المتحدة، وتواصل الحرب في أوكرانيا، واستمرار النشاط الإيراني المزعزع لاستقرار الشرق الأوسط، أو التغيرات البيئية والمناخية، قد تربك الخطط الاقتصادية وتحدِث مفاجآت تفرض اتباع سياسات مغايرة
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار