مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

شبح الإضرابات يلاحق فرنسا وبريطانيا.. وأوكرانيا القشّة التي قسمت ظهريهما

31-01-2023

عالميات

صورة غير وردية، تعيشها فرنسا وبريطانيا، مع دخول البلاد موجة من الإضرابات والاحتجاجات المستمرّة. وفيما تشهد فرنسا تظاهرات ضدّ نظام التقاعد المثير للجدل، تترقب بريطانيا تظاهرات ستنطلق غداً، للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور في ظل ارتفاع مستويات التضخم إلى مستوى غير مسبوق، نتيجة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والآلية التي تعاطت بها الحكومتان مع الأزمة.

رغم ما تشهده البلاد من موجة إضرابات متتالية، إلا أنّ رئيسة الوزراء الفرنسية غليزابيت بورن تغرّد خارج سرب الاقتصاد الفرنسي المتأزم. فبدلاً من الخروج باتفاق يرضي النقابات العمالية بشأن قانون التقاعد، قدّمت بورن خطّة لمكافحة العنصرية و"معاداة السامية".

"ثلاثاء أسود"، بانتظار فرنسا مثلما حدث في "الخميس الأسود" في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير في البلاد، وفق ما وصفته وسائل الإعلام الفرنسية، نظراً لحجم التعبئة الحاشدة التي دعت إليها النقابات العمالية، وغالبية عريضة من الشعب الفرنسي.

هذا كله بهدف الضغط على الحكومة، للعدول عن قرار رفع سن التقاعد إلى 64 عاماً، نظراً لما يحمله من أعباء إضافية على كاهل المواطن الفرنسي، والذي يسجّل في صالح الشركات الكبرى، التي يؤخذ على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تقديم الدعم اللامتناهي لها.

فالأولوية الحقيقية لماكرون ليست حماية العمال أو حتى تحقيق التوازن في الميزانية، بل دعم الشركات الكبيرة، وفق ما يقول موقع "سبايكد" البريطاني.

فبالنسبة  إلى منتقدي سياسة ماكرون، تقول مجلّة فورين بوليسي، إنّ "ما تحاول الحكومة فعله هو الموازنة بين النفقات والإيرادات في ميزانية الدولة ولكن من خلال استغلال الطبقة العاملة في فرنسا"، وهو ما يبرز وقوف ماكرون إلى جانب معسكر اليمين، الذي فاز بأصواته  بإعادة انتخابه العام الماضي .

ومع بدء النقاش البرلماني حول النص المثير للجدل، وتصاعد حدّة التوتر السياسي والاجتماعي، استبعدت رئيسة الوزراء الفرنسية التراجع عن خطّة رفع سن التقاعد، قائلةً هذا "غير قابل للتفاوض". فزيادة السن الأدنى للتقاعد من 62 عاماً حالياً إلى 64 عاماً جزء من حزمة إصلاحات رئيسية اقترحها ماكرون لضمان التوازن المالي لنظام التأمين الاجتماعي في فرنسا، والذي يتوقع أن يقع في عجز في السنوات القليلة المقبلة.

أمّا التعديل المطروح فيشمل بعض الإجراءات، بما ذلك عدد سنوات المساهمة اللازمة للتأهل للحصول على معاش تقاعدي كامل، إضافة إلى شروطٍ خاصة لمن بدأوا العمل في سنّ مبكرة، وأخرى للأمهات اللواتي أوقفن مسيرتهن المهنية لرعاية أطفالهن.

وفي ذلك تحدّ إضافي لأكثر من مليون فرنسي خرجوا  قبل حوالى الأسبوعين، رفضاً للمشروع الإصلاحي، على اعتبار أنّه مشروع غير عادل ويصب في مصلحة الأثرياء.

الإضراب يشمل خدمات السكك الحديدية وبقيّة وسائل النقل العام، وتوقف المدارس والإدارات العمومية، لكن المعارضة تتوقع أن تتوسع رقعته الشهر المقبل إلى قطاعات تشمل الموانئ التجارية ومصافي النفط ومحطات الوقود. ما يعني إصرار الأخيرة على المضي في مطالبها، بعد رفعها لسقف التوقعات، وتعويلها على نجاح التعبئة، في ظل استطلاع جديد أجرته مجموعة "أوبينيون واي" ونشرته صحيفة "لي زيكو" المالية، أظهر أنّ 61% من الفرنسيين يؤيدون الحركة الاحتجاجية، بزيادة ثلاث نقاط مئوية عن استطلاع مماثل أجري في 12 كانون الثاني/يناير.

أكثر من 200 احتجاج في أنحاء البلاد، مع مسيرة كبيرة ستشهدها باريس، ستشكّل اختباراً حقيقياً لحكومة ماكرون في الشارع، وكيفية تعاطيها مع الأزمة المستفحلة التي ستشل مفاصل الحياة في البلاد، وسط تحذيرات من أزمة سياسية  وأمنية تتمثل في عودة مشاهد العنف إلى باريس.

وأمام إصرار الحكومة في المضي بقرارها ومحاولات جعله أمراً واقعاً، يبدو أنّ المشهد الفرنسي متّجه نحو المزيد من تعقيدات لن تقتصر على الشارع فقط، بل ستمتد المعركة إلى داخل أروقة البرلمان.

ومع تقديم المعارضة اليسارية أكثر من سبعة آلاف اقتراح تعديل على المسودة في محاولة لإبطاء مسار نقاشها في البرلمان، يفتقر ماكرون وحلفاؤه إلى الغالبية المطلقة هناك. وسيحتاجون إلى أصوات من المحافظين لإقرار خطة التقاعد.

لكن لدى الحكومة خيار فرض مشروع القانون من دون تصويت بموجب سلطات دستورية خاصة، ما يعني المخاطرة بالتسبب في تصويت بحجب الثقة عنها، وربما التوجه إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة.

الوضع في بريطانيا، بطبيعة الحال ليس أفضل من نظيره الفرنسي، إذ  تستعد المملكة المتّحدة غداً لتسجيل أضخم إضراب عمالي منذ أكثر من 10 سنوات، تليه سلسلة من الإضرابات الإقليمية على مدار 6 أيام في شباط/ فبراير وآذار/ مارس، احتجاجاً على عدم زيادة الأجور بما يتناسب مع التضخم المرتفع والأزمة المعيشية التي تعصف بالملايين.

وسيمتنع أكثر من نصف مليون بريطاني عن الذهاب إلى أعمالهم، بعد أن أعلنت سبع نقابات عمالية مجتمعة الإضراب عن العمل غداً، وسط توقعات بأن يتكبّد الاقتصاد خسائر قاسية من جراء هذا الإضراب الذي سيتسبب بفوضى في العديد من الخدمات والمنشآت.

ومن المقرر أن يستأنف الممرضون هذا الأسبوع في إنكلترا وويلز وأيرلندا الشمالية الإضراب يومي الأربعاء والخميس، بعدما نفّذوا أول إضراب لهم على الإطلاق، في ديسمبر/كانون الأول 2022، وسط أسوأ أزمة عمالة تعيشها هيئة الخدمة الصحة الوطنية في التاريخ.

أزمات جعلت بريطانيا مملكة عليلة، تنخرها الإضرابات المتكررة من قبل الكوادر الصحية والتمريضية الشحيحة أصلاً، وسط أرقام للمنظّمات الصحية تتحدث عن موت ما بين 300 إلى 500 مريض  كل أسبوع في أقسام الطوارئ نتيجة النقص الحاصل الرعاية الصحية.

رئيس اتحاد النقابات العمالية قال، إنّ أكثر من نصف مليون عامل سيضربون عن العمل هذا الأسبوع، لإرسال رسالة واضحة للحكومة مفادها أنّه "لا يمكن تجاهل مطلب الأجور العادلة".

كذلك، ستنظّم احتجاجات في جميع أنحاء البلاد ضدّ مشروع قانون قدّمته حكومة المحافظين إلى النواب، من شأنه أن يطالب النقابات المهنية بتوفير حد أدنى من الخدمة أثناء الإضرابات. وهو ما تعدّه النقابات مقدمة لإقالة العمال الذين يصوتون بشكل قانوني للإضراب.

وفيما يتّهم رئيس الوزراء ريشي سوناك حزب العمال بمساعدة النقابات على "دفع بريطانيا إلى التوقف"، من خلال معارضة القانون الجديد، يعدّ حزب العمال القانون انتهاكاً للحريات المدنية وحقوق الإنسان، كونه سيحدّ من التظاهر، وسيحوّل الإضرابات إلى عمل غير قانوني في بريطانيا.

ووفق صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، يهدف التعديل إلى السماح للشرطة بالتدخّل قبل أن "تصبح الاحتجاجات مدمرة للغاية"، إلى جانب المزيد من الوضوح حول متى يمكنها التدخل لمنع المتظاهرين من إغلاق الطرق أو السير البطيء.

وأمام مجمل هذه التحديات التي تواجهها بريطانيا، فإنّ سوناك، يعيش لحظات كارثية ، وفق صحيفة "ديلي ميل البريطانية"، إذ إنّ ما أخبر به زملاؤه في الحزب حول بناء "دولة يفخر بها أحفادهم"، يصطدم بواقع مروع.

ولا تزال تداعيات العقوبات الغربية ضدّ روسيا على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا، تعصف بالدول الأوروبية، وتؤتي ثماراً عكسية تضرّ بالاقتصاد الأوروبي، وتضرب مؤسساته التي أفلست وأغلقت بالمئات.

ولا شك في أنّ ما تعيشه بريطانيا وفرنسا، وإن كان مرتبطاً بشكل أساسي بعقود من السياسات الداخلية المتأزمة، وتداعيات جائحة كورونا سلبية، إلا أنّه دون أدنى شك مرتبط أيضاً بالسياسة الخارجية لهاتين الحكومتين، خاصةً في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، وانصياعهما للسياسة الأميركية في آلية التعاطي، وفرضهما لعقوبات على روسيا.

وهو ما لم يخفه مسؤولو البلدين بطبيعة الحال. فالرئيس الفرنسي قالها صراحة: "لم يعد بإمكاننا التعامل بالقواعد نفسها كما كان الحال عليه قبل سنة، لذلك يجب تكييف الوسائل مع التهديدات".

كما أنّ رئيس الوزرء البريطاني، ريشي سوناك، حذّر سابقاً من أنّ المشكلات الاقتصادية لبلاده "لن تختفي" في عام 2023، بسبب عواقب الحرب في أوكرانيا، قائلاً: "لقد كان لهذا تأثير اقتصادي عميق على العالم، والمملكة المتحدة ليست محصّنة ضدّه".

وفي إضاءةٍ سريعة، حول ما خلّفته الحرب من تداعيات سلبية على كلا الاقتصادين، بلغ معدل ارتفاع التضخم في فرنسا 5.2% على مدى العام 2022 بأكمله (كان معدل التضخم 1.6 % في 2021). ومن جهته، توقع البنك المركزي الفرنسي حصول ركود في البلاد في العامين 2023 و2024.

كما أعلنت مئات المؤسسات والشركات في البلاد إفلاسها نتيجة حرب الطاقة التي تشنها فرنسا وحلفاؤها، وفق ما قالت رئيسة كتلة حزب "التجمع الوطني" في البرلمان الفرنسي مارين لوبان.  وهو ما دفع ماكرون إلى إعلان" اقتصاد الحرب".

بدورها، شهدت بريطانيا ارتفاعاً في أسعار الوقود والأغذية، ما ألحق أضراراً بملايين الأسر في بريطانيا. وكانت دائرة الرقابة المالية البريطانية قد أعلنت أنّ نحو 32 مليون بريطاني يواجهون صعوبات في دفع فواتيرهم في ضوء التضخم المرتفع والنمو القياسي لتكلفة المعيشة.

وقام البنك البريطاني برفع سعر الفائدة الأساسية بمقدار 50 نقطة أساسية من 3% إلى 3.5% (كان يبلغ 0.1% فقط في كانون الأول عام 2021)، كما أفاد بأنّ اقتصاد بريطانيا دخل في حالة ركود هي الأسوأ منذ سبعينيات القرن الماضي.

وبلغ معدل التضخم السنوي في بريطانيا، وفق نتائج تشرين الأول/نوفمبر الماضي، 10.7% (عام 2021 لم يتجاوز 3%)، لتتحوّل بريطانيا التي كانت تعرف في القرن التاسع عشر،بـ "إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس"، إلى مملكة يعاني شعبها من أزمات اقتصادية صعبة.

وبحسب خبراء اقتصاديين، فإنّ التخلي عن إمدادات الطاقة الروسية بشكل كامل يعني انكماشاً في اقتصادات أوروبا بنسبة 1.2%، ويزيد من خطر دخول كثير من الدول الأوروبية في ركود اقتصادي العام المقبل وبينها بريطانيا.

وأعادت الأزمة الاقتصادية الحالية التي يعيشها العالم بشكل عام وأوروبا على وجه الخصوص إلى الأذهان، أزمة النفط التي وقعت في سبعينيات القرن الماضي، حيث أكّد وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير، أنّ "حدّة أزمة الطاقة الراهنة الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط والغاز تشبه الصدمة النفطية التي وقعت في عام 1973"، خاصةً وأن سعر برميل النفط وصل إلى 120 دولاراً عقب حظر الولايات المتحدة النفط والغاز الروسيين.

بعد عقودٍ من الأمن الغذائي والرخاء إذاً، يستنزف الأوروبيون مواردهم وطاقاتهم عسكرياً، ويتّخذون إجراءات اقتصادية استثنائية على صعيد الطاقة، في حرب لا تصبّ إلا في مصلحة واشنطن. فالولايات المتحدة "تحاول ترسيخ هيمنتها الاقتصادية عبر إضعاف الدول الأوروبية، والاستفادة من أزمة أوكرانيا"، وفق ما يؤكّد  المسؤولون الأوروبيون، ووسائل الإعلام الغربية.

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما