في ظل الشلل الذي يصيب تحقيقات المرفأ، ووسط كل الشواذات والتجاوزات التي ترافق هذا الملف منذ نحو عام وأكثر، رفع رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود ، الصوت من جديد امس، رافضا التسويات التي يحاول اهل الحكم فرضها لحرف مسار التحقيقات وأخذها نحو ما يناسب مصالحهم، ومستنكرا التدخلات السياسية ليس فقط في هذه القضية، بل في عمل السلطة القضائية ككل، راسما خريطة طريق لتحصينها في المرحلة المقبلة.
وفي خطاب شامل عرض لواقع القضاء وأسباب ترهّله وكيفية انقاذه، بحسب ما تقول مصادر قضائية لـ"المركزية"، توقّف عبود عند ملف "4 آب" في شكل خاص، في موقف يدل على الاهمية التي يوليها لكشف حقيقته. فصوّب، وإن من دون ان يقولها بالمباشر، على القوى التي تعطّل التحقيقات وتُكبّل يدي المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وتلك التي تَطرح مخارج "ملتوية" للملف كتعيين قاض رديف للبيطار، متمسّكا في المقابل، بالحل القانوني الصرف لاعادة إحياء التحقيقات، والمتمثّل باستكمال التشكيلات القضائية.
فقد قال عبود "أثبتت التجربةُ أيضاً، أنَّ السلطةَ السياسيةْ بمختلفْ مكوّناتِها، وقفت سَدّاً منيعاً أمامَ كلَّ هذه التشيكلاتْ الكاملةْ والجِزئيةْ مُجهِضةً إياها بذرائعَ عدّة، ليسَ من بينِها تأمينُ حُسنِ سَيرِ المرفقِ القضائي، إنما تأمينُ مصالحِها الخاصة ومصالِحها فقط. ولا قضاءَ مستقلاً من دونِ متابعةٍ للتنقية الذاتية، ومن دونِ تفتيشٍ قضائي فاعلٍ ومُبادِر؛ ولا قضاءَ مستقلاً من دونِ تفعيلٍ لعملِ المحاكم وللملاحقاتِ القضائية، ومن دونِ استكمالْ التحقيقْ في انفجارِ مرفأ بيروت". واردف خلال احتفال قسم اليمين القانونية لـ34 قاضيًا متدرجًا "لا قضاءَ مستقلاً من دونِ تشكيلاتٍ قضائيةٍ شاملة، وضَعها ويضعُها مجلسُ القضاءْ الأعلى دون سواه، الذي مِنَ المُفترضْ أن يكتملَ تشكيلُهُ ويُفعّلْ بأداءٍ منسجمْ، مع الإشارةْ إلى أنَّ كُلَّ هذه التشكيلاتْ ترتكزْ على معاييرْ موضوعيةْ واضحةْ، وتستندْ إلى تقييمٍ حقيقي وصحيحْ لعملِ كلِ قاضٍ وأدائِه".
وفي كلام لا يُطلقه للمرة الاولى، صوّب عبود على القوى السياسية ومحاولة تدجينها القضاء، قائلا "إنَّ الواقعَ القضائيْ صعبٌ ودقيقٌ بامتياز، نجابِهُهُ وستُجابِهونَهُ، وقد أسهمتْ فيه عواملْ وأسبابٌ عدّة، جوهرُها عدمْ وجودْ قانونٍ يكرِّسُ استقلاليةَ القضاءْ، وإرادةُ الجميعْ في وضعِ اليدِ على القضاءْ، وأعني بالجميعْ كلَّ الفرقاءْ والأطرافْ والجِهاتْ السياسيةْ وسواها، مع ما أسفرَ عنهُ هذا الواقعْ من نتائجْ، لناحيةْ عدمْ مواكبةْ العملْ القضائي لانتظاراتِ الشعب اللبناني وتوقعاتِه… لكِننا سنَطرَحُ خريطةَ طريقٍ ترمي إلى إحداثِ التغييرِ المطلوبْ، وذلك وفقَ خِطةٍ حقيقيةْ لا وفقَ خُطواتٍ جِزئيةْ لا تأتلفُ مع الواقعِ المأزوم".
بحسب المصادر، فإن الانهيار الذي أصاب هيكل القضاء في الفترة الماضية، أصاب الدولة برمّتها ومفاصلّها قاطبة، وهو نتاج سلوك المنظومة الحاكمة التي أمسكت بمفاصل البلاد في العقود الماضية. وعليه، لن يكون نهوض لا للقضاء ولا للبلاد، الا برحيلها.. فهل يبدأ هذا المسار بإنجاز الانتخابات الرئاسية؟