06-09-2022
من دون تعليق
|
درج Daraj
الكاتب: باسكل صوما
كان بشار وباسل يتناولان العشاء معاً، احتفالاً بوصول باسل بالسلامة من الإمارات ليزور أخاه في بيروت، كانا سعيدين، يتبادلان أطراف الحديث والذكريات، حين أتى عناصر أمن الدولة لاعتقال بشار عبد السعود من مكان إقامته في مخيم شاتيلا، من دون توضيح الأسباب.
في اليوم التالي، طُلب من العائلة أن تستلم جثة بشار.
يروي باسل هذه القصة لـ”روزنة” بالكثير من الألم، يرتبك، يتنهّد أحياناً ويطلب العدالة في أحيان أخرى. يقول باسل: “أخي يعيش في لبنان منذ 8 سنوات وهو عامل مياوم في النجارة، يهتمّ بعائلته ومسالم جداً، كيف قتلوه؟ وكيف توفي بنوبة قلبية. ولماذا؟”.
بحسب المعلومات المتوافرة، أتى بشار إلى لبنان وهو من دير الزور، بعدما انشقّ عن جيش النظام السوري، طالباً اللجوء إلى لبنان، فكان أن أتى عقابه من الأجهزة الرسمية اللبنانية، مع العلم أنه كان يفترض أن يحصل على الحماية لأن حياته في خطر. أما التهمة التي حاول أمن الدول التذرّع بها لتبرير القتل، ففقد تنوعت، إذ قيل إن بشار اعترف أثناء التحقيق بانتمائه إلى تنظيم “داعش”، وقيل أيضاً أنه يعمل في شبكة لترويج المخدرات، وأنه أنه متورط بقضية عملة مزورة (50 دولاراً).
في هذا الإطار، يوضح المحامي محمد صبلوح عدداً من الانتهاكات التي سُجّلت في قضية بشار عبد السعود، “أولاً تم اعتقاله من دون أي ورقة أو إذن قضائي، أخذوه بالبروتيل من دون أي شرح، كما تمت مخالفة المادة 47 التي تلزم الأجهزة الأمنية بحضور محام أثناء التحقيق مع الموقوف، وهذا ما لم يحصل طبعاً، لو حضر المحامي لما قتل بشار تحت التعذيب”.
ويتجه صبلوح إلى رفع قضية ضد جهاز أمن الدولة والضباط والعناصر المتورّطين في قضية بشار، مؤكداً أن من حق عائلته أن تفهم ما حصل وتأخذ حقها في القضاء والقانون.
ويشير صبلوح إلى “التناقض في التهم الموجهة لبشار لتبرير الجريمة، مع العلم أن آثار الضرب واضحة على جسد الشاب، ومهما كان الجرم، فإن الاعتداء على الموقوفين ممنوع ومرفوض قانونياً وإنسانياً. لكن للأسف القانون 65/ 2017 الذي أقره المجلس النيابي عام 2017، لتجريم التعذيب، لا يتم الالتزام به ونرى تواطؤاً من قبل القضاء في قضايا كثيرة من هذا النوع”.
26 محتجزاً…
في تقرير سابق، أكدت “منظمة العفو الدولية” أن قوى الأمن اللبنانية ارتكبت انتهاكات مروعة بحق اللاجئين السوريين الذين تم اعتقالهم، بشكل تعسفي في كثير من الأحيان، بتهم تتعلق بالإرهاب، مستخدمة بعض أساليب التعذيب المروعة نفسها المستخدمة في أسوأ السجون سمعةً في سوريا.
ويوثق التقرير بعنوان “كم تمنيت أن أموت: لاجئون سوريون احتجزوا تعسفياً بتهم تتعلق بالإرهاب وتعرضوا للتعذيب في لبنان” سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبتها بشكل أساسي مخابرات الجيش اللبناني ضد 26 محتجزاً بينهم 4 أطفال، من ضمنها انتهاكات المحاكمة العادلة، والتعذيب الذي يتضمن ضرباً بالعصي المعدنية، والكبلات الكهربائية، والأنابيب البلاستيكية. كما وصف المحتجزون عمليات تعليقهم رأساً على عقب، أو إرغامهم على اتخاذ أوضاع جسدية مُجهدة لفترات مطولة من الوقت.
وقبل قضية بشار، يمكن تذكر حسان الضيقة المواطن اللبناني الذي مات تحت التعذيب عام 2019 لدى فرع المعلومات وتمت لفلفة القضية. واستخدمت أساليب التعذيب هذه في أكثر من مناسبة، كقمع تظاهرات عام 2019 التي انتهت بإصابات بالغة، وتستخدم القوة الضاربة ذاتها في السجون لا سيما سجن رومية، بحجة ضبط التفلت والتمرد.
ويرى صبلوخ أن “القضاء يتحمل كامل المسؤولية عن هذا التراخي في التعاطي مع هذه القضايا، ما أدى إلى موت بشار تحت التعذيب الوحشي المثبت بالصور والفيديوات. ومثل بشار تعرض نادر البيومي (فلسطيني الجنسية) للتعذيب حتى الموت على يد الجيش عام 2013 خلال أحداث عبرا. وكذلك كان الممثل اللبناني زياد عيتاني أكد تعرضه للتعذيب في تهمة العمالة التي لُفقت له، وحتى الآن لم تتم محاسبة الفاعلين. بالمختصر يتم التعاطي مع قضايا التعذيب باستخفاف واستنسابية في لبنان ولا تفتح تحقيقات فعلية في شأنها، ما يؤدي إلى تكرارها”. ويزداد الأمر صعوبة في قضايا اللاجئين، بسبب الخطابات العنصرية التي تشجّع على ترحيلهم والاعتداء عليهم ومنعهم من العمل والتجوّل وحرمانهم أبسط حقوقهم، وصولاً إلى سحبهم من بيوتهم من دون وجه حق… نحو الموت كما حصل مع بشار.
وكان روزنة نشر تحقيقاً حول قضايا ترحيل لاجئين سوريين من لبنان إلى سوريا وتعرضهم للتعذيب والملاحقة، لا سيما مع تصاعد الخطاب العنصري والدعوات إلى العودة إلى سوريا، من دون الأخذ في الاعتبار الخطر على الحياة الذي يواجهه كثيرون، بما يخالف الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب. وكأن حياة اللاجئين غير مهمّة. وتأتي جريمة موت بشار تحت التعذيب ضمن سلسلة الاستخفاف بحياة الناس والعنف المتواصل بحق لبنانيين وسوريين، والذي تتحمل مسؤوليته الأجهزة الأمنية والقضائية في لبنان وسوريا.
زوجة بشار رفضت استلام الجثة حتى الآن، وكذا عائلته والمحامي صبلوح، إنهم بانتظار تقرير الطبيب الشرعي، وتؤكد العائلة أنها تريد العدالة والحقيقة، لمعرفة من قتل بشار وبأي حق ولماذا.
لدى بشار 3 أطفالهم، أصغرهم عمره شهر، سوف يكبر وسيسأل ذات يوم، من قتل والدي؟ سيكون الجواب أصعب من أي تخيّل، السلطة اللبنانية فعلت ذلك…
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
"النزوح الجديد": الجيش ليس الحلّ ولا زيارة سوريا
مقالات مختارة
شقّ "فتح" وحرب طرابلس: طريق القدس لا تمرّ في دمشق
أبرز الأخبار