01-09-2022
مقالات مختارة
|
المركزية
ليس في الأفق ما يشي الى قدرة لبنان على عبور استحقاقاته المقبلة وأهمها الانتخابات الرئاسية بمعزل عن تطورات المنطقة والخارج وعلى وقع نتائجها، والدليل الدامغ الى ذلك عدم قدرة القوى السياسية الداخلية من موالية ومعارضة ومستقلة على تسمية مرشح أو أكثر تحضيرا لملاقاة دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحكمية بعد بدء مهلة الشهرين التي حددها الدستور إلى الشروع في الانتخاب.
والواضح أن ما يجري من لقاءات قيادية لبنانية، اضافة الى الحركة المتجددة تحت عنوان تأليف الحكومة، ليس سوى لملء الفراغ والوقت الضائع في انتظار بلورة مسار التطورات الراهنة بدءا من المحيط الأقرب وصولا الى الاتفاق النووي، وهو العنوان الذي تندرج تحته كل التطورات على مستوى المنطقة.
فالولايات المتحدة منشغلة بالاتفاق النووي ودعم اوكرانيا وتأمين الطاقة لها ولحلفائها الاوروبيين، وبالعلاقة مع الصين، وروسيا منهمكة في حربها على اوكرانيا، واوروبا قلقة حيال فصل الشتاء وتبحث بـ "الفتيل والسراج" في كيفية تزويد بلدانها بالغاز والمحروقات، والعالم العربي على صفيح ساخن من المحيط الى الخليج، وايران مهتمة بتوقيع الاتفاق النووي مع ضمانات مستقبلية سياسية ومادية ورفع العقوبات ومحاولة الحفاظ على دور لن يكون بالتأكيد على زخمه وتوسعه السابق، في حين ان اسرائيل تراقب وتحذر وتتمنى والاميركيون يطمئنون.
وعلى مستوى المنطقة بالتحديد وفي جولة بانورامية على واقع الدول العربية منفردة ومجتمعة لا يبدو الوضع افضل حالا حيث الاحباط والتشدد يسودان.
في العراق، يبدو واضحا ان الشيعة العراقيين في غالبيتهم الساحقة التي يمثلها السيد مقتدى الصدر خاضوا الانتخابات تحت شعار "العراق اولا"و "بغداد لا تحكم من طهران"، فضلا عن الحرب على الفساد والدعوة الى إلغاء الميليشيات أو ما اصطلح على تسميته السلاح المتفلت، مايفسر ما يشبه "الانتفاضة" على الهيمنة الايرانية على الواقع العراقي في شتى المجالات، وأن إعلان اعتزاله السياسة له قراءته المستقبلية على اعتبار أن فرملة اندفاعته تندرج تحت عنوان الاتفاق النووي.
في سوريا، لا تزال تركيا تتدخل بشكل مباشر، وهي اعادت مئات ألوف اللاجئين السوريين الى بلادهم، في موازاة ضربات عسكرية توجهها ضد الاكراد فيما النظام والقوى الداعمة له في حال انكفاء آني عن أي رد فعل، تماما كما هي الحال مع الضربات الاسرائيلية على مواقع تابعة للحرس الثوري الايراني وعلى مواقع ومخازن اسلحة "حزب الله" في محيط دمشق حيث يغيب التهديد بالرد كلاميا وعمليا.
يضاف الى ذلك "التنسيق" المستمر بين اميركا وروسيا في سوريا، ومواصلة موسكو تنفيذ الخطوات المتفق عليها مع الولايات المتحدة، وإن ببطء فرضته الحرب في اوكرانيا حيث تحتاج روسيا ايران التي أمَنت انعقاد قمة ثلاثية مع تركيا في مقابل قمة الرئيس الاميركي جو بايدن مع السعودية والدول العربية والخليجية التي غاب عنها لبنان وسوريا. في حين تحتاج طهران الى موسكو في الملف النووي، ما انعكس بطءا في سياسة " إبعاد" الهيمنة الايرانية على القرار السوري.
في السعودية، موجة انفتاح ثقافي وفني واجتماعي، وتطور في نمط غير مسبوق يقوده ولي العهد الامير الشاب محمد بن سلمان, إلا أن المملكة لا تزال في مرحلة التفاوض مع ايران لانهاء الوضع في خاصرتها الرخوة اليمن، على أن هذا المسار لم يصل الى خواتيمه بعد في انتظار بلورة صورة الملف النووي. إلا ان تحرك الحوثيين ( ذراع ايران في اليمن) لا يزال يعرقل كل مساعي التوصل الى أرضية صالحة للحلول، على رغم ان وتيرته خفت بشكل ملحوظ.
في ليبيا، لا تزال الامور غامضة في ظل حكومتين تتواجهان على الأرض وأفق الحلول والتفاهمات التي تقودها الأمم المتحدة والدول الفاعلة والمؤثرة لايزال غائبا، ايضا في انتظار وضوح معالم المرحلة الجيوسياسية المقبلة.
في السودان، الوضع لا يختلف، والصراع بين السياسة والعسكر لم ينته بعد، خصوصا وأن مشكلات " افريقية" ترخي بثقلها على دول المنطقة الافريقية وأبرز عناوينها سد النهضة وردود الفعل حيال الخطوة الاثيوبية.
في مصر، وعلى رغم المساعدات التي تلقتها من العديد من الدول العربية وفي طليعتها السعودية والامارات العربية المتحدة، إلا أن ضغوطا اقتصادية تمارس على نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي نجح في اعادة مصر إلى دورها في العالمين العربي والافريقي من ليبيا الى السودان وصولا الى سوريا ولبنان.
في الامارات العربية العربية المتحدة، يتركز الاهتمام على طي صفحات الخلافات العربية- العربية والعربية- الايرانية، من دون اغفال العلاقة مع اسرائيل والاتفاقات المشتركة في قطاعي النفط والطاقة لتأمين حاجة الاتحاد الاوروبي بشكل خاص، فضلا عن اعادة العمل بالديبلوماسية مع ايران. وكذلك فعلت الكويت، ما يعني ان الرغبة مشتركة لدى الجميع في عدم سلوك مسلك التوتر والمواجهات والحروب إلا إذا استمرت ايران في سياسة استعمال أذرعها العسكرية التي لم يبق منها قويا إلا "حزب الله" في لبنان. وهذا الأمر ينطوي على مخاطر جمة في حال أرادت ايران إشغال اسرائيل عن تنفيذ ضربة عسكرية ضدها على خلفية الاتفاق النووي، من خلال إشعال جبهة الجنوب اللبناني، فيدفع لبنان عندئذ الثمن من جديد، ولكن بالتأكيد ستكون الكلفة باهظة جدا هذه المرة .
وفي اسرائيل، التي تتحضر لانتخابات تشريعية تنبثق منها حكومة جديدة، فهي تتشدد، بمعنى عدم التنازل، في موضوع الترسيم مع لبنان ، وكذلك مع اي خطوة- غير كلامية- تنطلق ضدها من لبنان، ويبدو أن القوى المعنية بالموضوع تدرك جدية الموقف الاسرائيلي، لذلك تكتفي بالشتم والتهديد والوعيد تلفزيونيا بينما على ارض الواقع الأمور سائرة وفق ما هو مرسوم لها.
أما في لبنان، الفاقد القراروالقدرة على اتخاذ القرار، والفاقد السيادة، فسياسة حفظ الروؤس والاتفاقات تحت الطاولة هي السائدة، والبلد ينتظر على قارعة التطورات والتفاهمات الاقليمية والدولية في شأنه، بدليل عجزه عن اجراء انتخابات رئاسية في موعدها، وعن تشكيل حكومة. ذلك ان الملف النووي لن يتبلور قبل الانتخابات النصفية الاميركية والانتخابات التشريعية الاسرائيلية، وتاليا الترسيم سيتأخر، وبدء انقشاع آفاق المرحلة سيكون بعد انتهاء الولاية الرئاسية.
من هنا، بات واضحا ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري لن يوجه الدعوة الى الانتخابات الرئاسية في النصف الأول من ايلول كما كان أعلن، بدليل كلامه عن تنفيذ اصلاحات قبل الانتخابات وهو أعلم من غيره باستحالة تنفيذ مثل هذه الاصلاحات، فضلا عن عدم رغبته وكذلك العديد من القوى المحلية والخارجية المؤثرة على الساحة في تمكين العهد من تحقيق أي انجاز في نهاية الولاية يشكل تعويضا عن اخفاقات السنوات الست في كل المجالات بلا استثناء.
لذلك، على اللبنانيين الانتظار حتى فترة ما قبل الأعياد ليكون لهم رئيس مستقل عن المحاور، جامع، يتكلم مع الجميع وقادر بحكم علاقاته الداخلية والخارجية على تأمين "مناخ" للنهوض الاقتصادي وهو ما يحتاجه لبنان في المرحلة المقبلة.
أخبار ذات صلة