03-08-2022
صحة
بسرعة قياسية، انتقل لبنان في مواجهته مع فيروس كوفيد ــ 19 من الألف إصابة إلى أرقام بدأت تتخطّى منذ أيام الألفي إصابة، ووصلت أول من أمس إلى 2300 إصابة. انتقال يضع البلاد على سكّة ذروة انتشار جديدة، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان الأرقام الخارجة من المختبرات والتي وصلت إيجابية الفحوص في بعضها إلى 45%، بحسب الدكتور فادي عبد الساتر، المتخصّص في العلوم البيولوجية والمسؤول عن مختبر كوفيد – 19 في الجامعة اللبنانية سابقاً. وليست نسب الإشغال في المستشفيات بعيدة عمّا آل إليه واقع الفيروس، بعدما ارتفعت «حجوزات» الأسرّة العادية إلى 40% و43% في غرف العناية الفائقة.
لا تأتي هذه الزيادة خارج السياق، إذ إنّ التراجع في إجراءات الوقاية وتوقّف مسار التلقيح لفترة طويلة نسبياً، خصوصاً بين الفئات الشابة الأكثر حركة، يجعلانها مبرّرة. ومن المتوقّع، بحسب المعنيين، أن يجدّد الفيروس نشاطه مع دخول متحوّرات جديدة، ولا سيما متحوّر أوميكرون Ba5، والذي تؤشّر بعض الدراسات إلى سرعة انتشاره، بسبب قدرته على التهرّب من الجهاز المناعي والمضادّات الحيوية التي اكتسبها الجسم، إن كان بسبب الإصابة، أو بعد تلقّي اللقاح.
لا نهاية قريبة للفيروس. هذا محسوم، إذ تفيد الدراسات العلمية بأنّه كلما انتشر الفيروس أكثر ظهرت متحوّرات جديدة منه. يفرض هذا الواقع، بحسب «اللجنة الوطنية لإدارة لقاح كورونا» تعزيز عملية التلقيح للوصول إلى مناعة مجتمعية تخفّف من كلفة التعايش مع الفيروس. والدعوة التي أطلقتها اللجنة اليوم تذهب فيها أبعد من جرعتين أساسيتين، لتسندهما بجرعتين معزّزتين إضافيتين، الثالثة والرابعة.
في هذا السياق، يعتبر رئيس اللجنة، الدكتور عبد الرحمن البزري، دعوة اللجنة إلى تعزيز الجرعات ضرورية لأن «متحوّرات أوميكرون الجزئية الجديدة لديها القدرة على إحداث مشاكل أكثر». من هنا، كانت القرارات الوزارية والماراتونات التي تهدف إلى إعادة بثّ الروح في عملية التلقيح.
وفي آخر الأرقام، بلغت نسبة ملقّحي الجرعة الأولى 49,7% والثانية 43,8% والثالثة 26,2%، أما الرابعة فلا تزال في بداية الطريق. ومنذ منتصف الشهر الماضي وحتى آخره، ومع الدعوة إلى الجرعة الرابعة، بلغ عدد الملقّحين بها 8756، فيما بلغ العدد حتى أواخر الشهر الماضي، 16855 شخصاً، 7007 منهم سجّلوا خلال الماراتون (من 4 إلى 7 تموز). واللافت في العودة إلى التلقيح كان الإقبال على الجرعتين الثالثة والرابعة، فيما لم يلحق هذا الزخم بالأولى والثانية اللتين كان الموقف منهما أقرب إلى المقاطعة (1850 جرعة أولى و1875 خلال فترة الماراتون).
صحيح أن الأرقام التي سُجّلت في الفترة الأخيرة لم تتناسب مع حجم الدعوة والاستنفار، إلا أن وضعها «ضمن السياق المنطقي والذي يشير إلى توقف عملية التلقيح سابقاً، مطمئن إلى أن الحركة تعود شيئاً فشيئاً».
لم يعد الكلام في مواجهة فيروس كورونا يتوقّف عند حدود الجرعتين الأساسيتين، إذ اعتبرت منظمة الصحة العالمية أن الملقّح ضد فيروس كورونا هو من تلقّى ثلاث جرعات… «وزيادة»، على ما يشير البزري عبر "الأخبار". وهذه الزيادة تأخذ اليوم شكل الجرعة الرابعة المعزّزة التي بدأت تحتلّ حيّزاً من الاهتمام، خصوصاً مع انتشار الفيروس وتكرار الإصابة لدى الكثير من المتعافين من الفيروس في فترات زمنية قريبة. وهو، بحسب توصية اللجنة الوطنية، يفترض تعزيز الجرعة الثالثة بالرابعة «كي نطيل أمد المناعة». وإن كانت هذه الجرعة غير مفروضة على جميع متلقّي الجرعات الثلاث السابقة، إلا أن نصيحة اللجنة أن «تكون مكمّلاً أساسياً لكبار السن ومن يعانون من أمراض مزمنة وضعف في المناعة». ويعود أصل هذه النصيحة إلى الدراسات العلمية العالمية التي بيّنت أهمية هذه الجرعة كعامل معزّز للمناعة ضد الفيروس، ومنها الدراسة التي تناولت فعّالية الجرعة الرابعة من اللقاحات المضادّة لكورونا (mRNA اللقاحات التي تحتوي على المادة الوراثية للفيروس ـ فايزر ومودرنا) ضد متغيّر أوميكرون عند المقيمين في دور الرعاية في ولاية أونتاريو- كندا.
اللافت في هذه الدراسة، أمران أساسيان، أولهما هو استهدافها عينة كبيرة نسبياً بلغت بحدود 61 ألفاً، وهو معيار «يعطي مصداقية للنتائج»، بحسب عبد الساتر. أما الأمر الثاني الأكثر أهمية، فهو ما بيّنته الدراسة المنشورة في المجلة البريطانية العلمية (BMJ)، حيث أظهرت النتائج أنه «كلما زادت جرعات اللقاح زادت الحماية أكثر ضد فيروس كورونا»، بحسب البزري. وإن كان بات معلوماً أن اللقاح لا يمنع الإصابة، إلا أن أخذ الجرعات الأساسية وإلحاقها بالجرعات المعزّزة يخفّفان من الإصابة الشديدة التي تستدعي الدخول إلى المستشفيات. وعلى أساس النتائج المنشورة في الدراسة، فقد رَاوحت نسبة الحماية من الإصابة بأعراض فيروس كورونا، بعد سبعة أيام من تلقي الجرعة الرابعة، ما بين 61 إلى 76% ومن العوارض الشديدة ما بين 81 و90%. وهي، بحسب البزري «أحوج ما نكون إليها هذه النتائج، خصوصاً مع الواقع الاستشفائي في لبنان الذي لم يعد قادراً على تحمل ذروة جديدة من الفيروس».
كما بيّنت الدراسة الحاجة إلى تقريب المسافة الزمنية ما بين الجرعتين الثالثة والرابعة، كأن تكون بحدود ثلاثة أشهرٍ بدلاً من ستة أشهر، بعدما أظهرت النتائج أن البعد ما بين الجرعتين خفّف من نسب الحماية.
إلا أنه على الرغم مما تمنحه هذه النتائج من طمأنينة، يبقى ثمة هاجس أساسي يطرحه عبد الساتر ويتعلّق بدخول المتحوّرات الجزئية الجديدة من أوميكرون التي تملك قدرة على اختراق الجهاز المناعي. والسؤال هنا: هل ستكون جرعات اللقاح، ومنها الجرعة الرابعة، قادرة على المحافظة على النسب نفسها من الحماية أم ستتراجع؟ الجواب عن هذا السؤال «يستوجب دراسات جديدة»، يختم عبد الساتر.
أخبار ذات صلة