وأضافت في بيان، ولأنّنا اعتدنا على أن تقترن منشورات “الاخبار” بجملة الفبركات المعلّبة، حيث تنعدم الوقائع الملموسة والمعطيات المادية، كان لا بُدّ من هذا الردّ لتفنيد جملة المغالطات التي نتجت عن قلم رزق في المقال المذكور.
أن تبدأ رزق مقالها بالكلام عن “راحة الضمير” لتغطية ارتكابات حزب الله المسلّح وتُهاجم آخر مَن يقف بوجه منظومة الموت، ونحن عشيّة انقضاء السنة الثانية على تفجير الرابع من آب، لهو نوع من الهزلية بمكان؛ وأن تجزم رزق بأنّ جعجع “لا ينفكّ عن البحث عن ذريعة لتفجير فتنة داخلية” مستندةً إلى أحداث الطيونة ورميش لهو ضرب من استغباء عقول اللبنانيين.
لم تبدأ أحداث الطيونة، وبتوصيف أدقّ “محاولة غزو عين الرمانة” في ١٤ تشرين الاول ٢٠٢١ من لاشيء، بل هي حصلت بعدما دعا كلّ من حزب الله وحركة أمل “مناصريهم” إلى تظاهرة أمام قصر العدل في العاصمة بوجه المحقّق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار، وبالتالي فإنّ التجمّع لم يدعُ إليه سمير جعجع بل حسن نصرالله، وتغيير مسار المظاهرة لم تُقرّره “القوات” بل حزب الله، كما أنّ مَن كان يحمل السّلاح المتوسط والخفيف لم يكونوا عناصر تابعة لمعراب بل للضاحية وفق ما سجّلته كلّ عدسات التصوير، وضمناً الاعلام التابع لما يُسمّى “محور ممانعة”؛ إضافةً إلى ذلك كلّه، فإنّ محاولة عناصر “الحزب” لاختراق منطقة عين الرمانة نجم عنها تصادم مباشر بين مئات العناصر من “الحزب” وعشرات العناصر من “الجيش اللبناني”، الذي أكّد في بياناته وتحقيقاته وجهة الاعتداء ومصدرها.
كما في الطيونة كذلك في رميش، ورغم اختلاف الوقائع وحدّتها، لم تبدأ حادثة الاعتداء على أهالي البلدة في ليلة ٢٩ تموز الفائت، بل هي استكمال للخلاف الذي نشب بين عناصر من جمعية “أخضر بلا حدود” مع عدد من أهالي البلدة قبل أيام على خلفية مصادرة الحطب العائد للأهالي والذي تمّ نقله إلى بلدة أخرى، وبالتالي فإنّ الواقعة التي حدثت تمّت ما بين عناصر الجمعية وأهالي البلدة الذين استنفروا اعتراضًا على كلّ الممارسات والمضايقات التي يتعرّضون لها داخل أحراج بلدتهم الحدودية، خاصةً أنّ ما حصل أخيرًا قد دفع عناصر “الجمعية البيئية” إلى استخدام السّلاح على مرأى من الجيش بوجه الأهالي مدعومين من مجموعة مسلّحة لحزب الله، وهنا نسأل رزق: ألم تستغربي استخدام عناصر جمعية بيئية للسّلاح؟
إذًا، وعلى خِلاف ما حاولت الكاتبة ارتكابه من إقحام ممنهج للدكتور جعجع في حادثة رميش كما درجت عادة “الاخبار”، جاءت الوقائع لتُطيح بمقالها، إذ نُحيلها أولاً إلى الاجتماع الذي عُقد في اليوم التالي في دار البلدية في رميش والذي ضمّ أطراف الخلاف أيّ رئيس البلدية ممثّلاً أهالي البلدة من جهة، ومسؤول حزب الله في الجنوب، ومسؤول الحزب في بنت جبيل، وممثل عن “أخضر بلا حدود”، وجمع من مسؤولي الحزب من جهة ثانية، بحضور رئيس فرع مخابرات الجنوب، حيث تمّ الاعتذار من رئيس البلدية على ما تمّ ارتكابه من اعتداء على البلدة وأهاليها؛ بالتالي فإنّ عدم وجود “القوات” في الاجتماع ينفي ادّعاء كونها طرفًا، كما أنّ وقائع الاجتماع تدحض علاقة جعجع بكلّ ما سردته رزق في مقالها.
كما نُحيل رزق ثانيًا، إلى بيان بلدية رميش الذي أكّد على تعرّض الاهالي لإطلاق النار ولعراضات مسلّحة، والذي طالب الجهّات الرسمية بإزالة “المراكز غير الشرعية” من خراج البلدة في إشارة إلى جوهر المشكلة التي تتمثّل باعتداء “الحزب” على أملاك الأهالي.
ومن باب السّخرية بمكان، أن نضطر إلى إحالة رزق إلى جريدة الأخبار نفسها، وتحديدًا إلى ما كتبه زميلها داني الأمين في الأول من آب نفسه، تحت عنوان “حادثة رميش بيئية: التحطيب جريمة تهدّد المحميّات”، بحيث يجزم عدم وجود أيّ أبعاد سياسية للحادثة ويربطها بالملف البيئي مع التحفّظ على محاولاته تغطية تورّط عناصر حزب الله بالإشكال واستخدام السلاح فيه كما نزعه أيّ صفة عسكرية لعناصر الجمعية “المسلّحين”.
أمّا بعد، فأن تربط السيدة رزق رئيس “القوات” بمشروع الفتنة لغايات سياسية مشبوهة، فهذا يدفعنا إلى استعادة جزءًا من “مسلسل الفتنة الفعلي” وضعًا للنقاط على الحروف وتحفيزًا لذاكرة مَن تناسى.
في ١٤ شباط ٢٠٠٥، تمّ اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق الشهيد رفيق الحريري، وقد تمّت بعد سنوات إدانة عناصر قياديين في حزب الله بارتكاب الجريمة عن سابق تصوّر وتخطيط.
في ٢٣ كانون الثاني ٢٠٠٧، نظّم حزب الله تحرّكًا مسلّحًا للمعارضة وقد عُرف بالثلاثاء الأسود، حيث قطّع أوصال المناطق في مشهد أعاد للأذهان صور الحرب الاهلية، ولم يكتفِ بذلك، بل قام بحملات من الترويع والترهيب للمواطنين العُزّل، عدا عن اعتدائه على المناطق الآمنة تحت ذريعة الاختلاف السياسي.
في ٧ أيار ٢٠٠٨، قام حزب الله باجتياح مسلّح لبيروت والجبل نجم عنه سقوط آلاف الضحايا بين جرحى وشهداء، حيث انتُهكت حرمة المنازل واعتُدَي على الأملاك العامة والخاصة وأُحرقت مؤسسات إعلامية وسقطت كلّ المحرّمات المناطقية وضُربت كلّ أوجه السّلمية.
في ٤ نيسان ٢٠١٢، تعرّض سمير جعجع لمحاولة اغتيال من سلاح قنّاصة محترفين، حيث أثبتت خلاصة التحقيقات الرسمية بأنّ هذا السلاح لا يملكه في لبنان إلا حزب الله نفسه.
في ١١ حزيران ٢٠٢٠، قامت عناصر من حزب الله باقتحام ساحات ثورة ١٧ تشرين على مدى ثلاثة أيام، حيث اعتدت على المتظاهرين العُزّل والمؤسسات الخاصة في مشهد مُشابه لاقتتال الشوارع ولكن من جانب واحد.
في ١٤ تشرين الأول ٢٠٢١، حاول حزب الله اقتحام منطقة عين الرمانة لفرض معادلة جديدة شبيهة بما تلا ٧ أيار ٢٠٠٨، علّه ينقضّ على الأصوات السيادية الحرّة في البيئة المسيحية ليُنهي آخر قِلاع الصّمود بوجهه دون أن يفلح بذلك، توازيًا مع محاولة تركيبه ملفًّا أمنيًّا بمعيّة بلاط العهد البائس بحقّ “القوات” ورئيسها.
قُبيل انتخابات ١٥ أيار ٢٠٢٢، واظب حزب الله على أخذ مسار الاستحقاق النيابي إلى إطار توصيفات الخيانة والعمالة، حيث أطلق جملة من المواقف والتحذيرات من مغبّة التحالف مع “القوات” موصّفًا إيّاها بنعوت شيطانية أنتجت سيلاً من الردود السياسية والطائفية والمناطقية بين اللبنانيين.
في ٢٩ تموز ٢٠٢٢، أطلق حزب الله عراضات مسلّحة بوجه أهالي بلدة رميش، مُكيلاً سيلاً من الشتائم والتهديد بالحرق والقبع والقتل، في سلسلة من الاعتداءات المتكررة على أبناء المنطقة وأراضيهم.
هذه الوقائع هي غيض من فيض ممارسات “الحزب” تجاه اللبنانيين كافّة، والتي لم تؤدِّ سوى لإزكاء نار الفتنة، خاصّة أنّ الإصرار على تقويض دور الدولة وحضورها وسلطتها الأمنية والعسكرية والسيادية، وضع اللبنانيين في صراع محتدم لا أفق له.
إنّ مجمل الوقائع والمواقف والمقاربات التي أقدم عليها جعجع بعد خروجه من المعتقل السياسي، يُثبت بأنّ مشروعه “الدولة الشرعية” بإمتياز، وبأنّ حساباته تقوم على وحدة المكوّنات اللبنانية وهو ما أفرزته الانتخابات النيابية من تقدّم كبير للوائحه في المناطق كلّها، ولدى الطوائف كلّها، مقابل خسارة حزب الله للحاضنة الشعبية المسيحية ومعارضة الأكثرية الدرزية لخياراته كما فشله في كسب ودّ الطائفة السنية رغم التذبذب الذي طال وحدة صفوفها، عدا عن فقدانه القدرة على التجييش داخل الطائفة الشيعية حيث مُني بخروقات وهزائم جمّة.
ليس الرّجل الذي اختار معتقل الجسد على حبس الإرادة هو مَن يرضى بالتّمترس “بدلاً عن ضائع” في شتّى مشروع، ومسيرته في مواجهة القوى المحلية والدولية كلّها قد بيّنت للقاصي والداني معدنه، أمّا “حمامة السلام” التي لا تفقه إلا “تسيّد الفتنة” والتي تتزّعم ميليشيا مسلّحة مرتبطة بمشروع إقليمي فهي التي ارتضت لنفسها التحوّل لمجرد بدلاً عن ضائع، قد يُستبدل في اللحظة التي يحصل فيها راعيها الإقليمي على هدفه النووي أو أيّ هدف آخر، لتصرخ من جديد “لو كنت أعلم”، ولا يدفع الثمن إلّا الشعب اللبناني.
وفي الأحوال كافّة ستقوم “القوات اللبنانية” بالادّعاء على صحيفة “الأخبار” وكاتبة المقال بتهم عديدة أبرزها التضليل والكذب والافتراء والفبركة…