30-06-2022
مقالات مختارة
|
الجمهورية
جورج شاهين
جورج شاهين
بأسرع ما يمكن ان يتوقع احد «طَحش» ميقاتي بتقديم تشكيلته الحكومية الاولى لعون ملتزماً النص الدستوري الذي يحصر عملية التأليف بالرئيس المكلف بتشكيلها بالتعاون مع رئيس الجمهورية الذي يسمّيه بمرسوم خاص، ليصدرا معاً مراسيم تشكيلها وتسمية الوزراء بناء على اقتراح رئيس الحكومة في مرحلة اختلط فيها ما تمّ التفاهم عليه في الكواليس السياسية قبل الاستشارات وخلاها وبقليل من الوقت من بعدها.
فقد كان ثابتاً انّ الرئيس المكلف لم يكن ينتظر الاستشارات غير الملزمة التي أجراها على مدى يومين في ساحة النجمة لتقديم الصيغة الحكومية لرئيس الجمهورية، إذ حفلت الايام الماضية بكثير من الاتصالات التي لامَست التشكيلة الجديدة على قاعدة الاحتفاظ بعدد من الوزراء في حكومة تصريف الأعمال على خلفية امرين مهمين أخذ بهما جميع الاطراف بكثير من الجدية والتي يمكن الاشارة اليهما بالآتي:
- الأول قال انّ الحكومة التي شكلت في 10 أيلول العام الماضي ولم تُنه بعد سنتها الأولى ولدت في ظروف مشابهة لتلك التي تعيشها البلاد اليوم، خصوصا على مستوى التوازنات الداخلية التي تضمن الاحتفاظ بما أمسكت به المنظومة من قبل لا ترغب بتغيير «قواعد الاشتباك» فيما بينها، بينما يعتقد كثر انّ فيها ما يضمن الحد الادنى من الخسائر التي اصابت البعض في الاستحقاقات التي عبرت حتى اليوم.
- الثاني، انّ معظم ما هو مطلوب من الحكومة العتيدة اذا شكّلت، ما زال يختصر بمضمون البيان الوزاري الذي أعدّته حكومة تصريف الاعمال. وبمعزل عمّا تم تجاهله مما قال به البيان، سواء لجهة العجز عن تحقيق بعض الخطوات المتصلة بضمان ضبط الحدود البرية واجراء الاصلاحات الكبرى الضرورية، فقد أرسَت الحكومة مخارج ممكنة لبعض الملفات ومنها ما يتصل بالخطة الاقتصادية للتعافي والإنقاذ والتي ترجَمَ جزءا منها الاتفاق على مستوى الموظفين بين لبنان وصندوق النقد الدولي، كما بالنسبة الى الموازنة العامة لسنة 2022 والتي ستكون حاضرة مادة اساسية على طاولة لجنة المال والموازنة من اليوم.
وإن أخذ بعض طبّاخي التشكيلة الحكومية بمنطق انّ «الضرورات تبيح المحظورات» فقد كان من الأسهل على من ساهم في توليد الصيغة الحكومية الجديدة التي رفعها ميقاتي الى رئيس الجمهورية امس، ان تنطلق من تركيبة حكومة تصريف الاعمال سعياً الى الحد الادنى من الاستقرار الحكومي بعد إجراء التعديلات المرغوب بها من اكثر من طرف في شأن تغيير بعض الاسماء من دون المَس بتوزيعة الحقائب الاساسية وتركيبتها الحالية، وتحديداً بما يتصل بتلك التي كانت موضع نزاع في الفترة الاخيرة، خصوصاً ان رغب البعض في اجراء التعديلات بتغيير هذا او ذاك من المحسوبين عليه.
على هذه الخلفيات، فشلت مساعي السّاعين الى سبر أغوار التشكيلة الميقاتية الأولى في الوصول إلى ما أرادوه، لعلمهم انّ ما أسقط من الاسماء على بعض الحقائب في الساعات القليلة الماضية بقي محصورا بالفريق اللصيق بالرئيس المكلف ولم يتمكن أحد من الاطلاع على تفاصيلها بعد. فقد كان واضحاً انّ ميقاتي طلب من فريق عمله تجنّب الدخول في اي تفاصيل حول الأسماء المطروحة لتعديل التغيير والبدائل منها. ليس خوفاً مما هو مطروح ولكن من باب انّ «على رئيس الحكومة، الذي يعطي في الشكل اهمية لمضمون النص الدستوري الذي يحدد دوره في عملية التأليف، ان ينتظر موقف رئيس الجمهورية ممّا تقدم به فهو المرجع الدستوري الوحيد الذي يمكنه ان يكون له رأي في ما هو مطروح».
وانطلاقاً من هذه النظرية، لم يعد مهماً الغَوص في كثير ممّا جاء في التشكيلة المقترحة، فالعناوين الرئيسة واضحة ومحصورة بالحقائب التي أثارت الخلافات الأخيرة التي حالت دون اي انجاز في ايّ قطاع، ومنها ما عبّر عنه ميقاتي بصراحة ووضوح عندما تناول مشكلة وزارة الطاقة ليعبّر بطريقة سافرة وواضحة بأنه لن يقبل أن يكون وليد فياض في تشكيلته الجديدة كما بالنسبة الى وزير الاقتصاد أمين سلام بفوارق أساسية مختلفة. فهو الذي سُمي على خلفية «التفاهم بين الصهرين»، وهما صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل من جهة وصهر شقيق رئيس الحكومة مصطفى سميح الصلح من جهة اخرى. فالمستهدف كان «ثالث الاصدقاء». ولذلك فإنّ «جريمته» اكبر من غيره عندما قدّم نفسه مرشّحاً لتشكيل الحكومة الجديدة في عز معركة البحث عنه. وهي «دعسة ناقصة» وَسّعت من الهوة بينه وبين باسيل والصلح فالتقيا على محاسبته وإبعاده بمعزل عن حجم فشله في مواجهة الشؤون المتعلقة بدور وزير الاقتصاد وصلاحياته. فمَن سبقه الى هذه المهمة من اصدقاء باسيل وغيره لم يكن موفقا ابداً. لا بل فقد استجرّ الجميع ذيل العجز والخيبة في تحقيق اي انجاز بعدما رفعت الازمات المالية النقدية من حجم التحديات والمصاعب التي حالت وتحول دون اي انجاز في وزارة الاقتصاد كما في المجالات المعيشية التي لامست هموم اللبنانيين اليومية.
وان لامست التشكيلة الجديدة موقع أحد الوزيرين الدرزيين بتبديل اسم وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين لن يكون له اي ردات فعل مهمة. وقد يأتي التبديل منطقياً بعد ان خسر مَن سمّاه موقعه النيابي بنحو دراماتيكي سمح باستعادة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أحادية التمثيل الدرزي ولا بد من ترجمته حكومياً. وان طالت التغييرات وزارة الخارجية فقد يكون الأمر اكثر تعقيداً، فمن لديهم الملاحظات الكبرى على أداء عبدالله بوحبيب في الانتخابات النيابية في بلاد الإنتشار ليس لديهم اي طموح للدخول في الحكومة العتيدة وان طاوَلته التغييرات لأسباب أخرى فهي لن تغير في المعادلات السياسية الداخلية بمقدار ما تنعكس على علاقات لبنان الدولية والعربية التي بدأت تستعيد حجماً متواضعاً مما كانت عليه من قبل ان تكون في عهدة أسلافه، باستثناء الوزير السابق ناصيف حتي الذي سجّل موقفا رافضا لأيّ محاولة لإدارة الوزارة بـ»الواتس آب».
وتأسيساً على ما تقدّم، لا يبدو من الأجواء التي تلت خطوة ميقاتي الحكومية انها ستكون سهلة، فتاريخ العجائب غاب عن أذهان اللبنانيين منذ فترة، ولكن على من يراقب ان يعتقد انّ عملية التأليف هذه ان اكتملت فصولها كما أرادها ميقاتي ستقضي على آخر الامال في اي تغيير مُحتمل منذ الانتخابات النيابية الاخيرة، بعدما قدّم المعارضون والتغييريون الهدايا الى المنظومة على أطباق من الفضة إن لم يكن جانباً منها من الذهب.
أبرز الأخبار