24-06-2022
محليات
وقال: "لقد حصل التكليف في مرحلة شديدة الصعوبة يمرّ بها لبنان، ويكتنفها الكثير من اللايقين لكوننا أصبحنا في نهاية عهد الرئيس ميشال عون الذي ستنتهي ولايته خلال الأشهر القليلة المقبلة، وفي انتظار عهد جديد لم تتضح معالمه على الإطلاق. ولذلك، فإنّ ما حصل في هذا التكليف يعتبر بمثابة أفضل الممكن، ولكنه أقل بكثير مما هو مطلوب، من أجل إنقاذ لبنان من حال الانهيار التي تعصف به".
وأضاف: "هذا التكليف ناتج من هذا التشرذم الكبير الذي أصبح عليه مجلس النواب، والأكثرية التي فازت لا تزال مشرذمة إلى حد بعيد، ولم تتفق في ما بينها حتى على المبادئ الأساسية التي ينبغي لها أن تتجمع من حولها لكي تستطيع أن يكون لها موقف واضح من جملة القضايا والمسائل المطروحة والشائكة. ولهذا وجدنا هذا العدد الكبير من النواب اللذين لم يسموا أحداً ليكلفوه تأليف الحكومة. علماً أنّه يفترض بأولئك النواب، واستناداً إلى الوكالة التي أعطاهم إياها اللبنانيون في الانتخابات، أن يسمّوا من يقترحونه لا الاستنكاف عن ذلك. ومع أنّ التصويت بورقة بيضاء أو الامتناع عن التكليف هو حقّ ديموقراطي ولكنه يخالف روح الدستور. فالنائب الذي حصل على هذه الوكالة عليه أن يبدي رأيه الواضح في قضية في غاية الأهمية، وهي قضية تأليف الحكومة، لكي تنتظم العملية الديموقراطية".
وتابع: " الآن، وصلنا إلى هنا، بحيث انّ هناك عددا قليلا من النواب المسيحيين الذين سمّوا الرئيس ميقاتي لتأليف الحكومة. هذا الأمر كان ينبغي معالجته قبل حدوثه، ولقد كان المفروض برئيس الجمهورية أن يتفادى هذا الأمر عبر التواصل الذي كان ينبغي أن يقوم به أو كان يقول إنه يقوم به. وهو، على الأرجح، لم يقم به من أجل تفادي هذا الذي حصل. في أي حال، ما حصل الآن هو عمل دستوري لأنّ الرئيس ميقاتي حصل على الأكثرية بحصوله على 54 صوتاً. صحيح أنها قليلة، ولكن، في النهاية، هذا أفضل الممكن. ولذا، فإنّه كان ينبغي لرئيس الجمهورية ويفترض به أن يكلف الرئيس نجيب ميقاتي من أجل تأليف الحكومة وهو ما حصل. المهم الآن هو ما يجب أن يحصل بعد ذلك. إذ انه ينبغي أن يكون التأليف ميثاقياً، وأن تحصل الحكومة العتيدة على ثقة مجلس النواب، وبأكثرية واضحة لكي يتحقق الاستقرار وتتمكن الحكومة عندها من التصدي الصحيح للمشكلات التي يواجهها لبنان".
سئل: أليس من المفترض أن يعتذر ميقاتي باعتباره لم يحصل على الدعم المسيحي، فأجاب:"أعتقد أنه يجب ان ننظر إلى ما حصل الآن بموضوعية. الحقيقة كما أراها الآن، أنّ هذا تكليف الرئيس ميقاتي سيمرّ بمخاض كبير وعسير. الآن هناك صعوبة كبيرة في التوصل إلى توافق في شأن التأليف نظراً الى وجود وجهات نظر متباينة لدى الكثيرين من النواب بين الذين صوتوا مع تكليف الرئيس ميقاتي، من جهة، وبين الآخرين الذين لم يسموه، من جهة أخرى.بالإضافة إلى ذلك، هناك تباين كبير بسبب حال اللايقين التي تعانيها البلاد. لأن هناك قضايا أساسية كان ينبغي أن تكون واضحة للجميع بضرورة العودة الى أرض الواقع من أجل تسهيل عملية التأليف، ولا سيما أنّ العديد من النواب الذين انتخبوا حديثاً ما زالوا تحت تأثير المواقف الشعبوية التي أعلنوا عنها خلال العملية الانتخابية.
الحقيقة،يجب أن يكون هناك وضوح لدى الجميع أن هناك تحديات كبرى أمامنا في لبنان. وأولاها التحدي الكبير في التوافق على انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، والتوصل إلى توافق في شأن من يمكنه ويستطيع أن يكون عليه رئيس الجمهورية الجديد. هذا الرئيس الجديد ينبغي أن يكون قوياً ويؤيده جميع اللبنانيين بمختلف فئاتهم لا أن يكون يمثل فريقاً من اللبنانيين أو قوياً فقط لدى فريق منهم، على غرار التجربة التي عشناها في عملية التسوية الرئاسية عام 2016، والتي انتخب بموجبها الرئيس عون رئيساً للجمهورية. إذ يفترض برئيس الجمهورية الجديد أن يكون مقبولاً وقوياً لدى جميع الأفرقاء اللبنانيين حتى يستطيع أن يقوم بمهماته رئيسا للدولة، ورمز وحدة الوطن، وفوق جميع السلطات، ويسهر على احترام الدستور، ويحافظ على استقلال لبنان وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه. هذا الأمر، وحتى الآن، ليس هناك توافق عليه. كذلك ليس هناك توافق على طبيعة القضايا والمسائل الأساسية التي ينبغي أن يكون اتفاق عليها لمعالجة المشكلات الاقتصادية والمالية والمعيشية، وذلك إلى جانب برنامج التعافي الاقتصادي الذي يجب أن يوقع مع صندوق النقد الدولي. ومن ذلك أيضاً، الاتفاق على وجوب استعادة الدولة لقرارها الحرّ ولسلطتها الواحدة على الأراضي اللبنانية".
قيل له: هل يمكن الرئيس ميقاتي ان يؤلف حكومة في غياب الثلث المعطل لـ"حزب الله" وغياب الدعم المسيحي ووجود خلافات مع رئيس الجمهورية وجبران باسيل؟
رد :"أعتقد أنّ هذه الفرصة غير متاحة لإنجاز هذا العمل خلال الأشهر الأربعة المقبلة. لنأخذ مثالاً على ذلك: التجارب التي مررنا بها مدى الـ 12 عاماً الماضية تبيّن أنّ معدّل الوقت المطلوب من أجل أن تأليف الحكومة، وأتأسف أن أقول، انّه في المعدل لا يقل عن 6 أشهر قبل أن يصار إلى النجاح في تأليف الحكومة. هكذا كان معدل الوقت اللازم لتأليف الحكومات خلال الاثني عشر عاماً الماضية. وبالتالي، أنا أعتقد انه من المستصعب الآن تأليف الحكومة الجديدة بهذه السرعة. والأمر يصبح مستصعباً أكثر في ظلّ حالة اللايقين التي نعيشها، ولاسيما في ظل استمرار عهد الرئيس عون خلال الأشهر الأربعة المقبلة وعدم وضوح صورة العهد المقبل".
وقال: "تجدر الاشارة الى ان الممارسة التي اعتمدها الرئيس عون خلال فترة ولايته لم تكن ناجحة وإلى حد كبير. فهو وحزبه وتحالفاته مع "حزب الله" والأحزاب المؤتلفة معهما أوصلوا البلاد إلى هذه الحال من الانهيار. لذلك، أقول الآن أنّه في ظل هذه المرحلة التي نمر بها، فإنّه قد لا يكون من المتاح تأليف الحكومة الجديدة بسبب حال اللايقين التي ذكرتها، وفي ظلّ حال التشرذم الموجودة في مجلس النواب. وبالتالي، فإنّ القضايا الشائكة التي على الحكومة أن تبتها لاتزال معلّقة وغير واضحة، ولاسيما في ما يتعلق بمسألة سيادة الدولة اللبنانية وسلطتها، وبضرورة تصحيح التوازنات الداخلية المختلة وتصويبها، وأيضاً بما يتعلق بعلاقة لبنان مع الأشقاء العرب، ولاسيما بسبب استمرار اختلال التوازنات في سياسة لبنان الخارجية. ولذلك، نجد أن هناك إشكالية كبيرة تواجه عملية التأليف قد يصعب معها النجاح في عملية تأليف الحكومة الجديدة خلال المرحلة القصيرة المتبقية من عهد الرئيس عون".
واضاف: "لكن ينبغي لرئيس الحكومة المكلف أن يتابع مشاوراته وأن يقوم بكل المحاولات اللازمة من أجل أن يتخطى هذه العقبات. هل هذا متاح أو هل الاحتمالات الإيجابية عالية لتأليف الحكومة؟ أنا أميل إلى الظن أن الاحتمالات ضئيلة".
سئل عن النصيحة التي قدمها الى الرئيس ميقاتي بعدما التقاه أمس، فأجاب: "أعتقد أنّ الرئيس ميقاتي مدرك لكل المصاعب التي تعترضه. وأنا من الذين يؤمنون بأنه ينبغي لنا جميعاً الآن أن نتمتع بكثير من الحكمة والتروي ولكن أيضاً بكثير من الصلابة المبدئية في ما يتعلق باعتماد الحلول الصحيحة والناجعة التي يحتاج اليها لبنان للخروج من مآزقه. نحن نمر الآن بهذه المرحلة الصعبة، والتي لم تعد تنفع فيها المعالجات بالمراهم. وهي الطريقة التي لجأنا إليها في لبنان خلال السنوات الماضية، والتي لم تؤد إلى اعتماد الحلول الحقيقية، وهي أدّت بالتالي إلى تفاقم المشكلات التي نعانيها سواء أكانت مشكلات وطنية أم سياسية أم اقتصادية أم مالية أم نقدية أم إدارية. كل هذه المشكلات التي نواجهها الآن تستحق من جميع المعنيين الولوج نحو اعتماد الحلول الصحيحة، وكما يقول القرآن الكريم: "الآن حصحص الحق". وبالتالي على الجميع أن يدرك أن الخروج من هذه المآزق التي نحن فيها لم يعد يكفيه فقط اعتماد برنامج يتوافق فيه لبنان مع صندوق النقد الدولي، بل هناك أيضاً حلول سياسية يجب التوافق بين المعنيين في لبنان على اعتمادها، وأن يواكب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي التقدم على مسار استعادة الدولة لسلطتها الحقيقية في لبنان ولقرارها الحر، واالتزام احترام الدستور وفي استعادة الاحترام للشرعيتين العربية والدولية. هذه الأمور هي التي نحن بأمس الحاجة إليها. أما الاستمرار في المناكفة والمراوغة وبمحاولة تدوير الزوايا من هنا وهناك بطريقة لا تؤدي إلى نتيجة عملية، فأنا لا أعتقد انه يمكن أن توصلنا إلى الحلول الصحيحة، ونحو الخروج من حال الانهيار التي نعانيها حالياً".