14-06-2022
محليات
|
المركزية
مع ترقّب وصول بعثة صندوق النقد الدولي إلى بيروت أواخر الجاري، يتردّدَ في الأروقة المالية والاقتصادية أن "نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي يستنجد بعدد من الخبراء اللبنانيين الموجودين في الخارج والمتخصّصين بالملفات المالية والاقتصادية وبعضهم عَمِل في صندوق النقد والبنك الدولي، لمساعدته في ملف التفاوض مع الصندوق بعدما تبيّن أن الملفات التي أعدّتها الدولة ناقصة وتحتاج إلى أصحاب خبرة لإنجازها قبل عرضها على التفاوض" بحسب مصادر مالية متابعة، وتبيّن أن معظم هؤلاء الخبراء اعتذروا بحجّة انشغالهم في العمل، "وهو عذر لتجنّب تورّطهم في ملف لم تُحسِن الحكومة تقديمه إلى المسؤولين في الصندوق، وليس مشروع قانون الـ"كابيتال كونترول" وإعادة هيكلة القطاع المصرفي إلا مثالاً فادحاً على ذلك على رغم مرور أشهر على تولّي الحكومة الحالية مهامها" دائماً وفق المصادر التي تعتبر أن "هناك في لبنان ربما مَن يرفض التفاوض مع الصندوق كونه يرفض بقاء لبنان تحت الحصار الأميركي".
الاتفاق المبدئي مثير للشك..
رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية واقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي منير راشد يستغرب عبر "المركزية": "تمسّك بعض الأحزاب بدور الحكومة الحالية ودور صندوق النقد الدولي على الرغم من عدم تحقيقهما أي إنجازات خلال فترة تسعة أشهر من الحكم، كذلك لم يستطع الصندوق إحراز أي تقدم في الاصلاح منذ بدء الازمة. بل على العكس فقد تدهور الوضع الاقتصادي وسجلت كل المؤشرات تراجعاً هاماً: استمر انخفاض سعر الصرف وارتفاع الاسعار والبطالة، وانقطاع التيار الكهربائي كلياً، وتعثر الخدمات الاجتماعية في جميع مرافقها، وتراجع الأداء القضائي...".
ويعتبر أن "الافتخار بالتوصل الى اتفاق مبدئي مع بعثة الصندوق واعتباره إنجازاً هاماً هو أمر مثير للشك لدى المواطن، على الرغم من توفر قدرات جيدة تحيط بالحكومة في جميع الوزارات". ويُضيف: واقع الأمر أن صندوق النقد يُدير دفة الاقتصاد على هواه ولا يستمع إلى آراء ممثلي الدولة. فبينما رغبت الحكومة في إنشاء صندوق سيادي للمؤسسات العامة للتعويض على المودِعين، على سبيل المثال، جابهها صندوق النقد بالرفض مستخدماً حجة ان القطاع العام بوضعه الحالي لا يستطيع تحقيق أي أرباح. فمنذ حكومة الرئيس دياب اعتبرت الدولة ان القطاع العام سيصبح مُربحاً بعد اصلاحه وخصخصته وسيكون مثمراُ حينذاك للتعويض عن خسائر المودعين
موقف بعثة مغاير حتى لسياسة الصندوق!
ويُلفت إلى أن "صندوق النقد يستند في قراره إلى افتراضات واهية ولا يأخذ برأي الحكومة حتى الإصلاحية منها. كما أن موقف بعثة الصندوق مغاير حتى لسياسة الصندوق العامة التي كانت وما زالت تحبّذ الخصخصة لإنقاذ الاقتصاد عندما تكون مؤسسات القطاع العام السبب الأساسي لانهياره. ونعلم جيداً أن القطاع العام بمجمله كان ولا يزال في صلب الأزمة اللبنانية".
ويقول راشد: على ما يبدو، لا يعطي الصندوق أي اهتمام لآراء المؤسسات اللبنانية الأخرى كالمصارف والجمعيات وهي الأعلم بالوضع القائم وعدالة الإصلاح. إن الفشل في استراتيجية الصندوق واضحة حيث يضيع الوقت الثمين في طلب إعداد الخطط والاستراتيجيات. فمن المعروف جيداً أن الإصلاح يتّبع خطوات متسلسلة ولا تستطيع أي دولة أن تقوم بإصلاح متكامل في الوقت ذاته. إن انتظار التوافق على خطة متكاملة أضاع ثلاث سنوات إلى الآن.
ويتابع: كما أن معظم إجراءات الصندوق المُسبقة يجب أن تكون من صلب الاتفاق النهائي على برنامج مع إدارة الصندوق. إن الإجراءات المسبقة العديدة المطلوبة في الاتفاق الأوّلي مع بعثة الصندوق ستستغرق على الأقل سنة كاملة وربما أكثر لإنجازها، كتقييم 14 مصرفاً، إعداد موازنات آنية ومتوسطة الأجل، التدقيق الجنائي لمصرف لبنان، إضافة إلى ما لا يقل عن ثمانية شروط مسبقة أخرى. وهي في الواقع ستؤخّر التوصّل إلى اتفاق مع إدارة صندوق النقد. عادةً ما تركّز ممارسات الصندوق على عدد محدود من الإصلاحات المسبقة التي يمكن أن تُنفَذ حالاً كتحرير سعر الصرف، وتعديل تعرفة الكهرباء كي تمتحن جدية الدولة وقدرتها على الإصلاح. أما ان تُمثل الإجراءات المسبقة برنامجاً إصلاحياً كاملاً، فهذا يثير الشك في جدية التوصل إلى اتفاق مع الصندوق وكذلك في مدى شفافية ممارسات الصندوق في التعامل مع الدولة اللبنانية.
ويشير في السياق إلى أن "البعثة الحالية للصندوق لم تستوعب الإصلاح المطلوب، وبدّدت الوقت في طلباتها المتتالية، كما تخاذلت في تحقيق العدالة بتحميل مسؤولية الانهيار للجهة المسؤولة. فقد ارتأت تبريء الدولة والسلطة النقدية اللتين كانتا السبب الرئيسي خلف الانهيار غير المبرَّر. وقام صندوق النقد بتحميل العبء الأكبر على المواطن والمصارف لأنه الأسلوب الأبسط وليس الأصلح، ولن يكون له دور إذا وجّه الاتهام نحو السلطة". ويقول: لقد خضعت الحكومة الحالية لرغبات صندوق النقد الدولي ولم تأخذ مبادرة الإصلاح وتحدّي اقتراحات الصندوق. فبعد إعلان ضمان الودائع في البيان الوزاري، خضعت الحكومة لمشورة صندوق النقد الخاطئة التي تدعو إلى شطب 70% من الودائع ولا تعترف بحجم الخسائر التي مُنيت بها الودائع حتى الآن.
فشل الحكومة في الإصلاح..
ويرى أن "الحكومة الحالية فشلت في تحقيق أي إصلاح قيَم، وهي مستمرة في إثارة الهلع لدى المواطن وتوهِمُه بأن شطب الودائع هو الحل الوحيد والبديل سيكون أسوأ. إنه أسلوب تحدٍّ وتهديدي وخالٍ من المنطق، بدل اتباع أسلوب الإقناع إذا توفّر. هناك حلول عديدة تُعيد الثقة إلى المواطن بالقطاع المصرفي من دون القضاء عليه وعلى الودائع".
ويرى أن "تحقيق الإصلاح في لبنان ليس معجزة، ومن الخطأ اعتبار الازمة نادرة وليس لها سابقة في العالم، بل على العكس إذ من النادر ان تقع دولة في أزمة مالية وفي الوقت ذاته تملك من احتياطات بالعملات والموجودات الأجنبية (44 مليار دولار عند بدء الأزمة) ما يفوق الناتج الاجمالي وأربعة أضعاف عجز الحساب الجاري. والواقع انه من الغريب جداً أن يتهاوى أي اقتصاد ولديه هذه الثروة الهائلة. الدول التي تعتّرث اقتصادياً وحجمها يوازي الاقتصاد اللبناني فَقَدَت معظم احتياطها عند اللجوء الى صندوق النقد وغيره، ولم يبقَ في حَوزتها سوى بضعة أشهر من احتياطاتها من العملات والأصول الأجنبية لتمويل الواردات، كالأردن وتونس... والأمثلة كثيرة عن حالات مشابهة".
ويخلص إلى القول: نحتاج اليوم إلى مَن يمتع بقدرات استثنائية ومعرفة متطوّرة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية لإنقاذ لبنان وفي التعامل مع المؤسسات الدولية، وليس الطاعة لها.
أخبار ذات صلة