لو كانت المواعيد والاستحقاقات الانتخابية سواء كانت بلدية او نيابية او رئاسية تجري في مواعيدها، لما كانت الحياة السياسية في لبنان تدخل في دهاليز الأزمات التي قد نعرف كيف تبدأ، لكن لا نعرف كيف تنتهي، بسبب تعرجاتها وتشعباتها التي تدخل بها وتقود الى ازمات مختلفة الاشكال والألوان والنتائج، ولبنان هذا العام كان أمام ثلاث استحقاقات انتخابية هي: الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرى تأجيلها لمدة عام كامل وكانت ولايتها التي تستمر ست سنوات في مطلع شهر أيار الفائت.
وبعد ان اجتاز لبنان استحقاق الانتخابات النيابية هذا العام، يبقى امامه الاستحقاق الرئاسي، حيث تنتهي ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول المقبل، وهنا عملا بالمادة 73 من الدستور: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس»، مما يعني اننا بعد شهرين ونيف ندخل في فلك الانتخابات الرئاسية وتجازباتها. في ظل حالة انعدام الوزن الحكومية، حيث ينتظر منذ بدء ولاية مجلس النواب الجديد في 22 أيار الماضي، ان تتم الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف الشخصية العتيدة لتشكيل الحكومة، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد.
بقي من هذه الاستحقاقات الانتخابات البلدية والاختيارية التي احترق شهرها الثاني من ولايتها الممددة، من دون ان يلوح في الأفق أي تحضير لهذا الاستحقاق الهام على مستوى الإدارة المحلية، التي كان لها نصيب هام في وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف عام 1989، حيث جاء في البند الخامس من الفقرة الثالثة تحت عنوان إصلاحات «اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالإمكانات المالية اللازمة».
والبلدية هي إدارة محلية «تقوم، ضمن نطاقها، بممارسة الصلاحيات القانونية. وهي تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري. وتنشأ بلدية في كل مدينة أو في كل قرية أو مجموعة من القرى الوارد ذكرها في الجدول الملحق بالمرسوم الاشتراعي الرقم 11/1954 وتعديلاته.
وتضع كل بلدية نظامًا لموظفيها وملاكًا لهم، وكذلك نظامًا لأجرائها، ولها أن تنشئ ما تحتاجه من الوحدات الإدارية والمالية والفنية، والشرطة والحرس والإطفاء والإسعاف. كما يجوز إنشاء وحدات وشرطة وحرس وإطفاء وإسعاف مشتركة بين بلديتين أو أكثر، وتعيين موظفين مشتركين في ما بينها. وتتولى وزارة الداخلية إعداد البلديات لتمكينها من الاضطلاع بمهماتها. وتطبّق بحق البلدية الأصول المتّبعة في تنفيذ الأحكام الصادرة بحق الدولة.
ويتألف اتحاد البلديات من عدد من البلديات، ويتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، ويمارس الصلاحيات المنصوص عنها في القانون، علمًا أن إنشاء الاتحادات البلدية يمنحها المزيد من القدرة على توفير الخدمات.
«وتقوم البلديّة بوظائف عديدة أهمّها: إدارة الشؤون المتصلة بالصحّة العامّة والتمدّن والبناء والخدمات العامّة والأمن وتنظيم الطرقات وتخطيطها وتوسيعها وتنظيفها والتخلص من النفايات، وإنشاء الحدائق والساحات العامة، ووضع التصاميم العائدة للبلدة والمخطط التوجيهي العام (بالتعاون مع المديرية العامة للتنظيم المدني)، وإنشاء الأسواق والمنتزهات وأماكن السباق والملاعب والحمامات والمتاحف والمستشفيات والمستوصفات والملاجئ والمكتبات والمساكن الشعبية والمغاسل والمجارير ومصارف النفايات... ومن وظائفها أيضًا المساهمة في نفقات المدارس الرسمية والمشاريع ذات النفع العام، وإسقاط الملك البلدي العام إلى ملك بلدي خاص، وتنظيم النقل، وإسعاف المعوزين والمعاقين ومساعدة النوادي والجمعيات، ودعم النشاطات الصحية والاجتماعية والرياضية والثقافية... ومراقبة النشاطات التربوية وسير العمل في المدارس الرسمية والخاصة والمرافق العامة...
ويجوز للبلدية إنشاء أو إدارة أو مساعدة ودعم، المرافق الآتي ذكرها: المدارس الرسمية، دور الحضانة، المدارس المهنية، المساكن الشعبية، الحمامات، المغاسل العمومية، المسابح، المستشفيات والمنشآت والمؤسسات الصحية، المتاحف، المكتبات العامة، دور التمثيل والسينما والملاهي، المؤسسات الاجتماعية والثقافية والفنية، الأندية والملاعب الرياضية، الوسائل المحلية للنقل العام والأسواق العامة. ويراقب المجلس البلدي أعمال السلطة التنفيذية، وتعتبر قراراته نافذة بحد ذاتها باستثناء القرارات التي تخضع لتصديق سلطات الرقابة الإدارية الآتية: القائمقام، المحافظ، ووزير الداخلية». (مجلة الجيش - العدد 370 - نيسان 2016).
الجدير بالذكر، ان العمل البلدي والإدارات المحلية شهدت شللا طوال فترات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي حيث كانت اخر انتخابات بلدية قد أجريت عام 1963، لتنهي هذه المرحلة في عام 1998 باجراء انتخابات بلدية في كل لبنان، وتكررت التجربة في أعوام : 2004، 2010، و2016.
لقد انتهت ولاية المجالس البلدية والاختيارية التي انتخبت في العام 2016 خلال شهري نيسان وأيار االفائتين، حيث تم تمديد ولاياتها سنة كاملة على أمل ان لا يدخل هذا التمديد الشلل والتعطيل إلى مئات البلديات التي تنتظر الانتخابات لإحداث التغيير، وخصوصا أن بعضها هو بحكم المنحل ولا يجتمع لاتخاذ القرارات.
ويبلغ عدد المجالس البلدية حالياً نحو 1,055 بلدية تضم 12,474 عضواً وتتوزع هذه المجالس البلدية: نحو 944 مجلس بلدي قائم والكثير منها يعاني الشلل والتعطيل.
نحو 84 مجلس بلدي منحلّ يدير أعماله القائمقام أو المحافظ.
كما ان هناك نحو 27 مجلساً بلدياً مستحدثاً بعد الإنتخابات البلدية في العام 2016، ولم يسبق أن شهدت إنتخابات ويدير أعمالها القائمقام أو المحافظ.