21-04-2022
محليات
لقمة الفقير في لبنان ليست بأمان، فحتى ربطة الخبز لم تسلم من الوضع الاقتصادي المنهار، أزمات عدة طالتها، ارتفع ثمنها وخف وزنها وفقدت من الأفران عدة مرات، حلول مؤقتة وترقيعية لجأت إليها الحكومة والخوف الأكبر من أن يرفع عنها الدعم.
أزمة الرغيف قديمة متجددة يقف خلفها أسباب عدة على رأسها تأخر المصرف المركزي عن فتح الاعتمادات لبواخر القمح في ظل عدم وجود أي مخزون استراتيجي لهذه المادة، ما يؤدي إلى شح في انتاج الخبز بين الحين والآخر وظهور طوابير أمام الأفران.
فاقم تضرر الإهراءات التي تتسع لـ120 ألف طن من القمح نتيجة انفجار مرفأ بيروت من الأزمة، وزاد الطين بلّة الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تزود لبنان بمعظم وارداته من القمح.
قبل حوالي الأسبوعين تكرر مشهد الطوابير أمام الأفران إلى أن أعلن وزير الاقتصاد أمين سلام عن أن الحكومة ستصرف 15.3 مليون دولار من أموال حقوق السحب الخاصة التي استلمتها من صندوق النقد الدولي، والتي تبلغ 1.1 مليار دولار، وذلك لاستيراد القمح لحل مشكلة الخبز المدعوم، مؤكداً أن "الاعتماد الذي فتحه مصرف لبنان سيمنحنا فترة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أسابيع حتى يتم فتح الاعتماد الثاني الذي طلبناه بمبلغ 21 مليون دولار".
وشدد سلام حينها على أن الحكومة لا تدرس حالياً رفع الدعم عن الخبز، وبدلاً من ذلك تسعى إلى إبرام اتفاق بقيمة 150 مليون دولار مع البنك الدولي لتحسين الأمن الغذائي، قبل أن يستدرك في حديث لوكالة "رويترز" أنه "على المدى الطويل نحن دولة في وضع مالي فقير وصعب، ما بتقدر تدعم لا الخبز ولا غير الخبز"، ليعود ويعلن اليوم أن لا قرار برفع الدعم عن الخبز، وذلك على هامش جلسة لمجلس الوزراء.
آخر أزمات الخبز كان سببها إقفال مطاحن الجنوب الكبرى- سبلين التي تغطي ما بين 30 إلى 40 بالمئة من الطحين لأفران الخبز العربي في كل لبنان، وذلك لعدم تطابق مواصفات القمح بحسب ما قاله نقيب أصحاب الأفران علي ابراهيم لموقع "الحرة"، ما دفع بعض أصحاب الأفران إلى رفع الصوت محذرين من عدم القدرة على إنتاج الخبز، ليعاد فتحها وعودة الوضع إلى ما هو عليه".
منذ حوالي الشهر عادت معاناة الأفران مع الأزمات، وقد رد إبراهيم سبب ذلك إلى التأخر في صدور نتائج التحاليل المخبرية للعينات التي تستغرق نحو 20 يوماً بدلاً من ثلاثة أيام، من هنا تنتهي كمية القمح المدعوم ويبقى غير المدعوم في المطاحن، أما السبب الثاني فعدم توفر القمح بالكميات المطلوبة لتأخر فتح الاعتمادات، ما يخلق ارباكاً للمطاحن.
يحتاج لبنان شهرياً حوالي 50 ألف طن من القمح، وفي ظل الحرب الروسية على أوكرانيا اتجه المستوردون كما قال إبراهيم إلى دول البحر الأسود، مشدداً "القطاع الخاص نشيط يعلم كيف يتدبر أمره على عكس الدولة اللبنانية".
تتدنى نسبة الطلب على الخبز في شهر رمضان ومع هذا يخشى إبراهيم من تكرار الأزمة مع طلب فتح اعتمادات جديدة، معتبراً أن الأزمة مفتعلة وأنه يشم رائحة رفع دعم، وقال "سيصل سعر ربطة الخبز في حال اتخذت هذه الخطوة إلى 30 ألف ليرة وما فوق" مشيراً إلى أنه "بعد أن سرقت الطبقة الحاكمة ونهبت وأفرغت خزينة الدولة لم يعد بمقدورها دعم الخبز، وكما ذلّت اللبنانيين بالمحروقات لن يرف لها جفن إذا كررت الأمر مع الخبز".
قبل إعادة فتح مطاحن الجنوب الكبرى كان الوضع متجه كما قال عضو نقابة أصحاب الأفران والمخابز في الجنوب علي قميحة علي قمحية نحو التأزم، "حلت المشكلة، لكن يبقى فتح الاعتمادات المشكلة الأساسية".
واعتبر قميحة في حديث لموقع "الحرة" أن "الاعتماد الأخير الذي فتح كان بمثابة ابرة مخدر، وما لمسناه خلال اجتماعنا بوزير الاقتصاد أن هناك توجهاً لرفع الدعم، فمصرف لبنان لا يوقع اي اعتماد، وسيدفع الفقير الثمن، فالعائلة التي تحتاج إلى ربطتي خبز في اليوم ستتكلف نحو مليوني ليرة شهرياً، من هنا نتمنى أن لا نصل إلى ذلك رأفة بالناس".
كذلك أشار وكيل المطاحن في الجنوب علي رمال إلى أن اغلاق كل من مطاحن "التاج" و"سبلين" في وقت سابق هو ما أدى إلى أزمة الطحين الأخيرة خاصة أن هاتين الشركتين هما من أكبر المطاحن في انتاج الطحين وتغطية السوق، وإقفالهما خلق فراغاً كبيراً في الانتاج يصعب تغطيته من باقي المطاحن للأفران على مساحة لبنان وليس الجنوب فقط، مؤكداً تجاوز هذه المرحلة وبأن الأسواق والأفران أصبحت مغطاة تقريباً.
وأضاف رمال أن الهاجس الأكبر اليوم هو رفع الدعم عن الطحين "هذه هي الكارثة الكبرى الحقيقية اذ لا يمكن ربط سعر ربطة الخبز أو المنقوشة أو الكرواسون أو الحلويات بسعر صرف الدولار لأن هذا سيؤدي إلى ضرب قطاع الأفران الكبرى وأفران المناقيش ومخابز المرقوق والباتيسري وحتى المطاحن ستتأثر انتاجيتها ومبيعاتها".
وشدد "رغيف الخبز أو المنقوشة ليست صفيحة بنزين أو فاتورة هاتف الموضوع مختلف كلياً، ورفع الدعم سيكون الشعرة التي ستقصم ظهر المواطن وعلى المسؤولين التنبه جداً لخطورة هذه الخطوة خاصة أن المدخول الشهري للبناني أو الموظف لا يزال كما هو".
كما أشار رمال إلى "صعوبة تطبيق ما يتداول عن الفصل بين طحين الخبز وطحين المناقيش والباتيسري بأن يبقى الدعم على الأول ويرفع عن الثاني قائلاً "جربنا ذلك سابقاً ولم ينجح الأمر" مؤكداً أن كلفة دعم مصرف لبنان للقمح سنوياً هي الأقل بين باقي القطاعات.
لا تزال الدولة اللبنانية تدعم القمح على سعر صرف الرسمي أي 1500 ليرة للدولار الواحد، في وقت تحدد وزارة الاقتصاد أسبوعياً سعر ربطة الخبز بناء على أسعار المحروقات التي تؤثر مباشرة في سعر الطحين وفي كلفة انتاج الخبز، الى جانب سعر القمح في الأسواق العالمية، وسعر صرف الدولار في السوق الموازية.
قبل أيام ردّ اتحاد نقابات المخابز والأفران في لبنان في بيان على ما تداولته احدى الصحف المحلية نقلاً عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من أن هناك مبالغة في افتعال الأزمة، وبأن الكميات الموجودة من القمح في السوق كبيرة وهو يتعرّض لأكبر عملية احتكار وتصرف غير قانوني، حيث تمنى الاتحاد على كل المسؤولين، وعلى رأسهم ميقاتي، "تحديد المحتكرين للقمح والطحين ومحاسبتهم ليكونوا عبرة لغيرهم".
وأضاف "يهم اتحاد المخابز والأفران في لبنان أن يوضح للرأي العام الكلام الذي صدر عن دولة رئيس مجلس الوزراء في ما يتعلّق بموضوع القمح والطحين، معتبراً أن هناك مبالغة بافتعال أزمة قمح، هذا الموضوع دقيق للغاية، وخصوصاً أن الأفران تتسلّم الطحين وفق أذونات صادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة، وغالبية هذه الأفران تنتج الخبز بحسب كميات الطحين المخصص لكل منها".
وطالب الاتحاد مراراً وتكراراً كما جاء في البيان "برفع الدعم عن الطحين غير المخصص لصناعة الخبز، علماً أن الأفران تشتري الطحين الاكسترا بأسعار مضاعفة لسعر الطحين المخصص لصناعة الخبز. كما أن الاتحاد ضد الاحتكار والتهريب وهو حريص على تأمين الطحين بصورة مستمرة لتأمين الرغيف للمواطنين، وعلى الأجهزة الرقابية المختصة مراقبة وضبط كل المخالفات، إذا وجدت لدى الأفران، والاتحاد يرفع الغطاء عن كل مخالف ومحتكر".
وتابع "يلفت الاتحاد النظر إلى كلام دولة الرئيس أنّ القمح متوافر، فنسأل لماذا تتوقف المطاحن عن العمل وليس لديها القدرة لتسليم الأذونات الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة، وبالنهاية إن استمرار الأمور كما هي لا تشجع في ظل غياب سياسة تموينية واضحة المعالم والاهداف، مما قد يؤدي إلى أزمات متكررة في قطاع صناعة الرغيف"، كما وضع كلام ميقاتي كإخبار ليتحرك بموجبه القضاء.
لا ينفي المدير العام للحبوب والشمندر السكري في وزارة الإقتصاد جريس برباري الأزمة التي يواجهها رغيف الفقراء قائلاً "كنا نعمل على تدوير الزوايا، وبين الفترة والأخرى نواجه أزمة أكبر، وفيما يتعلق بمطحنة سبلين تم حلّ الأمر وعادت إلى توزيع الطحين".
تكمن المشكلة الأساسية كما قال برباري لموقع "الحرة" في فتح الاعتمادات، قائلاً "يوجد أربع بواخر تحتاج إلى فتح اعتمادات نتمنى أن يحصل ذلك كما وعدنا".
وأكد برباري أن لا اتجاه لرفع الدعم عن الخبز في المدى المنظور، مشدداً "لا يمكن الاقدام على هذه الخطوة قبل ايجاد بديل للطبقات الفقيرة، فهناك من ليس بمقدورهم سوى تناول الخبز".
أرخت الأزمة الأوكرانية الروسية بظلالها على كل دول العالم فهذان البلدان يعتبران كما قال وزير الزراعة الدكتور عباس الحاج حسن "من أهم الدول المصدرة للقمح، حيث كان لبنان يستورد 85 بالمئة من كمية القمح التي يحتاجها من أوكرانيا والبقية من روسيا، واليوم كحكومة لبنانية لدينا شركاء وأصدقاء في المنطقة وحول العالم".
شحنات القمح مستمرة بالوصول إلى لبنان كما قال وزير الزراعة لموقع "الحرة" و"إن كان ذلك بسعر مرتفع أكثر كون السوق العالمي تغير أيضاً، بالتالي لا مشكلة في هذا الاطار ونحن نؤمن دائماً بتوسيع الشراكات الموجودة بين لبنان وأصدقائه وفتح أسواق جديدة".
بدأ لبنان مرحلة المواجهة في ملف الأمن الغذائي منها البحث عن حلول مستدامة لإنتاج القمح ليكون لديه مخزونه الإستراتيجي حيث تم وضع خطة لزراعة القمح الصلب والطري وبحسب ما شرح الحاج حسن "عندما نتحدث عن خطة وزارة الزراعة بالنهوض بقطاع القمح إنما نتحدث أولاً عن آلية واضحة وشفافة يحتاجها كل مزارع في لبنان وثانياً وضع رؤية كاملة متكاملة لدورة اقتصادية يدخل القمح كأساس فيها".
وأضاف "وضعت وزارة الزراعة خطتها بالشراكة مع الحكومة اللبنانية بشكل عام حيث تمت الموافقة على الخطة الأولية إلى أن يتم وضع كل التفاصيل الدقيقة التي تعنى بها وزارة الزراعة إضافة إلى الشق المتعلق بوزارة الاقتصاد فيما خص شراء القمح من المزارعين لتشجيعهم على توسيع المساحات المزروعة من هذا المنتج"، مشدداً "كل منتج يدخل ضمن السلة الغذائية ويمكننا التوسع في انتاجه يؤدي إلى استقرار في الأمن الغذائي وطمأنينة لدى المستهلك اللبناني".
لا أرقام دقيقة حول المساحات المخصصة لزراعة القمح في لبنان، ولكي يكون لدى وزارة الزراعة خارطة طريق واضحة في سبيل نجاح خطتها بدأت كما قال الحاج حسن بالشراكة مع قيادة الجيش اللبناني بمسح الأراضي، وشرح "بعد لقاء فني مع مديرية تغطية الشؤون الجغرافية في قيادة الجيش اللبناني ننتظر أن يكون هناك مسحاً شاملاً لكل الأراضي التي تزرع الآن من هذه النبتة وأيضاً الأراضي التي يمكن زراعتها في المستقبل وبهذه الطريقة نكون قادرين أولاً على تحديد السهول الداخلية والساحلية ثانياً تحديد المزارعين الذين نريد استهدافهم بالمساعدة وثالثاً تقدير الكميات التي يمكن أن ينتجها لبنان بهامش خطأ لا يتعدى الـ 10 بالمئة".
عملية تشجيع وتحفيز المزارعين على الزراعة تعتمد كما قال الحاج حسن "على أساليب عدة أبرزها تأمين البذور لهم ضمن آلية معينة نعتمد فيها على الدول والهيئات المانحة، ثانياً اعطاء اشارة واضحة وصريحة لهم أن كل منتج القمح ستشتريه الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الاقتصاد من خلال سعر توجيهي حقيقي يتناسب مع السوق العالمية".
"يزرع لبنان حوالي 10 آلآف هكتار من القمح، وينتج بين 50 ألف إلى 60 ألف طن سنوياً منه في حين يستورد بين 550 الف الى 600 الف طن" بحسب ما قاله رئيس تجمع مزارعي البقاع ابراهيم ترشيشي.
وتطمح وزارة الزراعة كما قال الحاج حسن إلى أن "يساعد الموسم الحالي والموسم القادم في التخفيف من الكميات التي يستوردها لبنان من القمح حتى نصل في وقت ما إلى الاكتفاء الذاتي، ربما هناك عوائق كثيرة وعديدة لكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة ونحن بدأناه"، كما آمل أن يكون موسم الحصاد الأول ضمن الخطة قائلاً "هذا ما بدأنا به قبل حوالي الأسبوعين".
وعن القدرة على زيادة المساحات المزروعة قال ترشيشي "لم يعد بالامكان هذا العام، لكن فيما يتعلق بالعام القادم على الدولة تحفيز المزارع للقيام بذلك، أي عرض شراء المحصول منه بأسعار تشجيعية عندها سيهتم بأرضه ويضاعف انتاجه، فالدونم المهمل ينتج 300 كيلو من القمح لكن عند الاهتمام به سينتج 700 كيلو، ما يعني مضاعفة ما ينتجه لبنان من 50 و60 ألف طن سنوياً إلى 100 و120 ألف طن أي 18 بالمئة من حاجة لبنان".
يخشى ترشيشي من أن تكون عناوين خطة النهوض بقطاع القمح أكبر بكثير من المضمون، قائلاً "لغاية الآن سمعنا الأخبار الجيدة لكن لم نرَ أي خطوة عملية"
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
حريق أوكرانيا يمتدّ إلى لبنان واستعداد لـ"حرب الخبز"
أبرز الأخبار