21-04-2022
مقالات مختارة
طوني فرنسيس
طوني فرنسيس
كان يُفترض بالسلطتين، التشريعية والتنفيذية، أن تسارعا فور ظهور بوادر الإنهيار في صيف 2019، إلى سنّ الضوابط والإجراءات لحماية أموال المودعين والنظام المصرفي ورسم طريق استعادة التعافي. غير أنه بعد ما يزيد عن سنتين ونصف السنة من حصول الكارثة وتماديها لا يزال مجلس النواب وحكومته على دورهما في حماية السرقة المنظمة لتلك الأموال والامتناع عن اتخاذ أي تدبير يحدّ من تداعيات الكارثة.
لم يكن لبنان دولةً وحيدة تصطدم بأزمة كالتي يعيشها، وإن كانت بين الأزمات الثلاث الكبرى منذ قرن ونصف القرن حسب التصنيفات العالمية، لكنه كان الأشدّ تميّزاً في افتقار قادته إلى الحسّ الوطني والإنساني، وإلى احتقارهم الصفة التمثيلية التي اكتسبوها بقوة السلاح والميليشيا الممذهبة والمتألهة، ما يقودهم دوماً إلى احتقار الأصوات التي أعطتهم شرعية التمثيل والتربّع مديداً على كراسٍ تهالكت ولم يتهالكوا.
قبل لبنان، وفي تواريخ لم يمرّ عليها الكثير، تعرضت بلدان محترمة لأزمات مالية واقتصادية، وعلى الفور اتّخذت حكوماتها ومجالسها النيابية التدابير اللازمة، فسنّت التشريعات واتخذت الإجراءات وطبّقتها حماية للأموال الخاصة والعامة، وتمكنت بعد فترات قصيرة من استعادة سياق حياتها الطبيعية. في آذار 2013 لجأت قبرص عبر تدابير حكومية إلى الحد من السحوبات والتحويلات وخلال عامين استعاد قطاعها المصرفي دوره كاملاً. وفي حزيران 2015 أغلقت الحكومة اليونانية المصارف عشرين يوماً وفرضت ضوابط على السحوبات أُزيلت نهائياً في العام 2018 واستعادت اليونان حياتها الطبيعية بعد أزمة يتذكرها العالم.
مصر لجأت إلى تدابير حكومية في العام 2019، لكن لا ننسى أن الحكومة اللبنانية نفسها قامت العام 1967 بتدابير مماثلة إثر أزمة انترا وتحوّطت لتداعيات حرب حزيران، ففرضت تنظيم علاقات البنوك بزبائنها تحويلاً وسحوبات!
لم يحصل شيء من ذلك منذ خريف 2019. بدا المهيمنون على مقدرات البلد سلطات احتلال تنظم النهب العام وتؤمّن مصالحها ولا تكتفي بسرقة المغاسل والحنفيات مثلما فعلت قبلها جيوش وميليشيات. تولّت إدارات المصارف برعاية حاكم متّهم، التصرّف بودائع المودعين وليرتهم وبالتالي بشتى أسباب معيشتهم. صار هؤلاء سلطة تنفيذية وتشريعية في آن واحد ولا يزالون، فيما أركان السلطة يواصلون البحث في التشريعات والإجراءات عشية انتخابات يسعون فيها للتمديد لسلطتهم الغاشمة.
حققت سلطة المصارف لهؤلاء الأركان ما يسعون لأجله دائماً: تكديس الثروات في الداخل والخارج، فأموالهم حوّلوها إلى بنوك العالم وقسمها الآخر خُصِّص لشراء العقارات والذهب، من دون نسيان لوازم غش الشعب لشرائه في موسم الصناديق.
أخبار ذات صلة