11-02-2022
مقالات مختارة
خالد أبو شقرا
خالد أبو شقرا
ليست المشكلة، على كبرها، باستغناء المصارف عن مستخدميها، إنما باللامبالاة التي تطبع عمليات الطرد وإقفال الفروع. فبعض البنوك التي عجزت عن «تنفير» موظفيها ودفعهم مرغمين إلى الاستقالة، تتعمد صرفهم على أساس المادة 50 من قانون العمل. شهر من أساس الراتب عن كل عام... وبالليرة. ولولا «العيب والحياء» لما تردد بعضها بإقالة من أفنوا عمرهم في خدمتها من دون أي تعويض.
الحدث يوم أمس كان من أمام «بيت التمويل العربي» (مصرف إسلامي). 29 موظفاً صرفوا تعسفياً مقابل لا شيء تقريباً. «تعويضات معظمنا لا تساوي نصف ما كنا نتقاضاه شهرياً قبل اندلاع الأزمة»، يقول أسامة الآغا، أحد الموظفين المستغنى عن خدماتهم. «المعروض علينا عبارة عن ثلثي أساس الراتب مضروباً بعدد السنوات. فمن عمل لمدة 7 سنوات براتب 1.8 مليون ليرة، سيتقاضى تعويضاً بقيمة 13 مليون ليرة أو ما يعني 600 دولار، في حين أنّ راتبه كان 1200 دولار». وعلى عكس حالات الصرف المماثلة نزع المصرف عن المصروفين كل عناصر الحماية الاجتماعية. فأوقف الضمان والتأمين الصحي، ولم يعط المصروفين ما يقيهم العوز لأشهر قليلة ريثما يجدون وظيفة أخرى». لن يأخذونا بـ»المفرق»الصرخة التي رفعها رئيس «نقابة موظفي المصارف» أسد خوري في وجه مدير عام «بيت التمويل العربي» أسامة حلمي طالت كل البنوك؛ «إذا أرادوا الاحتكام للمادة 50 الجائرة من قانون العمل، والتي تجاوزناها بأشواط في كافة الاتفاقيات، فليحتكموا إذاً للقانون، وليعيدوا أموال المودعين المحتجزة منذ نهاية 2019». خوري وفي حديث خاص قال: «لن ندعهم بعد اليوم ينالون منا بالمفرق». داعياً كل موظفي المصارف الذين يخضعون للتهديد أو الترغيب لترك عملهم بالتواصل مع النقابة. فالبنوك تعتمد سياسة الصرف الفردي وليس الجماعي، وهو ما يصعّب علينا الوقوف إلى جانب المصروفين والمطالبة بحقوقهم، خصوصاً إذا كانت شروط الصرف جائرة وغير عادلة كما يحصل مع موظفي «بيت التمويل العربي». المشكل يعود للعام 2012 تشفّي «بيت التمويل العربي» بموظفيه ومودعيه يعود إلى العام 2012. في ذلك العام اتخذ المصرف قراراً بحصر تمثيله بفرع واحد بكل محافظة. ومع اشتداد الأزمة في العام 2019، وتعرّض فرع طرابلس للحرق، عمد المصرف إلى إقفال فروع المناطق في الشمال والبقاع، ونقل الموظفين إلى المركز الرئيسي الكائن في بيروت. وأبقى في المقابل فرع الجنوب في صيدا يعمل لأيام معدودة في الأسبوع. الأمر الذي لم يرهق الموظفين ويكبّدهم أكلاف نقل تفوق رواتبهم فحسب، إنما أضرّ بشريحة واسعة من المودعين في المناطق»، بحسب الموظف المصروف تعسفاً محمد الدنى. فـ»الهم الأول عند المدير العام كان إهانة الموظفين ودفعهم إلى تقديم استقالاتهم. ومع هذا صبرنا وخدمنا المصرف بأمانة إلى أن صدر القرار بصرفنا إكراهاً، بدلاً من تكريمنا وتقدير جهودنا التي بذلناها في خدمة البنك وعملائه». المودعون ليسوا أفضل حالاً كما أساءت إدارة «بيت التمويل العربي» لموظفيها، ظلمت مودعيها ممن وثقوا بها. «فمع إقفال فرع طرابلس أصبح لزاماً على زبائن المصرف سواء كانوا أفراداً أو جمعيات خيرية وإنسانية، التوجه خصيصاً إلى بيروت لإتمام أبسط المعاملات طيلة الأعوام 2019، 2020 و2021»، يقول المودع المحامي الشيخ أحمد الشعراني. «ولم يعاود المصرف فتح مكتب له لتسهيل أمور مودعيه إلا مؤخراً، فيما كان يمكنه اتخاذ مثل هذه الخطوة فور إحراق المصرف. وهذا ما لم يفعله بدليل على حالة التخبط والإرباك التي كانت تعاني منها الإدارة طيلة السنوات الماضية. وهذا ليس ذنب الموظف ولا المودع. وكان من الأجدى تغيير الإدارة وليس صرف الموظفين والتشفي بالمودعين». احتجاز أموال الجمعيات دفع بحسب المودعين المتضامنين مع موظفي المصرف إلى خسائر كبيرة على كافة المستويات. فالجمعيات التي احتُجزت أموالها اضطرت إما للإقفال أو تخفيض نفقاتها وتقليل خدماتها وصرف موظفيها. وهذا ما كان يجب ألا يحصل، ولا سيما أن «بيت التمويل العربي» حاز على هذه الودائع بوصفه مصرفاً إسلامياً ومستمداً قوته والثقة به من بنك مصرف قطر الإسلامي المالك له منذ العام 2013. سلسلة من التحركات ليس «بيت التمويل العربي» أول مصرف يطرد موظفيه ولن يكون الأخير. إنما الفرق أن «هذا المصرف لا يدفع فوائد ويستخدم الودائع لجني الأرباح. ومع هذا يتجنّى على موظفيه ولا يدفع حقوقهم المكتسبة على مستوى التعويضات والتسويات، ويرفض كل الوساطات من قبل النقابة والجهات الرسمية كوزارة العمل»، برأي نائب الأمين العام لإتحاد نقابات موظفي المصارف أكرم العرب. و»لم يأخذ في الاعتبار العوامل الأخلاقية والإنسانية التي تحتّم معاملة الموظفين في هذه الظروف على قدر من العدالة والإنصاف». التحركات لنقابة موظفي المصارف واتحاد النقابات لن تقتصر على «بيت التمويل العربي» بحسب العرب، «إنما ستطال كل المصارف التي تقلص عدد فروعها وتطرد موظفيها وتذلّ المودعين. فمن غير المسموح مراكمة الضغوطات على من تبقّى من موظفين تحت ذريعة تحمل مسؤولياتهم في هذه الظروف لأنها تريد تخفيض نفقاتها. وبالتالي تكبيد المودعين مشقات الطريق وبدلات النقل الباهظة بعدما قرصنوا ودائعهم بالاشتراك والتنسيق مع السلطة السياسية والمنظومة الحاكمة. «إعادة هيكلة القطاع المصرفي المنتظرة وما ستفرضه من تخفيض بنسبة 50 في المئة من مستخدميها، يجب أن تبدأ بتوقيع جمعية المصارف على العقد الجديد مع اتحاد نقابات الموظفين. وكل تأخير في توقيع العقد الذي يتضمن بروتوكول الصرف العادل هو تجنٍ بحق آلاف المستخدمين ودليل على تعامل الجمعية وأصحاب المصارف من خلفها بنيّة سيئة، تستوجب ساعتذاك مواجهة مختلفة»، بحسب مصادر الاتحاد. أما في ما يتعلق بموظفي «بيت التمويل العربي»، فيتوجه الموظفون أولاً إلى «بنك قطر الاسلامي» بوصفه المالك الأساسي لمحاسبة الإدارة التي تسيء إلى سمعتهم بتصرفاتها ومعاملتها موظفيها بطريقة شائنة. وثانياً إلى مصرف لبنان ووزارة العمل لإحقاق الحق والانتهاء من القضية بما فيه صالح المصروفين. تم تأسيس «بيت التمويل العربي» في العام 2003. وهو يعد أول بنك إسلامي كامل أنشئ في لبنان، حيث يعرض خدمات مصرفية واسعة لتحقيق متطلبات البورصة المحلية المتزايدة تحت أحكام شرعية صارمة. في عام 2013 تم الحصول على «بيت التمويل العربي» بالكامل من قبل «بنك قطر الإسلامي»، أول بنك إسلامي وثاني أكبر بنك في قطر.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار