22-01-2022
محليات
عودة الوسيط الاميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية السفير آموس هوكشتاين ليست أحجية، انما الأحجية التي تدعو الى الريبة «البلادة» اللبنانية الرسمية في التعامل مع قضية سيادية خالصة، وكأنّ المقصود ترك الامور على غاربها والمماطلة الى أبعد الحدود لفرض أمر واقع بحري يصبّ عن سابق تصور وتصميم في مصلحة العدو الاسرائيلي.
زيارة هوكشتاين كانت مقررة حسب مصدر رسمي «في النصف الاول من شهر شباط المقبل، وهو والوفد المرافق استحصل على تأشيرات الدخول لهذه الغاية، الا ان تطورات جائحة «كورونا» والمتحورة «اوميكرون» دفعت بالسلطات الاميركية الى اصدار تعليمات بتقليص حركة الموظفين الاميركيين الى الخارج الى حد المنع، فتأخرت الزيارة، الا انه عائد الى لبنان في النصف الثاني من شباط، حاملا معه نتائج محادثاته مع الجانب الاسرائيلي ليبنى على الموقف اللبناني المقتضى المناسب».
وما صار معلوماً ان لبنان السياسي لا يريد السماع بالخط (29) وأعلن انه يفاوض انطلاقاً من الخط (23) الامر الذي يضعف الموقف اللبناني حول طرحه بشأن الخط المتعرج الذي يضمن حقل قانا بالكامل للجانب اللبناني وحقل كاريش للجانب الاسرائيلي، حتى ان السلطة السياسية لم تكلف نفسها عناء الرد على الرسالة الاسرائيلية الى الامم المتحدة لولا تحرك الجيش ولفت النظر عملياً الى هذا الامر، اذا تكفي الاشارة الى انه بتاريخ 23/12/2021 ارسلت اسرائيل رسالة الى الأمم المتحدة تعترض فيها على فتح لبنان لدورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية والتي أعلن عنها وزير الطاقة اللبناني بتاريخ 26 تشرين الثاني 2021، واعتبرت اسرائيل في رسالتها أن دورة التراخيص هذه تمتد الى المياه الاسرائيلية أي الى مساحة الـ 860 كلم مربعاً المتنازع عليها قديماً، وهي تذكر بالرسائل السابقة بتاريخ 2 شباط 2017، و21 كانون الاول 2017، و11 تموز 2019، وآخرها 23 تشرين الثاني 2021 والتي تؤكد جميعها تمسك اسرائيل بمساحة الـ 860 كلم مربع ما بين الخط 1 والخط 23 وتحذّر شركات النفط من القيام بأي أعمال استكشاف أو تنقيب لصالح لبنان في هذه المنطقة مع تحمّل كامل المسؤولية.
خبير قانوني والتنازلات المجانية
وفي هذا الاطار، يدعو خبير قانوني معني بملف الترسيم السلطة السياسية اللبنانية الى وقف التنازلات المجانية، لان الجانب الاسرائيلي لا يفهم بلغة التنازلات انما برفع السقف الى ابعد الحدود مدعماً بالحجج القانونية والسوابق الدولية، ويقول: «بغية التوصل الى حل عادل ومنصف لمسألة الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي، يجب بدء التفاوض من الحد الاقصى وفقاً للقانون الدولي، كما فعلت وتفعل جميع الدول التي سبقتنا في حل نزاعاتها البحرية، وبالتالي يجب بدء التفاوض من الخط 29 وفقاً لبيان رئاسة الجمهورية بتاريخ 13 تشرين الأول 2020، أي قبل يوم من بدء المفاوضات. وكان من الأفضل تعديل المرسوم 6433 لكي يتم أخذ الموقف اللبناني على محمل الجدّ. وجرت عدة محاولات لتعديل هذا المرسوم كانت أولاها بتاريخ 21 تموز 2020 من خلال محاولة طرح الموضوع على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء بالتاريخ المذكور، أي قبل انفجار المرفأ بأسبوعين، أما المرة الثانية من خلال توقيع المرسوم بصورة استثنائية حين وقّعه كل من وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار، ووزيرة الدفاع زينة عكر وطلب الموافقة الاستثنائية من قبل رئيس الحكومة حسان دياب، إلا أن المحاولتين باءتا بالفشل، والأسباب لا تبرر حجم الضرر الحاصل بثروة لبنان وسيادته على حدوده البحرية».
ويضيف المصدر «ان العدو الاسرائيلي حاول مع الوسيط الاميركي جرّ الوفد اللبناني المفاوض للتفاوض على مساحة 860 كلم مربعاً، إلا أن التحضير الجيد والمحترف للملف من قبل الوفد المفاوض بيّن أن الخط 29 هو الخط القانوني وفقا لقانون البحار، وهذا ما أكده لاحقاً قرار محكمة العدل الدولية بشأن النزاع البحري بين كينيا والصومال الذي صدر بتاريخ 12 تشرين الاول 2021 والذي أكد عدم احتساب تأثير الجزر الصغيرة التي تغير باتجاه الحدود البحرية بشكل غير تناسبي، وهذا ما يطالب به لبنان بخصوص عدم احتساب تأثير جزيرة «تخيليت» وبالتالي اعتماد الخط 29 للحدود البحرية الجنوبية».
واشار المصدر الى انه «كان هناك خياران أمام العدو الإسرائيلي: الاول أن ينسحب من المفاوضات مع العمل مع الوسيط الاميركي على الضغط لعدم تعديل المرسوم 6433، ومن ثم اتباع سياسة المماطلة لحين فرض أمر واقع ببدء الانتاج من حقل كاريش عند وصول سفينة الانتاج المتوقع في آذار 2022. أما الثاني فهو الرضوخ للجلوس الى طاولة المفاوضات والتوقف عن سياسة المماطلة، إلا أن الجميع أصبح يعلم أن هذا لن يتم من دون تعديل المرسوم 6433 وايداع الخط 29 في الامم المتحدة والذي يعرقل قانوناً عمل شركة «انرجين» في حقل كاريش، ومن دون ذلك ليس هناك مصلحة للعدو للعودة الى المفاوضات كونه حاصلاً رسمياً من قبل لبنان على كامل المنطقة الواقعة بين الخط 23 والخط 29. إضافة الى ذلك يكون قد أبقى المنطقة المتنازع عليها بين الخط 1 والخط 23 أي في المياه اللبنانية، وبلغت الوقاحة لديه في رسالته الاخيرة الى تهديد شركات النفط التي قد تنوي التعاقد مع لبنان في البلوكات الجنوبية».
ولفت المصدر الى انه «بسبب تلكؤ السلطة السياسية في لبنان، وبدلا من وقف العمل في حقل كاريش، يريد الاسرائيلي إبقاء النزاع في المياه اللبنانية وايقاف عمل شركة «توتال» في البلوك 9 على الرغم من أن خطه الحدودي رقم واحد ليس له أساس قانوني ولا تقني، على عكس الخط 29 الذي تم رسمه وفقا للقانون الدولي وبشكل عادل ومنصف وفقاً لاتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار.
هذا هو الحل
والسؤال المهم، هل يوجد حل على الرغم من التعقيدات السياسية الداخلية غير المقنعة لتعديل المرسوم 6433؟ الجواب نعم، ولا يحتاج الى جلسة لمجلس الوزراء لكى يقال أنه «ما خلونا». إن الحل وقبل فوات الاوان هو الايعاز الى مندوب لبنان الدائم في الامم المتحدة بتوجيه رسالة رداً على الرسالة الاسرائيلية الاخيرة، يؤكد فيها أن لبنان يعتبر المنطقة الواقعة بين الخط 1 والخط 29 هي منطقة متنازع عليها، وهذا ما أبلغه لبنان للجانب الاسرائيلي والوسيط الاميركي خلال جلسات التفاوض التي حصلت في الناقورة برعاية الامم المتحدة، وأنه يحذّر أي شركة من القيام بأي أعمال استكشاف، تنقيب، تطوير، أو استخراج للغاز والنفط في هذه المنطقة قبل التوصل الى حل عادل ومنصف والذي سعى إليه لبنان بالسرعة الممكنة وفقا للقانون الدولي. هذه الرسالة ووفقا للسوابق لا تتطلب مجلس وزراء ولا أحد يستطيع منع أخذ قرار ضروري جداً وتاريخي كهذا لمصلحة الشعب اللبناني، وبالتالي يكفي أن يعطي رئيس الجمهورية توجيهاته بذلك الى المعنيين للقيام بواجباتهم كونه السلطة المسؤولة عن ملف التفاوض وفقا للدستور، وقبل فوات الاوان وقبل أن يقال ما خلونا.
في حال ارسال لبنان الرد على الرسالة الاسرائيلية الاخيرة، ستكون زيارة هوكشتاين المرتقبة الى لبنان بجدول اعمال مختلف من حيث الشروط والطلبات، بما يمكّن لبنان من الوصول الى خط وسط يضمن له حقوقه السيادية».
أخبار ذات صلة