04-01-2022
مقالات مختارة
خالد أبو شقرا
خالد أبو شقرا
المشترك الوحيد بين نهاية 2021 ومطلع العام 2022 هو الاستمرار بإذلال المواطنين. الوقت المستقطع من "ماتش" المصارف وعملائها، الذي فرضته عطلة رأس السنة، استُؤنف على فوضى مضاعفة. مئات آلاف الموظفين "مستقتلين" لنيل بين 20 و30 في المئة إضافية فوق دخلهم، والبنوك تستنسب في المعاملة على "البارد المستريح". أما "الحكم" فغاب عن المشاهدة، بعدما أطلق "صافرة" المباراة الافتتاحية.
راحت "سكرة" العيد، وعادت "فكرة" التعميم 161. فتمديد العمل بـ"التعميم" لنهاية كانون الثاني الحالي لم يحلّ المأزق المزدوج الذي وقع ضحيته المودعون عموماً، وأصحاب الرواتب الموطنة من موظفي الدولة خصوصاً. فمن جهة، لم تحلّ البنوك مشكلة الإزدحام والاصطفاف بطوابير لساعات طويلة للراغبين بالاستفادة من قبض رواتبهم بالدولار. ومن الجهة الأخرى، لا يوجد حسيب أو رقيب على المصارف التي عمد بعضها إلى "تقسيط" الراتب على دفعتين وبفرق أيام. الأمر الذي لم يضطر الموظف إلى تضييع يوم إضافي في الانتظار، وتحمل مشقة الوصول إلى المصرف مع كل ما يتكبده من تكاليف المواصلات فحسب، إنما خسر من راتبه نتيجة التقلبات في سعر منصة صيرفة.
تقسيط الراتب
ما أصاب جوانّا، الاستاذة المحاضرة في الجامعة اللبنانية، أصاب الكثيرين من زملائها في القطاع العام. إذ مع بداية تطبيق التعميم توجهت إلى فرع مصرفها، وفي بالها تقاضي 3.2 مليون ليرة على سعر 22100 ليرة (سعر صيرفة وقتذاك)، أي حوالى 144 دولاراً. إلا أن "حساب حقلها" لم يتطابق مع "حساب بيدر" البنك الذي سدد لها 100 دولار (مليونان و210 آلاف على سعر 22100 ليرة) على أن تتاقضى المبلغ المتبقي 990 ألف ليرة بعد أسبوع. بيد أن الطامة الكبرى أن سعر الصرف في الموعد الثاني كان قد بلغ 24000 ليرة، وبدلاً من تقاضي 44 دولاراً، تقاضت 41 دولاراً. صحيح أن الفرق بسيط وقد لا يقدّم أو يؤخّر مع الكثيرين، إنما يستحق السؤال أين تذهب 3 دولارات؟ وهل المصرف يستفيد من فرق السعر كما يعتقد البعض؟
المصرف هو المستفيد الأول
خبير المخاطر المصرفية د. محمد فحيلي يشير إلى أن "المصرف لا يمكن أن يسجل أنه دفع 144 دولاراً مقابل تسديد 100 دولار، إلا إذا وقّع العميل على إشعار بتقاضيه المبلغ كاملاً، وقَبِل تأجيل قبض المبلغ المتبقي إلى وقت لاحق. وهذا أمر مستبعد". ولكن في المقابل فان ارتفاع سعر الصرف على "المنصة" يتيح للمصرف تسديد كمية أقل من الدولارات، ويوفر عليه خصم مبالغ أقل من حساباته في مصرف لبنان. وبالتالي يكون هو الرابح الأول مقابل خسارة العميل إمكانية الاستفادة الكاملة من التعميم 161. أما عن كيفية تحديد السعر على SAYRAFA فهو "مصطنع"، بحسب فحيلي، ولا يخضع لقواعد العرض والطلب، إنما لمتطلبات السياسة النقدية. "ومع التوسع بتطبيق التعميم 161 سيزداد الطلب على الدولار على "المنصة" مما يدفع بسعر الصرف صعوداً، وهكذا تتقلص حصة العميل الدولارية"، يقول فحيلي، "وفي المقابل يزداد عرض الدولار في السوق السوداء مما يدفع بالدولار هبوطاً، وهكذا حجم البركة يتحجم!". وفي النتيجة فان السوقين متكاملان، واللاعبين يستفيدون من توزيع الأدوار والصلاحيات من أجل إنقاذ السلطة السياسية في فشلها وتحميل المودع haircut والمواطن inflation أي تحميله أعباء هذا الإنقاذ المدمر إقتصادياً ومعيشياً.
مخالفات بالجملة
على شاكلة ما سبقه من تعاميم، فان "التعميم 161 كان مجرد رافعة لتعويم منصة صيرفة"، برأي عضو اللجنة القانونية في رابطة المودعين المحامية دينا أبو زور. حيث تأمّل المركزي أن يساهم هذا التعميم في امتصاص الكتلة النقدية بالليرة. إنما مرة جديدة أتى تطبيق التعميم مخالفاً للرؤية الموضوعة. وهذه عينة عن فوضى التطبيق التي تلقتها الرابطة على الخط الساخن:
- تتحجج المصارف بوجود كوتا محددة من الدولار يزودها بها مصرف لبنان. وعلى أساس هذه الحصة توزع الدولارات على العملاء.
- بعض المصارف أبلغت عملاءها بامكانية سحب 50 دولاراً من الراتب بالعملة الأجنبية والباقي بالليرة على سعر منصة صيرفة.
- عمدت بعض المصارف بشكل مخالف إلى الطلب من عملائها تغذية حساباتهم بالليرة ليرتفع المبلغ المتقاضى بالدولار أو لتسهيل تدوير العملية.
- بعض المصارف لم يسدد بالدولار الرواتب الموطنة التي تقل عن 50 دولاراً. وكثيرون من المتقاعدين الذين تتراوح رواتبهم بين 750 ألف ليرة ومليون لم يستفيدوا من التعميم.
- طبق بعض المصارف (فرنسبنك) التعميم بشكل انتقامي. بحيث حرم عملاءه ممن سددوا قروضهم كاملة لدى كاتب العدل على طريقة العرض والايداع من الاستفادة من التعميم.
- عدم تجهيز الصرافات الآلية ATM’s لتسهيل وصول العملاء إلى حساباتهم ساعة يشاؤون وفرض عليهم اتمام العملية على الكونتوارات. حيث يمضي الدوام ولا يأتي دور الكثيرين.
- تقسيط الرواتب وتحديداً المرتفعة منها بحجة عدم وجود دولارات كافية. وهذا ما أصاب اساتذة الجامعة اللبنانية قبل نهاية الشهر الماضي. حيث عجز كثيرون عن سحب كامل الراتب مرة واحدة.
- حرمان المستفيدين من التعميم 158 من الاستفادة من التعميم 161. حيث منعوا من تحويل نصف المبلغ المتقاضى بالليرة اللبنانية نقداً (200 على سعر صرف 12 ألف ليرة) إلى الدولار على سعر صيرفة.
هذه المخالفات تترافق مع عدم التدخل الجدي من قبل لجنة الرقابة على المصارف ومتابعتها للشكاوى"، بحسب أبو زور، و"لا سيما لجهة استنسابية البنوك في التطبيق". مع العلم أن التعميم بشكله الأخير يتيح لجميع عملاء المصارف الاستفادة منه. وعلى الأخيرة تأمين كل الطرق التي تسمح للمودعين قبض مستحقاتهم كاملة بالدولار بسهولة ومن دون "لف ودوران" وهذا ما لا يطبق لغاية الآن.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
النظام الضريبي مشرذم
أبرز الأخبار