13-10-2021
محليات
مشهد البلد في أسوأ حالاته، إنقسام أفقي وعامودي حول كلّ شيء، و»صرير الأسنان» على أشدّه بين مكونات سياسية ومدنية تناصب العداء لبعضها البعض وتدفع البلد نحو هاوية مفتوحة على كل الاحتمالات السلبية، فكيف له وحاله هذه أن يقوم وينهض من جديد؟
الأزمة الخانقة أفق حلولها مقفل، وتنذر بهاوية اقتصادية واجتماعية ومعيشية. الحكومة تحاول ان تتلمس خطواتها، ويؤخذ عليها بطء وصفاتها العلاجيّة وخصوصاً انّ عامل الوقت سلاح ضاغط للتسريع. لكنها تبرّر هذا البطء بأنّ حجم التعقيدات في طريقها أكبر من أن يقارَب بأداء متسرّع، بل يتطلّب مقاربات جذريّة وقرارات جريئة، يجري طبخها على نار هادئة لكي تحقّق الغاية المرجوّة منها. وهذا ما يفرض بالتالي قليلاً من الصبر.
ثمة من لا يرى مبرراً لأي تأخير في الخطوات الحكومية، طالما انّ برنامجها واضح لناحية انّ علاج الأزمة ما زال ممكناً، فلبنان ليس دولة مفلسة، فهو يمتلك الكثير من الإمكانات التي تمكّنه من ان يعود وينهض من جديد، شرط مقاربة الأزمة بواقعية وموضوعية، عبر خطة إنقاذية متدرجة من الأهمّ إلى المهم يلمسها المواطن، وتستخلص العِبَر والدروس من مسلسل الإخفاقات التي ضربت بنية الاقتصاد، وتتّعظ من الأخطاء القاتلة التي ارتُكبت في السنوات الخمس الاخيرة وخلخلت أركان الدولة.
ولكن، ليست العلّة فقط في تأخّر خطوات الحكومة، بل في المحاولات الدؤوبة التي تقوم بها بعض القوى السياسية لإعاقة الحكومة ودفعها الى الفشل، عبر فتح سلسلة معارك سياسية في موازاة المهمّة الصعبة للحكومة.
اولاً، في صدارة هذه المعارك، تتبدّى معركة التعيينات التي، وإن جرى بالأمس إصدار جرعة خفيفة منها، فإنّ الجرعات الأساسية المؤجّلة، بدأت تُشتم منها رائحة محاصصات، تنسف كل الهدف الإنقاذي الذي تسعى اليه الحكومة، وخصوصاً انّ ثمة اطرافاً فاعلة في السلطة تسعى الى جعل بعض التعيينات جسراً لبعض الموظفين المحسوبين عليها، للتربّع على رأس بعض الإدارات والقطاعات الحيوية.
ثانياً، تليها المعركة الصامتة حالياً، حول اللجوء الى صندوق النقد الدولي، والتي قد لا يطول الوقت لتظهر الى العلن بصورة حادة، فثمة انقسام عميق حوله، فالحكومة ترى انّ لا خلاص الّا ببرنامج تعاون مع صندوق النقد، ومؤيدو هذا الخيار يعتبرون انّ اللجوء الى الصندوق شرّ لا بدّ منه، لا بل هو أهون الشرور. وآخرون يبدون اكثر تفاؤلاً، بحيث انّهم يعتبرون انّ مجرد اللجوء الى صندوق النقد معناه انّ لبنان قرّر ان يعود الى الحياة، ومجرّد دخول لبنان في اتفاق مع صندوق النقد، معناه انّ صورة لبنان الراهنة ستتغيّر ويبدأ طريقه نحو استعادة عافيته وثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي به.
يقابل ذلك، تحذيرات من القلقين من اللجوء الى صندوق النقد، فحواها انّه لا ينبغي النظر الى صندوق النقد بوصفه مؤسسة طوباوية، وانّ وصفاته فيها العلاج الشافي للأزمة. فثمة دول كثيرة عانت من تداعيات وصفاته اجتماعياً واقتصادياً ومالياً، وخصوصاً انّها وصفات تستنزف ثروات أي بلد، وتجعل من ناتجه المحلي مخصّصاً فقط وحصراً لخدمة الدين وإيصاله الى مرحلة تعثر تسهّل فرض الشروط عليه. فبرنامج صندوق النقد غالباً ما يترك البلد المستهدف ببرنامج معه، فقيراً كما كان من قبل، ولكن مع مديونية اكبر. ومن هنا ينبغي قبل اللجوء الى الصندوق التفكير والتبصّر في التداعيات.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار