30-09-2021
محليات
تجديد العمل بالـ 151 من دون أي تعديل والسماح بالإستفادة من الـ 158 و151 في آن واحد
رفع سعر دولار السحوبات يضرب الودائع بالليرة وخفض دولار السوق السوداء هو الحلّ
في 21 نيسان 2020، أصدر مصرف لبنان تعميمًا أساسيًا للمصارف حمل الرقم 151 ونصّ في مادته الأولى على إعطاء المودع بالدولار الأميركي سحوباته بالدولار على سعر صرف 3900 ليرة لبنان لكل دولار أميركي:
«مع الاحتفاظ بمفهـوم القـرار الاساسي رقم 13217 تاريخ 9/4/2020، في حال طلب أي عميل اجـراء اية سحوبات أو عمليات صـندوق نقـدًا من الحسابات أو من المسـتحقات العائدة له بالدولار الاميركي او بغيرها مـن العملات الاجنبية، على المصارف العاملة في لبنان، شـرط موافقة العميل المعني، ان تقوم بتسديد ما يـوازي قيمتها بالليرة اللبنانية وفقًا لسعر /3900/ ليـرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد لعمليات الصرافة وذلك اسـتنادا للإجراءات والحدود المعتمدة لدى المصرف المعني».
هذا التعميم لاقى أصداء إيجابية وسلبية في آنٍ واحد. فالبعض وجد في هذا التعميم إجراء إجتماعي في وقت كان كورونا في أوجها وكان سعر الدولار في السوق السوداء بحدود الـ 4000 ليرة لبنانية للدولار الواحد. في المقابل وجد البعض الأخر في هذا التعميم تحفيزًا على رفع التضخّم نظرًا إلى أنه يُشكل إعترافا رسميا من قبل السلطة النقدية. ولاقى هذا التعميم ترحيبًا كبيرًا لدى المودعين الذين ساهموا بشكل كبير في نجاحه من خلال حجم العمليات التي قاموا بها من خلاله. هذا النجاح دفع المصرف المركزي إلى تجديده وهو الذي كان معمولًا به لفترة محدودة.
اليوم تُشارف فترة تنفيذ هذا التعميم على الإنتهاء (30/92021) وبالتالي يُطرح السؤال عن شروط تجديده الذي أصبح من المسلمات. لجنة المال والموازنة ومن خلال إجتماعاتها مع المصرف المركزي ووزارة المال، تُحاول الضغط بإتجاه رفع سعر دولار السحوبات. وبما أن القرار يعود إلى السلطة النقدية التي تمتلك حصرية القرار في هذا الموضوع، فإن لجنة المال والموازنة تضغط على المصرف المركزي بثلاثة إتجاهات: الأول من خلال الإجتماعات مع المركزي ووزارة المال، الثاني من خلال وزارة المال عبر الطلب منها الضغط على المركزي، والثالث من خلال الإعلام عبر تجييش الرأي العام.
رفع سعر دولار السحوبات له تداعيات إيجابية – ظاهريًا – من ناحية إستعادة المودع لقسم من حقوقه. لكن في العمق رفع سعر دولار السحوبات سيرفع من الكتلة النقدية بشكلٍ كبير قد يكون المصرف المركزي عاجز عن السيطرة عليها وبالتالي فإت التضخّم قد يصل إلى مستويات عالية قد تُطيح بالليرة بشكل يفرض حذف أصفار منها!
التضخم هو آفة في الإقتصاد لذا تضع الدول سقف لهذا التضخم لا يزيد عن 2% سنويًا. وإذا ما تخطى الـ 50% شهريًا يُصبح هذا التضخم مُفرط ويكون من المستحيل التخلص منه على مثال البرازيل التي حذفت حتى أكثر من 18 صفرا من عملتها وما زال التضخم متمكنًا من الإقتصاد البرازيلي. في الواقع لم تستطع أي دولة في العالم من الخروج كاملا من التضخم المفرط بإستثناء المانيا بعد الحرب العالمية الثانية التي عمدت إلى إعادة بناء إقتصادها من الصفر.
مصرف لبنان أصدر بيانًا قال فيه أن المجلس المركزي للمصرف مدد العمل بالتعميم 151 حتى 31/01/2022 بدون أي تعديل معطيًا بذلك الوقت للحكومة «لتقديم مشروعها الإصلاحي» وبالتوازي عدل التعميم 158 عبر السماح للمودعين بالإستفادة من التعميمين 158 و151 بالتزامن في مصارف مختلفة ما يسمح بتحسين متوسط سعر الصرف الذي يستفيد منه ويزيد من قدرته الشرائية وهو ما كان غير ممكن سابقًا.
المصرف المركزي علل قرار المجلس بـ «دقة الوضع المالي في ظل فراغ حكومي دام أكثر من سنة وإنخفاض التدفقات النقدية للعملات الأجنبية من الخارج نتيجة اعلان لبنان عدم سداد ديونه الخارجية». وبالتالي، «وبناءً على المعطيات المالية والنقدية المتوافرة، فإن تعديل سعر صرف الدولار للتعميم 151 سيكون له تداعيات كبيرة على الكتلة النقدية وسعر صرف الدولار في غياب خطة اقتصادية ومالية شاملة والتي يأمل المجلس المركزي أن يتم وضعها في أقرب وقت ممكن».
عمليًا خطوة المصرف المركزي التي ستلاقي إعتراضًا من قبل قسم من المودعين، تهدف إلى لجم التضخّم الذي سينتج عن رفع سعر دولار السحوبات. وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار المودعين بالليرة اللبنانية، فإن رفع سعر دولار السحوبات سيضر حكمًا بهؤلاء المودعين لأنه سيأكل من قيمة الودائع ويقضي على القدرة الشرائية لليرة من خلال التضخم الذي سيؤدّي إليه رفع سعر دولار السحوبات.
من هذا المنطلق، الأجدى بالحكومة القيام بعملية لجم لدولار السوق السوداء والذي أظهرت التجارب السابقة أنه سوق يخدم أجندات سياسية ويخدم تجار الإحتكار والتهريب. وهذا الأمر إن حصل سيؤدّي حكمًا إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطن كما وقيمة الليرة اللبنانية مقابل العملة الخضراء ويُخفف من الضرر على المودعين بالدولار الأميركي مع تقلّص الفارق بين سعر دولار السحوبات وسعر دولار السوق السوداء.
إن الوقوع بفخ التضخمّ هو أمر خطير ويُنذر بفقدان كلّي للسيطرة على سعر صرف الليرة اللبنانية في وقت بدأ الفقر ينهش المجتمع اللبناني مع فقر يفوق الـ 70% من الشعب اللبناني. خفض هذه النسبة بحاجة إلى وقت طويل خصوصًا أن الفقر تغلغّل في مفاصل المجتمع ليضرب الطبقة الوسطى بشكل عنيف وهي التي تُشكل العامود الفقري لإقتصاد ولمالية الدولة من خلال الإستهلاك الذي كانت تقوم به ومن خلال الضرائب التي كانت تدفعها.
من هنا تأتي إجراءات الحكومة لتُشكّل عنصرا حيويا في عملية الخروج من هذه الأزمة المعيشية التي تُمعن مجموعة معينة من المجتمع اللبناني بزيادة حدتها من خلال الإحتكار الذي تقوم به والمضاربة على سعر صرف الدولار في السوق السوداء وغيرها من الأمور التي تُخالف القانون وتضرب بعرض الحائط هيبة الدولة بكل أبعادها.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار