15-07-2021
مقالات مختارة
لا يمكن حتّى الساعة الحديث عن استشعار حزب الله خطراً محدِقاً به من جرّاء الحراك الدولي تجاه لبنان. والأكيد أنّ الحزب يترصّد هذا الحراك ويعاين خطابه وأدواته الداخلية والخارجية بدقّة، لكنّ غالب الظنّ أنّه حتّى الساعة يرى فيه تحدّياً له وحسب.
شكل هذا التحرّك ومضمونه، ولا سيما بعد الاتفاق الفرنسي - الأميركي بشأن لبنان، لا يعطيان إشارات جديّة إلى نيّة غربية بالتصعيد المنهجي ضدّ الحزب، على غرار التصعيد الفرنسي - الأميركي ضدّ النظام السوري وحليفه "حزب الله" في عام 2004، الذي تكلّل بصدور القرار 1559 الذي دعا إلى انسحاب القوات السورية من لبنان وسحب سلاح الميليشيات، ومن ضمنها الحزب.
نحن أمام معادلات داخلية وخارجية مختلفة تماماً. فداخلياً ازداد نفوذ الحزب، وتصلّبت سيطرته على المجال اللبناني أكثر ممّا كانت عليه الحال في عام 2004. وإنّ أيّ محاولة غربية للتصعيد ضدّ الحزب يفترض أن تأخذ في الاعتبار إمساكه بمفاصل سياسية وأمنيّة رئيسة في لبنان، خلافاً لِما كان عليه الوضع منتصف العقد الماضي.
لا يمكن إسقاط فرضيّة محاولة الغربيين الاستفادة من اشتداد الأزمة في لبنان لتصعيد وتيرة حركتهم تجاهه في خضمّ الصراع الدولي والإقليمي حوله فلا يمكن استبعاد سعي هؤلاء إلى تسخين الوضع اللبناني
وإذا تجاوزنا هذه المعطيات الداخلية، فقد اختلف أيضاً السياق الدولي والإقليمي العامّ جذرياً عمّا كان عليه في عام 2004. وقتذاك كانت أميركا في طور توسيع وجودها العسكري والسياسي في المنطقة بعد غزو العراق. أمّا الآن فإنّها تواصل تقليص وجودها في المنطقة، وها هي تستعدّ لمغادرة أفغانستان نهائياً قبل نهاية آب المقبل، كما صرّح الرئيس جو بايدن.
صحيح أنّ هذا الحراك الدولي لا يزال في طور التلويح بالتدخّل، وليست له ترجمات عمليّة بعد، أو لم تبلغ هذه الترجمات حدوداً تحفِّز الحزب على الاستنفار ضدّها، لكن دخل هذا الحراك في الوقت نفسه مرحلة جديدة من حيث تسريع وتيرته وانضمام طرف عربيّ مهمّ إليه، هو المملكة العربية السعودية. وانتقل الضغط الأوروبي ضدّ المسؤولين اللبنانيين من مستوى فرنسي إلى مستوى الاتحاد الأوروبي عقب "الإجماع السياسي داخل الاتحاد على إطار قانوني من أجل فرض عقوبات على سياسيين لبنانيين قبل نهاية تموز". ولا يمكن فهم هذا التطوّر الأوروبي تجاه الأزمة اللبنانية بمعزل عن التحوّل في الموقف المشترك الفرنسي الأميركي بشأن لبنان في ظلّ الإدارة الأميركية الجديدة.
إلى ذلك، يستحيل عزل دخول إسرائيل على خطّ الأزمة اللبنانية عن تطوّر الموقف الأميركي منها. وهو دخول في توقيته ومضمونه يجعل احتمال تطوّر هذه الأزمة إلى حرب بين إسرائيل و"حزب الله" احتمالاً قائماً. لكنّه احتمال محكومٌ بحسابات دقيقة من جانب كلا الطرفين.
في هذا السياق، يمكن تفسير التحوّل في الحركة الدولية تجاه لبنان بأنّه، ببساطة، محاولة استباقية للانهيار الشامل فيه، مع الخشية الدولية، ولا سيّما الأوروبية، من التبعات الأمنيّة لهذا الانهيار التي قد تصيب العمق الأوروبي.
بيد أنّه لا يمكن إسقاط فرضيّة محاولة الغربيين الاستفادة من اشتداد الأزمة في لبنان لتصعيد وتيرة حركتهم تجاهه في خضمّ الصراع الدولي والإقليمي حوله. فلا يمكن استبعاد سعي هؤلاء إلى تسخين الوضع اللبناني. لكنّ هذه الفرضيّة يجب أن تأخذ في الاعتبار أنّ الصراع حول لبنان هو صراعٌ مفتوحٌ على أفق تفاوضي في سياق التفاوض الأميركي – الإيراني. لهذا هو صراعٌ مضبوطٌ لأنّ طرفيْه الأساسيّين طهران وواشنطن يحسبان خطواتهما بدقّة لكي لا يطيحا بالمسار التفاوضي، أو لكي لا يضعف كلّ منهما شروطه فيه.
هذا يحيلنا إلى حدود التدخّل الدولي في لبنان وطبيعته وحدود ردود "حزب الله" عليه وطبيعتها، ودائماً تحت سقف المفاوضات الإيرانية - الأميركية.
فلم تشهد المفاوضات بين واشنطن وإيران في فيينا منعطفاً دراماتيكياً بعد، وإن كانت قد شهدت تعثّرات في أعقاب جولتها السادسة. فحتّى الآن لا يزال احتمال الاتفاق الأميركي - الإيراني متقدّماً على احتمال الخلاف بينهما، إذ إنّ أيّاً منهما لم يُقدِم على خطوة من شأنها نسف مسار المفاوضات، وإن كان كلاهما يحاول تحسين شروطه إلى الحدّ الأقصى، من خلال تبادل القصف في أكثر من نقطة بين العراق وسوريا.
لا يزال احتمال الاتفاق الأميركي - الإيراني متقدّماً على احتمال الخلاف بينهما، إذ إنّ أيّاً منهما لم يُقدِم على خطوة من شأنها نسف مسار المفاوضات، وإن كان كلاهما يحاول تحسين شروطه إلى الحدّ الأقصى
وهذا أمر له ارتدادات أكيدة على الواقع اللبناني، حيث يضبط الحزب، كما الغربيين، حركته على إيقاع تلك المفاوضات تهدئةً أو تصعيداً. وحصول الاتفاق النووي لا يعني أنّ الطرفين سيدخلان فوراً في شهر عسل، إذ إنّ كلام الإدارة الأميركية عن أنّ الاتفاق النووي مع إيران يشكّل منصّة للتفاوض اللاحق معها حول برنامجها الصاروخي وتوسّعها الإقليمي، يترك وتيرة العلاقة الأميركية الإيرانية بعد الاتفاق مفتوحةً على احتمالات شتّى، تصعيداً وتهدئةً،
وهو ما سيتأثّر به لبنان حكماً لكون "حزب الله" حجر الرحى في التوسّع الإيراني، إضافةً إلى امتلاكه ترسانة من الصواريخ الدقيقة.
وهذا أمر يزيد من تعقيدات الأزمة اللبنانية التي تتجاوز الاستعصاء الحكومي الحالي. لكن لم نشهد حتّى الساعة تحوُّلاً سياسياً جذرياً في التعاطي الدولي مع الجزء المتعلّق بالحزب مباشرة في هذه الأزمة. إذ لا يزال هذا التعاطي يفصل بين مسارات ثلاثة.
- الأوّل: مسار الضغط على القيادات السياسيّة توصّلاً إلى فرض عقوبات أوروبية وأميركية عليها لدفعها إلى تشكيل حكومة.
- الثاني: مسار المساعدات الإغاثية للشعب اللبناني وللجيش والقوى الأمنيّة. وقد صدر كلام أميركي يربط بين هذين المسارين.
- والثالث: مسار الضغط على "حزب الله"، الذي لم تتّضح معالمه بعد، وغالب الظنّ أنّه سيبقى مضبوطاً تحت سقوف محدّدة ولن يبلغ مستويات العام 2004.
لكنّه مسارٌ مهمٌّ، ولا بدّ من متابعة تفاصيله، سواء على مستوى الحكومة أو على مستوى الانتخابات النيابية المقبلة، التي بدأ الاتحاد الأوروبي يرسل وفوداً استطلاعية استعداداً لمراقبتها.
فالحزب يعلم بوجود إمكانات وموارد لـ"مجموعات تغييرية" تستقطب الناشطين وتعرض عليهم رواتب بالدولار الأميركي أسوة بما يفعله الحزب مع ناشطيه. ويعلمُ أيضاً أنّ أيّ مساعدات إنسانية للبنان يمكن أن تُستخدم إعلامياً وميدانياً في إطار دعم المجموعات المعارضة، التي غالبيّتها لا تركّز على مسألة سلاح الحزب، ولكنّها قد تشكّل منافساً انتخابياً جدّيّاً لحلفائه، وخصوصاً "التيار الوطني الحرّ".
لكن يبدو حتّى الساعة أنّ "حزب الله" متريّثٌ ولم يستشعر بعد خطراً حقيقياً ضدّه...
فهل يتحرّك؟ ومتى؟ وكيف؟
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
هوكشتاين إلى لبنان: مرحلة الحسم اقتربت على وقع المسيّرات