12-06-2021
تقارير
جورج العليه
<p>اعلامي ومحلل سياسي لبناني</p>
في حسابات الرِّبح والخسارة يُعتبر الرَّئيس الحريري بعد ثورة 17 تشرين من أبرز الخاسرين سياسيًّا وشعبيًّا.
فالثَّورة اشتعلت على وقع مسارٍ تصاعديّ شرارته الفساد المُستشري والعمل الحكومي التَّحاصصيّ وسلسلة القرارات الحكوميَّة الخاطئة والمُرتجلة التي توِّجت بضريبة الـ 6 دولار على الواتساب القشَّة التي قصمت ظهر البعير. وبعد أسبوعين من انطلاق الانتفاضة الشَّعبيَّة أخرج الحريري نفسه من دائرة الاستهداف مُعلِنًا استقالة حكومته نزولًا عند رغبة المنتفضين وصرخات ومطالبات المحتجين في السَّاحات وعلى الطُّرقات.
أيقن عندها الرَّئيس الحريري أنَّ وضعه الشّعبي بات في الحضيض خاصةً وأنَّ أضخم الاحتجاجات انبعثت من داخل معاقل تيَّاره في طرابلس عروس الثّورة وصيدا الفقيرة المُعدَمة والبقاع الغربيّ المحروم، واقتنع بما لا يرقى له الشَّك أنَّه بدأ حصاد نتائج سياساته الخاطئه وتسوياته المذلَّة وتراجعه المتكرر عند كل مفصل ومعركة واشتباك من الـ 2007 حتى الـ 2015 موعد التَّسوية الكبرى التي أوصلت خصمه السِّياسيّ الأوَّل ومرشح حزب الله الى الرئاسة.
ومع الاستقالة حاول الحريري إعادة تعويم نفسه بشروطه ولكنه عبثًا فعل ففضَّل الابتعاد عن المشهد ولو لحين ومواجهة حكومة اللّون الواحد برئاسة حسان دياب. ولكنّ الأخطاء المتتالية لحكومة دياب اقتصاديًا وماليًا وفشلها في وقف انهيار سعر العملة وعدم قدرتها على مواجهة الأزمات المعيشيَّة المتراكمة وعزلتها الدوليَّة جاءت لمصلحة الحريري فأنعشت آماله بالعودة ولو على أنقاض تلك السياسات. وما رفع من أسهمه كانت المبادرة الإنقاذيَّة التي أطلقها الرّئيس الفرنسي غداة انفجار العصر الذي دمّر بيروت الحجر والبشر فبدأ الحريري ترجمة أحلام العودة إلى السَّراي بموافقته العلنيَّة لتلك المبادرة داعمًا المُكلَّف مصطفى أديب لتوليه رئاسة الحكومة وتشكيلها فيما عمل سرًا على إجهاض مهمتِّه ليعود و يطرح نفسه المرشّح الطَّبيعي الوحيد لرئاسة الحكومة متمسكًا ببنود تلك المبادرة وأبرزها حكومة الاختصاصيين مُتسلِّحًا بغطاء الثُّنائي الشّيعي مُقدَّمًا له سلفًا ورقة التَّنازل الأولى باعطائه الحق في وزارة الماليَّة .
ثمانية أشهرٍ على رحلة الحريري المُكلَّف مع التَّأليف لم تكن سهلة إذ شهدت تحوّلات إقليميَّة جمَّة منها عودة التّفاوض على الملفّ النّووي الإيراني والتَّقارب السّوريّ السّعوديّ والمفاوضات الإيرانيَّة السَّعوديَّة. ولعلَّ العامل الأبرز كان ابتعاد السّعوديّة عن المشهد اللبنانيّ ما أوحى بسحب الثِّقة والغطاء عن الحريري .
محليًّا صراعه الشَّخصيّ المميت مع جبران باسيل أرخى بظلاله على عمليَّة التَّشكيل. فالرّئيس عون دعا النُّواب قبل الاستشارات النّيابيَّة المُلزِمَة وفي سابقةٍ تاريخيَّة إلى عدم تسميته وتعامل مُرغما مع تكليفه ومنذ تلك اللَّحظة يخوض الحريري وباسيل صراعًا كبيرًا ومعارك إلغاءٍ مُتبادلة تحت عناوين رنَّانة تبدأ بالصّلاحيَات الدّستوريَّة ولا تنتهي عند المحاصصات الوزاريَّة.
في ظلّ هذا المشهد وعلى وقع تسارع الانهيارات حياتيًّا ومعيشيًّا وعلى بُعد أشهر من الانتخابات النيابيَّة وحساباتها الدّقيقة تعثّرت رحلة العودة إلى السّراي. العودة التي كان يأمل الحريري من خلالها تعويم موقعه مجددًا أصبحت اليوم عبئا عليه فوقف أمام خيارات قليلة ومحدودة أحلاها مرّ.
أولًا: السّير بتأليف الحكومة تحت شعار التَّضحية الشّخصية ومصلحة البلد وبشروط باسيل بعد رضوخه لشروط حزب الله سابقًا سيخسره مرَّة جديدة ثقة مؤيّديه الذين تضاعفوا بعد مواقفه الأخيرة.
ثانيًا: التّمسك بالتَّكليف دون إعتذار وعدم الرّضوخ لشروط باسيل ما يجرّ البلد الى مزيد من التّدهور والانهيار فيتحمّل والآخرون مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع من مآسٍ.
ثالثًا: الاعتذار عن التّكليف في خطوة قد تربحه شعبيًّا على أبواب الانتخابات لكنَّها بالطّبع ستُبعد عنه رئاسة الحكومة لفترة هو الذي يسعى من خلال إستعادتها إلى إعادة إظهار قوَّته وموقعه وتسويق نفسه محليًّا ودوليًّا.
أخيرًا قدر الرّئيس الحريري ومنذ توّليه قيادة تيَّار المستقبل وعند كلّ مفترق كان التّراجع والتّضحية والتّسويات التي غالبًا ما انعكست سلبًا عليه وعلى شعبيّته المُترهلة إلّا أنّه اليوم تجرّأ وكسرهذه القاعدة راسمًا نهايةً لهذا المسلسل الطّويل متخذًا القرار الأصعب مرجِّحًا كفّة الاعتذار. وبذلك يكون قد أضاع حلم العودة إلى السَّراي بانتظار الانتخابات النّيابية المقبلة .
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار