27-05-2021
محليات
إذا استندنا إلى "أسلوب عمل" الطبقة السياسية اللبنانية، فإنّ هذه السنة ستكون أصعب السنوات في مسيرة قائد الجيش العماد جوزف عون، بعدما تبيّن أنّ المجتمع الدولي يتعامل معه على أساس أنّه "آخر الرجال المحترمين" في لبنان.
ولا تنظر الطبقة السياسية اللبنانية الى هذه "السنة السياسية" على أنّها سنة الكوارث المالية والإنهيارات الاقتصادية والمآسي الاجتماعية، بل على أساس أنّها سنة "غربلة" المرشحين الجديين لخلافة الرئيس ميشال عون الذي يفترض به أن يُخلي القصر الجمهوري، في الحادي والثلاثين من تشرين الأوّل 2022.
إنّ العماد جوزف عون يبدأ هذه "السنة السياسية" من موقع المتفوّق على جميع "المؤهلين" لشغل موقع رئاسة الجمهورية.
من دون أي جهد منه احترق "منافسوه": التمديد للرئيس ميشال عون، وإن كان ممكناً بحسابات الأكثرية والأقلية في المجلس النيابي الحالي، إلّا أنّه محظور محلياً ودولياً. انتخاب جبران باسيل خليفة له بات يحتاج الى معجزة على مقاس "إقامة الموتى". تمكين رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع من الوصول الى القصر الجمهوري بات رهينة معادلة سياسية أكثر تعقيداً من تلك التي حالت دون انتخابه خلفاً للرئيس ميشال سليمان. حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إنهارت حظوظه مع انهيار العملة الوطنية والنظام المصرفي.
ولا يبقى في الميدان سوى الوزير السابق سليمان فرنجية الذي يعتبره كثيرون أنّه أقرب مرشّح إلى قلوب غالبية الطبقة السياسية، ولكن حيث هي قوته تبرز مشكلته، إذ إنّ الداخل اللبناني والمهتمين بالشأن اللبناني في منظومة الأمم، لم يعودوا يقيمون أيّ اعتبار لهذه الطبقة السياسية، بعدما اختبروا ما أنتجته خياراتها من ويلات.
وليس سرّاً أنّ سليمان فرنجية، وقبل حلول هذه "السنة السياسية" ينظر، بجدية كبرى، إلى إمكان أن يطيح العماد جوزف عون بحظوظه، كما سبق أن أطاح بها انتخاب ميشال عون وقبله التمديد القسري للرئيس السابق أميل لحود.
إنّ الزيارة الرسمية التي قام بها العماد جوزف عون لفرنسا، خلال الأيام الأخيرة الماضية، ضاعفت من قوّة وضعية قائد الجيش، فهو، في زمن العقوبات والإجراءات الزجرية التي تطال معلومين ومجهولين في الطبقة السياسية، على خلفيات الإرهاب والفساد وعرقلة العملية السياسية، يصبح أوّل لبناني يدخل الى قصر الإليزيه، بصفته قائداً للجيش، ويقيم علاقات تعاون إيجابية مع الولايات المتحدة الأميركية، ويستقطب لمؤسسته التي تعاني الأمرّين، بسبب الكارثة المالية-الاقتصادية، معونات من كل حدب وصوب.
وفي حمأة الإشمئزاز الدولي من الطبقة السياسية، بقيت المؤسسة العسكرية بقيادة جوزف عون موضع احترام وتقدير في العالم، بحيث يتم التعاطي معها على أنّها السند الوحيد لإبقاء شعلة الأمل بإمكان إنقاذ لبنان يوماً من الجحيم الذي جرى رميه فيه.
إنّ استقبال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لقائد الجيش اللبناني، في ظل هذه المعطيات، ليس تفصيلاً عادياً، فهو، في مؤتمره الصحافي الشهير بما تضمّنه من تشهير بالطبقة السياسية اللبنانية، وجّه تحية الى الجيش اللبناني وقيادته.
وفي هذا الإطار اللبناني لا يتحرّك ماكرون بمفرده، بل بصفته ركناً أساسياً في منظومة "أصدقاء لبنان" التي لا تضم الدول المانحة فحسب، بل المجموعة الدولية لدعم لبنان التي ينبثق منها "مؤتمر روما" الخاص بدعم الجيش اللبناني، أيضاً.
وكان مؤتمر روما قد عقد أوّل اجتماعاته في العام 2014 وثانيها في العام 2018.
وطالب جوزف عون فرنسا بأن تعمل على عقد اجتماع ثالث لهذا المؤتمر، قريباً جداً، من أجل تزخيم المساعدات الملحّة التي يحتاج إليها الجيش، في ظل انعكاس كبير للكارثة المالية-الاقتصادية على المؤسسة العسكرية التي قد تصل الى مرحلة تعجز فيها عن القيام بالمهام المطلوبة منها، وهي مهام سوف تتنامى مع تنامي الإنهيار.
وفرنسا، في موضوع دعم الجيش اللبناني، هي جناح يخفق بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية التي رفعت مؤخراً رقم مساعداتها للجيش اللبناني، وحثّت "الدول الصديقة" على توفير دعم "غذائي" طارئ له.
على أيّ حال، إنّ ايمانويل ماكرون لم يستقبل العماد جوزف عون "تهذيباً"، بل لتحميله رسالة "أقوى من الكلمات" الى الطبقة السياسية اللبنانية التي "خانت" تعهّداتها التي قطعتها في إطار المبادرة الفرنسية.
وهذه الرسالة ليست بسيطة، ففرنسا وشركاؤها باتوا يراهنون على عاملين في لبنان: الجيش اللبناني والمجتمع المدني.
في ظاهر الحال، هذان العاملان هما في وضعية "تنافر"، ولكن ماذا لو أنّ "التجربة السودانية" التي لمست فرنسا مع شركائها نتائجها الإيجابية، في المؤتمر الأخير الذي انعقد في باريس، شجّعتها على "لبننتها" فسعت الى توفير الظروف، لمد الجسور بين "عسكر لبنان" و"ثوّار لبنان"؟
في زيارته الى باريس التي شارفت على نهايتها، تيقّن زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أنّ فرنسا لم تعد مهتمة بالطبقة السياسية اللبنانية، بل باتت تحصر اهتمامها بمؤسسات المجتمع المدني عموما والمؤسسات الفراكوفونية خصوصاً.
في استقباله لقائد الجيش العماد جوزف عون، أضاف ايمانويل ماكرون بنداً جديداً الى قائمة اهتماماته: المؤسسة العسكرية.
إنّ المجتمع الدولي سيبقي يده ممدودة الى الجيش اللبناني، ولكن على العماد جوزف عون أن يستعد لحملة عنيفة تستهدفه، على اعتبار أنّه ينتمي الى بلد لا يجيد الفصل بين الوظيفة والطموح.
كثر سوف يقولون إن قائد الجيش لا يطمح إلى تولّي رئاسة الجمهورية، ولكنّ من يستحيل أن يصدّقوهم أكثر.
ولبنان بلد يتفرّغ فيه سياسيوه لحملاتهم الدعائية، على اعتبار أنّها أكثر فائدة لهم من السعي الى تحقيق أيّ إنجاز.
والحملات الدعائية بنظرهم تُلهي "الشعب عن جوعه".
على أيّ حال، إنّ العماد جوزف عون نجح، على الرغم من الإنتقادات الداخلية الموضوعية لأداء الجيش اللبناني، في أن يحيّد المؤسسة العسكرية الوقوع في بؤرة الأفاعي التي أوقعت فيها الطبقة السياسية سائر المؤسسات اللبنانية.
وهذا إنجاز يُحسَب له، وهو بدأ في تلك اللحظة التي قرّر فيها إبعاد المؤسسة العسكرية، ما أمكن، عن "دلع" جبران باسيل ومن هم على "شاكلته".
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار