17-05-2021
مقالات مختارة
ملاك عقيل
ملاك عقيل
لم يَحجب "النفي الرئاسي" الرسمي الأحاديث المتزايدة عن ضغط القصر الجمهوري على أعضاء في مجلس شورى الدولة لإصدار قرار بوقف تنفيذ قرار مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات المرتبط بإعادة توزيع الأعمال في النيابة العامّة الاستئنافية في بعبدا، والذي اعتُبر "كفّاً ليد" مدّعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون عن الجرائم المالية.
يُفترض، اليوم أو غداً، أن يصدر قرار هيئة القضايا في مجلس شورى الدولة بعد مضيّ ثلاثة أسابيع على تقدّم عون، بواسطة وكيلها المحامي بشير عون، بمراجعة أمام المجلس "بوجه الدولة اللبنانية – وزارة العدل لإبطال القرار الإداري الصادر عن القاضي عويدات لتجاوزه حدّ السلطة باغتصاب صلاحيات قانونية عائدة للقاضية عون، ولا تعود له أصلاً، مع طلب وقف تنفيذ القرار المذكور"، وفق نصّ المراجعة.
تنفي مصادر رئاسة الجمهورية لـ"أساس" "حصول ضغوط من جانب رئيس الجمهورية أو فريقه المساعد على مجلس شورى الدولة"، مؤكّدة أنّ "الرئيس لا يتدخّل في عمل القضاء، والقرار يعود إلى مجلس الشورى وحده
وكان أداء القاضية عون في ملفّ الجرائم المالية والدولار المدعوم والسوق السوداء والتحويلات المالية إلى الخارج، ومداهمتها لشركة مكتّف، قد دفعا القاضي عويدات إلى إصدار قرارٍ في 15 نيسان قضى بتعديل توزيع الأعمال لدى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان عبر حصرها بثلاثة محامين عامّين، هم القضاة سامر ليشع (الجرائم المالية)، سامي صادر (جرائم الاتّجار بالمخدِّرات وترويجها)، وطانيوس السغبيني (جرائم القتل).
وتنفي مصادر رئاسة الجمهورية لـ"أساس" "حصول ضغوط من جانب رئيس الجمهورية أو فريقه المساعد على مجلس شورى الدولة"، مؤكّدة أنّ "الرئيس لا يتدخّل في عمل القضاء، والقرار يعود إلى مجلس الشورى وحده".
عمليّاً، يتعامل العونيّون وبعض الرأي العام مع غادة عون كـ"حالة ثورية" داخل الجسم القضائي، حيث اضطرّت، حسب رأي هذا الفريق، إلى كَسر الأعراف وتجاوز القانون أو "السائد" في الممارسات القضائية.
ووفق قريبين من القاضية عون، فإنّها "لن تتراجع عن مهمّتها، وإعلانها الصريح لانضمامها إلى نادي القضاة هو رفعٌ لسقف التحدّي من أجل تحقيق العدالة وليس في سبيل بطولات شخصية".
في المقابل، تكشف أوساط مطّلعة لـ"أساس" عن حصول "ضغوط بإدارة سليم جريصاتي على بعض أعضاء مجلس الشورى منذ بداية الأسبوع الفائت، وتجلّت في الضغط على القاضية فاطمة الصايغ المتزوّجة بشخص من آل عويدات. إذ طُلب منها التنحّي عن إعطاء رأيها في القضية بسبب صلة القربى. ومورس ضغط آخر على القاضي سميح مداح، الذي تربطه صلة قربى بالوزير السابق صالح الغريب المحسوب على النائب طلال إرسلان. وقال رئيس الجمهورية صراحةً أمام بعض زوّاره: "انتظروا قرار مجلس شورى الدولة في اليومين المقبلين". قاصداً الإعلان عن كسر قرار عويدات بإعادة توزيع المهمّات)".
ويعتبر رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس مقرّباً من رئيس الجمهورية، وقد كان رأيُه خلال المداولات وقفَ تنفيذ القرار الصادر عن القاضي عويدات.
تتألّف هيئة القضايا في مجلس شورى الدولة من سبعة أعضاء، هم رؤساء غرف في المجلس يعيّنهم مجلس الوزراء، هم: فادي إلياس رئيساً (ماروني)، يوسف نصر (ماروني)، ميراي عفيف عماطوري (مارونية)، نزار الأمين (شيعي)، طلال بيضون (سنّي)، فاطمة الصايغ (سنّية)، سميح مداح (درزي). وليس من نصٍّ أو عرفٍ يتعلّق بالانتماء للطائفي لأعضاء هيئة القضايا، لكنّ عدد أعضاء مجلس الشورى قليلٌ (نحو 60 قاضياً، قلّة منهم هم من الأرثوذكس والكاثوليك).
وتُتَّخذ القرارات بأكثرية النصف زائداً واحداً. حتّى الآن تبدو أصوات القضاة الثلاثة فادي إلياس وميراي عماطوري وسميح مداح مضمونة. فيما الضغط الأكبر يتركّز على القاضية فاطمة الصايغ، الرئيسة السابقة لمجلس الخدمة المدنية، التي استطاعت تجاوز الضغوط الطائفية السياسية في أكثر من امتحان، والتي رفضت تسمية الرئيس سعد الحريري لها وزيرةً للداخلية في حكومته الأخيرة، لذلك فهي قادرة على تجاوز الضغوط لدفعها إلى التنحّي، بهدف تعيين قاضٍ آخر مكانها. وتبدو قدرة التأثير على القاضي الشيعي غير مجدية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى القاضي بيضون. فضلاً عن القاضي يوسف نصر، المستقلّ، وفي ذاكرته أنّه لم يُعيّن رئيساً لملجس الشورى رغم استقامته، لأسباب سياسية، وسيصوّت ضدّ قرار وقف التنفيذ.
وفق قريبين من القاضية عون، فإنّها "لن تتراجع عن مهمّتها، وإعلانها الصريح لانضمامها إلى نادي القضاة هو رفعٌ لسقف التحدّي من أجل تحقيق العدالة وليس في سبيل بطولات شخصية
وتفيد معلومات بأنّ القاضية عماطوري هي بالأساس مقرّبة من العهد، لكن توتّرت العلاقة قليلاً بين الطرفين مع تعيين فادي إلياس رئيساً لمجلس الشورى بعدما وُعِدت سابقاً بهذا المركز. و"الوعد" تجدّد قبل أيام بتعيينها على رأس "الشورى" وتعيين إلياس رئيساً لمجلس القضاء الأعلى.
لكنّ قرار مجلس الشورى المُرتقب يحمل بعداً قانونيّاً. تقول مصادر قضائية بارزة في هذا السياق إنّ "مقدّمي المراجعة يعلمون أصلاً أنّهم سيخسرون إذا تكلّمنا بلغة القانون، بغضّ النظر عن الضغوطات. فالقرار الصادر عن القاضي عويدات هو قرار إداري قضائي غير قابل للطعن، وفق نصّ المادة 627 من قانون أصول المحاكمات المدنية، الذي يقول إنّ القرارات الإدارية القضائية لا تقبل أيّ طريق من طرق المراجعة. أمّا القرارات الإدارية القابلة للإبطال من قبل مجلس الشورى فهي تلك الصادرة عن السلطة الإدارية، أي الوزارات والمديريات العامّة أو المؤسسات العامّة...".
وتضيف المصادر أنّ "هذه المراجعة هي سابقة، إذ إنّها المرّة الأولى التي يتقدّم قاضٍ بمراجعة قرارٍ صادر عن مرجعية قضائية. وهي سابقة من حيث تدخّل القضاء الإداري في القضاء العدلي"، معتبرة أنّ "الدخول في هذه المتاهة يسمح لأيّ قاضٍ متضرّر، مثلاً، من تشكيلات قضائية نقلته إلى مركز لا يعجبه، بأن يتقدّم بطعن أمام القضاء الإداري، أي مجلس شورى". وفي حال لم يصدر قرار بوقف تنفيذ قرار عويدات، ستُرَدّ حكماً مراجعة القاضية عون.
يُذكر أنّ قرار عويدات بتوزيع المهمّات في النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان أتى بعد طلب مجلس القضاء الأعلى منه ومن رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد "اتّخاذ الإجراءات بحقّ القاضية عون، وضمن اختصاص كلٍّ منهما"، في إثر مداهمة عون لمكاتب مكتّف في عوكر.
من يرحل أوّلاً: غادة عون أم مجلس القضاء الأعلى؟
وبعد طلب الاستماع إليها مَثَلَت القاضية عون أمام مجلس القضاء الأعلى على خلفيّة أدائها، ومخالفتها تعاميم صادرة عن مدّعي عام التمييز، وعدم مثولها أمام التفتيش القضائي، وشكاوى متعدّدة مقدّمة ضدّها ضمن نطاق عملها القضائي.
وقد سُحِب منها ملفّ التحويلات المالية إلى الخارج والتلاعب الدولار، لكن حتى الآن لا تزال عون مُمسكة بهذا الملف، وتنفّذ مداهمات، وقد تمنّعت عن تسليمه إلى "زميلها" سامر ليشع، الذي وضع يده على ملفّات مالية أخرى. وقد لوحظت مواكبة أمن الدولة لعون في مداهمتها الأولى لشركة مكتّف، لكن ما لبث الجهاز أن التزم قرار عويدات، الذي سحب هذه الصلاحية من يد عون.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
كيف تعامل عويدات مع تقرير التدقيق الجنائي؟
أبرز الأخبار