10-05-2021
مقالات مختارة
حسن عليق
حسن عليق
عام 2017، أبرمت وزارة الدفاع صفقة مع شركة صربية لتزويد الجيش اللبناني بألفَي صاروخ غراد بمدى 20 كيلومتراً. طوال مراحل تنفيذ الصفقة، جرت مخالفتها من قبل البائع، من دون اعتراض قيادة الجيش. وعندما وصلت الصواريخ إلى لبنان، تبيّن أنها فاسدة، فضلاً عن مخالفتها لشروط العقود. حاولت قيادة الجيش ترتيب الأمر عبر تعديل الاتفاقية للحصول من الشركة نفسها على صواريخ بمواصفات مختلفة، لكن رأي ديوان المحاسبة جعل الأمر لا يسير وفق ما يشتهيه قائد الجيش. ببساطة، رأى الديوان أن الصفقة قائمة على الغش والخداع، ما يعني عدم جواز إبرام اتفاقية جديدة مع الشركة التي تعمّدت أن تمارس الغش في جميع مراحل تنفيذ الاتفاقية الأساسية
صفقة الصواريخ بين الجيش اللبناني وشركة «يوغوإيمبورت» الصربية، مبنية على «الخطأ والغش والخداع». وبذلك، يكون العقد الموقّع معها «كأنه لم يكن، لبطلانه بطلاناً مطلقاً»، ما يوجِب «إعادة الحال إلى ما كانت عليه واستعادة المبالغ المدفوعة وإلزام الشركة باسترداد الصواريخ المعيوبة، إضافة إلى تطبيق أحكام المسؤولية العقدية». هذا ما خلص إليه الرأي الذي قدّمه ديوان المحاسبة إلى وزارة الدفاع، بشأن اقتراح تعديل اتفاقية موقّعة بين الدولة اللبنانية والشركة الصربية عام 2017. هذا العقد الذي جرى تنفيذه عام 2019، يقضي بشراء 2000 صاروخ غراد (بمدى 20 كيلومتراً)، بقيمة إجمالية تصل إلى 3 ملايين و300 ألف دولار أميركي. وسبق أن كشفت «الأخبار»، في عددها الصادر يوم 30 كانون الأول 2019 أن الشركة الصربية تعمّدت الغش والاحتيال في تنفيذ العقد. وأتى تقرير ديوان المحاسبة، يوم 2 شباط 2021، ليؤكد ما سبق، مستنداً إلى تقارير وضعها الجيش نفسه. فأحد التقارير أعدّه الملازم أول ع . ج.، والمعاون أول ج. ف.، (وهما من عديد فوج المدفعية في الجيش البناني)، ووثّقا فيه أن «أجسام بعض الصواريخ مبعوجة ومشوّهة»، وأن «الصواريخ قديمة الصنع، وهي بحالة غير جيدة، ونوعية الدهان المستعملة لطلاء الصواريخ «غير جيدة وقد تتعرض للاحتراق عند تلقيمها داخل السبطانات المرتفعة الحرارة». وتحدّث التقرير عن اعتقاد مُعدّيه بأن «البعج والتشويه الموجودَين على جسم بعض الصواريخ ناتج عن استخدام آلة جلخ». كذلك، فإن مصدر الصواريخ غير معروف، «نظراً إلأى وجود رموز ومصطلحات بالأحرف الروسية وأخرى باللاتينية».
الصواريخ مجهولة المصدر بسبب وجود كتابات بالروسية واللاتينية عليها
وفي تقرير آخر نظّمه العقيد ج. ج.، تبيّن أن «الصاروخ قديم الصنع، ومطليّ أكثر من مرة، وعليه آثار حفّ وطعوج وخدوش ناتجة عن عملية نقله لأكثر من مرة». وما تقاطعت عنده تقارير داخلية كثيرة في الجيش، هو أن الصواريخ من صنع العام 1982، وبعضها يعود إلى سبعينيات القرن الماضي!
الحالة المزرية للصواريخ ليست المخالفة الوحيدة للعقد الذي كان ينص على وجوب أن تكون الصواريخ من صنع روسيّ، ومن إنتاج العام 2017 وما بعده، وعلى أن تؤمّن الشركة الصربية تأشيرات دخول لضباط لبنانيين إلى روسيا، من أجل فحص الصواريخ وتجربتها على الأراضي الروسية.
لكن، خلافاً للعقد، جرى فحص الصواريخ وتجربتها في صربيا، ثم نُقِلت إلى لبنان، حيث اكتشَف ضباط الجيش ورتباؤه وجود الغش. ومنذ العام 2019، دخلت قيادة الجيش في مفاوضات مع الشركة الصربية لحل الأزمة الناجمة عن الغش الذي تعرّض له لبنان. وقد عرضت «يوغوإيمبورت» تبديل 2000 صاروخ فاسد، بـ771 صاروخ من إنتاج صربي، بمدى 40 كيلومتراً. عندما أثارت «الأخبار» المسألة في اليوم ما قبل الأخير من عام 2019، وسألت عن سبب شراء صواريخ بمدى 20 كلم لا 40 كلم، ردّ مكتب قائد الجيش عبر تقرير تلفزيوني (LBCI) بأن المؤسسة العسكرية لا تملك منصات إطلاق لصواريخ بمدى 40 كلم، وبأن سعر الصاروخ ذي الـ40 كلم أكبر بكثير من سعر مثيله ذي العشرين كلم. لكن، بعد وقوع الواقعة، قال الجيش إنه قام بتعديل منصات الإطلاق لتصبح قابلة لإطلاق صواريخ بمدى 40 كلم. وحاولت قيادة الجيش «إغراء» وزارة الدفاع بأن كلفة الصفقة ستبقى على ما هي عليه، بما يضمن عدم «إهدار» أي جزء من المبلغ المرصود لها، وخاصة نسبة الـ30 في المئة (990 ألف دولار) التي قبضتها الشركة مسبّقاً.
ومنذ نيسان 2020، يسعى قائد الجيش إلى إتمام الصفقة الجديدة، مع الشركة نفسها التي تعمّدت غش المؤسسة العسكرية بصورة تعرّض الأمن الوطني للخطر. ورغم فداحة ما جرى، لم يتم إعلام القضاء لفتح تحقيق جنائي في عملية غش موصوفة.
بعض القذائف الصاروخية يعود إلى سبعينيات القرن الماضي!
وزيرة الدفاع زينة عكر لم توافق على تعديل تلقائي للاتفاقية يؤدي إلى استبدال الصواريخ الفاسدة بأخرى ذات مدى 40 كلم. فمن الناحية القانونية، ظهرت لها ثغرة دفعتها إلى مراسلة ديوان المحاسبة، المسؤول عن التدقيق في قانونية الإنفاق العام. كتاب عكر إلى الديوان صدر يوم 22/10/2020. وبعد أقل من شهرين، صدر الرأي الاستشاري عن الهيئة التي تضم كلاّ من: رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران، ورؤساء الغرف القضاة عبد الرضى ناصر وإنعام البستاني ونللي أبي يونس، إضافة إلى المستشار المقرر روزي بوهدير.
ورأى الديوان وجود قرينة غش في المعاملات التي أجرتها الشركة الصربية، إضافة إلى وجود «خطأ وغش وخداع في التنفيذ»، ما يعني ان «تعديل الاتفاقية وتسلم 771 صاروخاً بمدى 40 كلم (بدلاً من 2000 صاروخ بمدى 20 كلم وفقاً للاتفاقية الأساسية) غير ممكن وفقاً للنصوص» القانونية التي أوردها الديوان في قراره. كذلك رأت الهيئة القضائية أن إبطال العقد يحقق «حماية مصالح الجيش اللبناني والدفاع الوطني». والأهم أن ديوان المحاسبة رأى وجوب إحالة الملف على النيابات العامة والجهات القضائية المختصة لتسمية المسؤولين عن مآل الصفقة، «وتحديد المسؤوليات وإنزال أشد العقوبات القانونية بحقهم».
وقد أبلغ القرار إلى النيابة العامة في ديوان المحاسبة، كما إلى وزارة الدفاع، ويجب عليهما إبلاغ النيابة العامة التمييزية بالأمر، وهو ما ليس مبرَّراً تأخيره حتى اليوم، رغم مضيّ أكثر من عام ونصف عام على وقوع الجرم بحق الجيش والأمن الوطني.
وزيرة الدفاع قررت عدم ترك القضية بيد الجيش، فتولّت التفاوض مع الشركة الصربية بهدف استرجاع الأموال التي سبق أن تقاضتها الشركة كدفعة أولى من قيمة الاتفاقية. لكن، في رأي قانونيين، إن التوصل إلى اتفاق من هذا النوع، وإعادة الأموال إلى لبنان والصواريخ الفاسدة إلى صربيا على نفقة «يوغوإيمبورت»، وفي حال تحققه، لا يعفي أحداً من الملاحقة الجزائية أمام القضاء، بتهم عديدة، أبرزها المس بالأمن الوطني.
صفقة الصواريخ بين الجيش اللبناني وشركة «يوغوإيمبورت» الصربية، مبنية على «الخطأ والغش والخداع». وبذلك، يكون العقد الموقّع معها «كأنه لم يكن، لبطلانه بطلاناً مطلقاً»، ما يوجِب «إعادة الحال إلى ما كانت عليه واستعادة المبالغ المدفوعة وإلزام الشركة باسترداد الصواريخ المعيوبة، إضافة إلى تطبيق أحكام المسؤولية العقدية». هذا ما خلص إليه الرأي الذي قدّمه ديوان المحاسبة إلى وزارة الدفاع، بشأن اقتراح تعديل اتفاقية موقّعة بين الدولة اللبنانية والشركة الصربية عام 2017. هذا العقد الذي جرى تنفيذه عام 2019، يقضي بشراء 2000 صاروخ غراد (بمدى 20 كيلومتراً)، بقيمة إجمالية تصل إلى 3 ملايين و300 ألف دولار أميركي. وسبق أن كشفت «الأخبار»، في عددها الصادر يوم 30 كانون الأول 2019 أن الشركة الصربية تعمّدت الغش والاحتيال في تنفيذ العقد. وأتى تقرير ديوان المحاسبة، يوم 2 شباط 2021، ليؤكد ما سبق، مستنداً إلى تقارير وضعها الجيش نفسه. فأحد التقارير أعدّه الملازم أول ع . ج.، والمعاون أول ج. ف.، (وهما من عديد فوج المدفعية في الجيش البناني)، ووثّقا فيه أن «أجسام بعض الصواريخ مبعوجة ومشوّهة»، وأن «الصواريخ قديمة الصنع، وهي بحالة غير جيدة، ونوعية الدهان المستعملة لطلاء الصواريخ «غير جيدة وقد تتعرض للاحتراق عند تلقيمها داخل السبطانات المرتفعة الحرارة». وتحدّث التقرير عن اعتقاد مُعدّيه بأن «البعج والتشويه الموجودَين على جسم بعض الصواريخ ناتج عن استخدام آلة جلخ». كذلك، فإن مصدر الصواريخ غير معروف، «نظراً إلأى وجود رموز ومصطلحات بالأحرف الروسية وأخرى باللاتينية».
الصواريخ مجهولة المصدر بسبب وجود كتابات بالروسية واللاتينية عليها
وفي تقرير آخر نظّمه العقيد ج. ج.، تبيّن أن «الصاروخ قديم الصنع، ومطليّ أكثر من مرة، وعليه آثار حفّ وطعوج وخدوش ناتجة عن عملية نقله لأكثر من مرة». وما تقاطعت عنده تقارير داخلية كثيرة في الجيش، هو أن الصواريخ من صنع العام 1982، وبعضها يعود إلى سبعينيات القرن الماضي!
الحالة المزرية للصواريخ ليست المخالفة الوحيدة للعقد الذي كان ينص على وجوب أن تكون الصواريخ من صنع روسيّ، ومن إنتاج العام 2017 وما بعده، وعلى أن تؤمّن الشركة الصربية تأشيرات دخول لضباط لبنانيين إلى روسيا، من أجل فحص الصواريخ وتجربتها على الأراضي الروسية.
لكن، خلافاً للعقد، جرى فحص الصواريخ وتجربتها في صربيا، ثم نُقِلت إلى لبنان، حيث اكتشَف ضباط الجيش ورتباؤه وجود الغش. ومنذ العام 2019، دخلت قيادة الجيش في مفاوضات مع الشركة الصربية لحل الأزمة الناجمة عن الغش الذي تعرّض له لبنان. وقد عرضت «يوغوإيمبورت» تبديل 2000 صاروخ فاسد، بـ771 صاروخ من إنتاج صربي، بمدى 40 كيلومتراً. عندما أثارت «الأخبار» المسألة في اليوم ما قبل الأخير من عام 2019، وسألت عن سبب شراء صواريخ بمدى 20 كلم لا 40 كلم، ردّ مكتب قائد الجيش عبر تقرير تلفزيوني (LBCI) بأن المؤسسة العسكرية لا تملك منصات إطلاق لصواريخ بمدى 40 كلم، وبأن سعر الصاروخ ذي الـ40 كلم أكبر بكثير من سعر مثيله ذي العشرين كلم. لكن، بعد وقوع الواقعة، قال الجيش إنه قام بتعديل منصات الإطلاق لتصبح قابلة لإطلاق صواريخ بمدى 40 كلم. وحاولت قيادة الجيش «إغراء» وزارة الدفاع بأن كلفة الصفقة ستبقى على ما هي عليه، بما يضمن عدم «إهدار» أي جزء من المبلغ المرصود لها، وخاصة نسبة الـ30 في المئة (990 ألف دولار) التي قبضتها الشركة مسبّقاً.
ومنذ نيسان 2020، يسعى قائد الجيش إلى إتمام الصفقة الجديدة، مع الشركة نفسها التي تعمّدت غش المؤسسة العسكرية بصورة تعرّض الأمن الوطني للخطر. ورغم فداحة ما جرى، لم يتم إعلام القضاء لفتح تحقيق جنائي في عملية غش موصوفة.
بعض القذائف الصاروخية يعود إلى سبعينيات القرن الماضي!
وزيرة الدفاع زينة عكر لم توافق على تعديل تلقائي للاتفاقية يؤدي إلى استبدال الصواريخ الفاسدة بأخرى ذات مدى 40 كلم. فمن الناحية القانونية، ظهرت لها ثغرة دفعتها إلى مراسلة ديوان المحاسبة، المسؤول عن التدقيق في قانونية الإنفاق العام. كتاب عكر إلى الديوان صدر يوم 22/10/2020. وبعد أقل من شهرين، صدر الرأي الاستشاري عن الهيئة التي تضم كلاّ من: رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران، ورؤساء الغرف القضاة عبد الرضى ناصر وإنعام البستاني ونللي أبي يونس، إضافة إلى المستشار المقرر روزي بوهدير.
ورأى الديوان وجود قرينة غش في المعاملات التي أجرتها الشركة الصربية، إضافة إلى وجود «خطأ وغش وخداع في التنفيذ»، ما يعني ان «تعديل الاتفاقية وتسلم 771 صاروخاً بمدى 40 كلم (بدلاً من 2000 صاروخ بمدى 20 كلم وفقاً للاتفاقية الأساسية) غير ممكن وفقاً للنصوص» القانونية التي أوردها الديوان في قراره. كذلك رأت الهيئة القضائية أن إبطال العقد يحقق «حماية مصالح الجيش اللبناني والدفاع الوطني». والأهم أن ديوان المحاسبة رأى وجوب إحالة الملف على النيابات العامة والجهات القضائية المختصة لتسمية المسؤولين عن مآل الصفقة، «وتحديد المسؤوليات وإنزال أشد العقوبات القانونية بحقهم».
وقد أبلغ القرار إلى النيابة العامة في ديوان المحاسبة، كما إلى وزارة الدفاع، ويجب عليهما إبلاغ النيابة العامة التمييزية بالأمر، وهو ما ليس مبرَّراً تأخيره حتى اليوم، رغم مضيّ أكثر من عام ونصف عام على وقوع الجرم بحق الجيش والأمن الوطني.
وزيرة الدفاع قررت عدم ترك القضية بيد الجيش، فتولّت التفاوض مع الشركة الصربية بهدف استرجاع الأموال التي سبق أن تقاضتها الشركة كدفعة أولى من قيمة الاتفاقية. لكن، في رأي قانونيين، إن التوصل إلى اتفاق من هذا النوع، وإعادة الأموال إلى لبنان والصواريخ الفاسدة إلى صربيا على نفقة «يوغوإيمبورت»، وفي حال تحققه، لا يعفي أحداً من الملاحقة الجزائية أمام القضاء، بتهم عديدة، أبرزها المس بالأمن الوطني.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار