23-02-2021
مقالات مختارة
نجم الهاشم
نجم الهاشم
في تاريخ البطريركية المارونية أكثر من انتفاضة. قد يكون يوم السبت 27 شباط الساعة الثالثة بعد الظهر موعداً مع التأكيد على واحدة من هذه الإنتفاضات. ليس مهماً حجم الحشد الذي قد يتمكن من الوصول إلى ساحة الصرح الكبير بسبب الحجر المستمر والتباعد الإجتماعي، ولكن العبرة ستكون في المعنى الذي سيحمله هذا التجمع وفي الشعارات التي سيرفعها والإلتقاء مع الخط الذي رسمه البطريرك الراعي.
في آذار من العام 2001 زار البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الولايات المتحدة الأميركية. كان ذلك بعد ستة أشهر على إطلاق نداء المطارنة الموارنة الشهير من بكركي الذي طالب بسحب الجيش السوري من لبنان مؤكداً أنه "آن الأوان".
الزيارة كان هدفها رسامة مطران ماروني هو مطران أبرشية مار مارون في بروكلين غريغوري منصور المولود في الولايات المتحدة، وهذا ما كان يحصل للمرة الأولى في تاريخ الكنيسة المارونية. تطرق صفير يومها إلى مطالبته بخروج سوريا من لبنان بعد انسحاب إسرائيل في العام 2000 وقال: "إنّ من مصلحة سوريا ومن مصلحة لبنان المشتركة أن يكون بين البلدين وهما جاران علاقات طيبة ودية، علاقات صداقة وعلاقات تنسيق، هذا ما نطالب به، وما من جار يمكنه أن يعيش في حال عداء مع جاره، ولكن لكل بلد الحق في أن يتدبر شؤونه بذاته من دون وصاية من أي أحد".
وفي تأكيد ثوابته تجاه تدخل سوريا في شؤون لبنان، قال صفير: "نحن ما دامت إسرائيل محتلة جنوب لبنان كنا ساكتين عن أمر وجود الجيش السوري، ولكن عندما خرجت إسرائيل رأينا أنه لا داعي للسكوت عن وجود الجيش السوري، بعد أن نصّ الطائف أنّه بعد توقيع هذا الاتفاق على الجيش السوري أن يعيد تمركزه في انتظار خروجه من لبنان، لذلك نرى أن الجيش السوري في لبنان ومداخلات السوريين في الحياة اللبنانية الداخلية تعود بالضرر على لبنان".
كان كلام صفير واضحاً ومباشراً. عندما عاد تمّ تنظيم استقبال حاشد له في بكركي يكاد يكون مشابهاً لما سيحصل في باحة الصرح يوم السبت في سياق موقعه من الأحداث والتطورات. منذ أطلق صفير نداء المطارنة جرت محاولات كثيرة لتطويق بكركي. تبرّع كثيرون من أتباع عهد الوصاية السورية ليهاجموا البطريرك بينما لاذ آخرون بالصمت، وذهب رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط إلى ملاقاة مطالب البطريرك من داخل مجلس النواب قبل أن يتمّ تهديده وتخوينه. ولكن العملية السياسية الوطنية التي أطلقها البطريرك كانت قد انطلقت ولم يعد هناك قدرة على وقفها. بعد شهر واحد على ذلك الإستقبال الذي لاقاه في بكركي كان صفير يرعى قيام "لقاء قرنة شهوان" الذي استكمل عملية التحرير السياسي والأمني، حتى كان ربيع 2005 وثورة 14 آذار وانسحاب جيش النظام السوري في لبنان، وإسقاط خطبة الأمين العام لـ"حزب الله" في ساحة رياض الصلح في 8 آذار، عندما جرت محاولة تأخير أو عرقلة الإنسحاب السوري لتبقى كلمة شكراً سوريا وحدها تائهة في سماء الساحة. يومها انتصر نداء البطريرك على كل صراخ آخر.
اليوم قد يكرر التاريخ نفسه. في 5 تموز 2020 أطلق البطريرك مار بشارة بطرس الراعي نداءه الأول الذي طالب فيه رئيس الجمهورية بتحرير قرار الشرعية من الأسر وبالعمل على تحقيق حياد لبنان. لم يستمع الرئيس لنداء الراعي. وكما تمّ التعاطي مع نداء صفير بدأ الهجوم من "حزب الله" وحلفائه على ما ذهب إليه البطريرك الراعي باعتبار أن حياد لبنان يعني التآمر والخيانة. ولكن البطريرك لم يتراجع ولم يتردّد في المضي في تزخيم حركته وتفعيلها، وها هو بعد المطالبة بتدخل دولي لإنقاذ لبنان يجعل من بكركي ساحة الحرية الحقيقية النابضة من أجل أن يعود قلب لبنان إلى الخفقان في زمن الأوبئة السياسية التي لا بدّ من الخلاص منها.
أخبار ذات صلة
لكل مقام مقال
لهذه الاسباب لم تكن قمة بكركي الروحية استثنائية
أبرز الأخبار