08-02-2021
محليات
يبدو انّ الشعرة التي كانت لا تزال توصل بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتياره السياسي، وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قد انقطعت، وصعدت العلاقة بينهما الى ذروة التصعيد، وصارت معلّقة على سلك توتر حارق.
ولعلّ المقدّمة النارية الليلية، التي أوردتها قناة الـ «ان بي ان» ضدّ «التيار الوطني الحر» والعهد، رداً على مقدّمة عنيفة لمحطة «او تي في» ضدّ رئيس المجلس، تؤشر الى مرحلة من التخاطب ومن دون قفازات، وبعبارات من تحت الزنار السياسي. حيث صوّبت الـ «ان بي ان» على من سمّتهم «الوطنجيون الجدد». وجاء فيها: «الوطنجيون الجدد»، عبارة دخلت الى القاموس السياسي اللبناني في مرحلة «الرجعة» عام 2005، كمصطلح لجماعة توسلّت الوصاية لإستصدار قرار أممي مع ناظر له، ضدّ أبناء بلدها من المقاومين. والمفارقة أننا نجدها اليوم تعاير بالسيادة من حرّر الأرض واسترجع سيادة الوطن المسلوبة وأسقط إتفاقية الإذعان... بئس الزمن هو... لا بل نكد الدهر.
أضافت: لقد وصلت وقاحة هؤلاء منذ يوم الجلوس على العرش، عبر ركوب الموجة الاقليمية والدولية، في بيع وشراء وفق أسعار سوق سياسية سوداء، بلغت حدّ الحديث عن السلام مع إسرائيل وبيع عميل. وهذا كله طمعاً بورث لوكيل...
ومضت المقدمة: في هذه العصفورية اتخذ أفراد العائلة مناصب متعدّدة .الّا أنّ أياً منها لم يكن في يوم عوناً للوطن... بل على العكس، فرضت على الناس معاناة من قبيل ع-ف أو عتمة - فساد و س-س سرقة سمسرات و ج-ه أو جوع - هجرة والأبجدية تطول.
اضافت: هؤلاء لم يتعلّموا حتى اللحظة لفظ حرف من معنى الشراكة، ثم يأتون ويسألون: ماذا ينفع الإنسان اللبناني اذا ربح العالم كله وخسر شريكه في الوطن...ونقول لهم، اللّهم لا شماتة بمرض إنفصامكم... نتمنّى لكم الشفاء العاجل من العِقَد النفسية والنزعة الإستئثارية والثلث المعطل... ورحمة الله على شراكة تدّعونها».
وخلصت الى القول: «الوطنجيون الجدد»، عبارة تبدو الحاجة ملحّة اليها اليوم، للدلالة الى جماعة الفساد التي طغت في أرض الوطن أكثر من فرعون. فيما نراها تسارع الى إدّعاء العفاف عند كل محطة وموقف وبيان... وإدارة المناقصات تشهد على الناقصين ومناقصات الترضية للحاشية والتراضي لجيوبهم...هم كل حروف علّة لبنان...زاد الله في غبائهم...وأنقص من بواخر شفافيتهم... وللحديث تتمة».
وكانت الـ «او تي في» قد قدّمت مقدمة نارية في اتجاه الرئيس بري، من دون ان تسمّيه، قالت فيها: «السياديون الجدد» عبارة دخلت الى القاموس السياسي اللبناني في مرحلة انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 كمصطلح يُستخدم للتعريف عن مجموعة من الشخصيات والقوى السياسية التي والت الوصاية في عزّ نفوذها، وانقلبت عليها لمّا بدأ نفوذها بالأفول.
وقد وصلت مغالاة هؤلاء يومها في ركوب الموجة الاقليمية والدولية الجديدة، حدّ المطالبة باستبدال الوصاية المنقضية بأخرى اقليمية- دولية، اتخذت من أحرف الأبجدية اسماء متعدّدة لها، كالالف-سين الى والسين سين وسواهما، من دون ان يتعلّم هؤلاء حتى اللحظة، انّ ماذا ينفع الانسان اللبناني اذا ربح العالم كله وخسر شريكه في الوطن».
اضافت: «اما «الإصلاحيون الجدد»، فعبارة تبدو الحاجة ملحّة اليها اليوم للدلالة الى مجموع الشخصيات والقوى السياسية الفاسدة او التي غطّت الفساد، التي تسارع الى اعتماد التنكّر السياسي سبيلاً للهرب من الحساب الآتي لا محال، في ضوء المتغيّرات الداخلية والخارجية التي كشفت ارتكاباتهم بجرم السرقة المشهود، وتطالب بالتدقيق الجنائي من ضمن المبادرة الفرنسية، لتلتقي بذلك مع مطلب رأس الدولة والفريق السياسي المؤيّد له. هكذا، صرنا نرى الذئب متنكّراً بزي الحمل، والقحباء السياسية تحاضر بالعفة. كلهم باتوا اصلاحيين، والاصلاحي الوحيد اصبح في نظرهم الفاسد الوحيد».
فرض الدخول الفرنسي على الخط الحكومي انكفاء منصّات السجال حول الحصص والمعايير الى الخلف، وأخضَع المتساجلين لاستراحة إلزامية تسكت فيها لغة الصدام التي كانت سائدة بين القصر الجمهوري وبيت الوسط، وذلك في خطوة بَدت انّها محاولة إزالة اي معطّلات او منغّصات من شأنها أن تعيق او تشوّش على المسعى الفرنسي المتجدد لتوليد الحكومة.
وفيما لا يلحظ في تطورات المشهد الداخلي أي أمل بفتح كوة في الجدار الحكومي في ظل المناكفات المتواصلة على أكثر من جبهة داخلية، إلّا أن الصورة الخارجية مخالفة لهذه الأجواء، ذلك أنّ المعطيات المتوافرة حول المسعى الفرنسي، وعلى ما تؤكد مصادر سياسية لـ"الجمهورية"، تؤشّر الى أن الملف الحكومي يقترب شيئاً فشيئاً من نقطة الحسم، خصوصاً أنّ قوة الدفع الفرنسية في هذا الاتجاه قطعت شوطاً مهماً في تعبيد الطريق المؤدية الى ولادة حكومة المبادرة الفرنسية.
العد التنازلي
تؤكد ذلك مصادر ديبلوماسية من باريس، كشفت لـ«الجمهورية» انّ المقاربة الفرنسية للملف اللبناني بدأت توحي بأنّ العد التنازلي الفرنسي لتشكيل الحكومة في لبنان قد بدأ، وانّ هناك توجّهاً حاسماً وأكثر من جدّي لدى الاليزيه لإحداث خرق نوعي في جدار الملف الحكومي المعطّل في لبنان، يُفضي إلى ولادة «حكومة المبادرة الفرنسية» في فترة قريبة جداً، وضمن مهلة لا تتعدّى نهاية الشهر الجاري، على أن تلي ذلك مباشرة زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بيروت في آذار المقبل.
وعلى هذا الاساس، تضيف المصادر، فإنّ الحركة الفرنسية تجاه لبنان ستشهد في الايام المقبلة تزخيماً ملحوظاً، يَتواكب مع موقف فرنسي واضح تجاه لبنان سيصدر قريباً، ربما من الايليزيه، وذلك بالتوازي مع الحركة الفرنسية في اتجاهات دولية مختلفة، لفتح الباب اللبناني على ايجابيات، حيث فتح الإيليزيه قنوات التواصل مع الولايات المتحدة الاميركية وايران ومصر ودولة الامارات العربية المتحدة، وكذلك مع السعودية التي قد يزورها ماكرون في وقت قريب سعياً بالدرجة الأولى الى إقناع المسؤولين في المملكة بحضور سعودي مباشر وداعم للحكومة ورئيسها، والانخراط في الجهود الرامية الى إيجاد حلّ للمعضلة اللبنانية.
وتشير المصادر الى انّ ما حملته القنوات الفرنسية مع هذه الدول، جعل الفرنسيين يتفاءلون بإمكان تحقيق إنجاز في الملف اللبناني يضع المبادرة الفرنسية المعطلة منذ اعلانها أواخر آب الماضي حيّز التنفيذ، وتشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري وفق مندرجاتها. مع الاشارة في هذا السياق الى ما بدأ الفرنسيون يسمّونه تكاملاً في الموقفين الأميركي والفرنسي تجاه لبنان وهدفاً مشتركاً في تأليف حكومة في لبنان وفق متطلبات المجتمع الدولي التي تلبّي مطالب وتطلعات الشعب اللبناني بمكافحة الفساد وإجراء إصلاحات تُشرّع الباب نحو تدفّق المساعدات الدولية الى لبنان.
نصيحة عربية
وفي موازاة الحراك الفرنسي، كشفت مصادر مسؤولية لـ«الجمهورية» انّ الحضور العربي على خط الازمة اللبنانية، يشهد زخماً ملحوظاً في هذه الفترة، خلافاً لما كان عليه في منذ فترة طويلة، وفي هذا السياق يندرج الحضور المصري الفاعل، الى جانب الحضور الاماراتي. على أن اللافت للانتباه في هذا السياق انّ هذا الحضور العربي يحتضن بشكل لافت المبادرة الفرنسية، وثمة نصائح أُسديت في الآونة الاخيرة للمسؤولين اللبنانيين المعنيين بالملف الحكومي بالتجاوب مع هذه المبادرة، على اعتبار أنها الفرصة الوحيدة المتوفرة للانقاذ، وهذا يوجِب على المسؤولين عن الملف الحكومي تحمّل مسؤولياتهم في عدم تفويت هذه الفرصة مرة ثانية، وملاقاة الاندفاعة الخارجية لمساعدة لبنان بتسهيل تأليف الحكومة بما ينسجم مع حاجة لبنان الملحة الى تشكيل حكومة تنصرف الى التصدي للأزمات المتفاقمة فيه.
في هذا السياق، يأتي موقف وزير الخارجية المصرية سامح شكري خلال لقائه في القاهرة وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبه أمس، حيث أكد الوزير المصري «دفع بلاده لعدم التأخر في تأليف حكومة لبنانية مع الاستعداد لوضع إمكانات مصر في هذا الصدد».
حكومة اختصاصيين
الى ذلك، قالت مصادر معنية بملف التأليف لـ«الجمهورية» انه على رغم أنّ الاجواء المحيطة بالحراك الفرنسي حول لبنان توحي ببعض الإيجابيات، الا أنه من السابق لأوانه الحكم عليها او التسليم بأنها ستحقق الغاية المنسشودة منها، خصوصاً انها ما زالت في السياق النظري، ما يعني ضرورة انتظار ترجمتها العملية، التي يخشى أن تصطدم بالعقلية المعطلة في الداخل التي اطاحت بكل الوساطات والمبادرات، وبحرب المعايير المتصادمة بين رئيس الجمهورية ومن خلفه «التيار الوطني الحر»، وبين الرئيس المكلف، التي أعدمت إمكانية تأليف حكومة وكسرت العلاقة بين شريكي التأليف وذهبت بها الى نقطة اللاعودة والطلاق النهائي بينهما.
معايير المبادرة فقط
وفي هذا السياق، كشفت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» ان المعطيات المتوافرة على الخط الحكومي تؤكد أن الحراك الذي تقوده باريس هذه المرة، يتجاوز العلاقة التصادمية بين المعنيين بالملف الحكومي، خصوصاً بين عون والحريري، لبلورة صيغة حكومية يلتحق بها الجميع، تضم شخصيات موثوقة من اللبنانيين ومن المجتمع الدولي، وقائمة على المعايير التي حددتها المبادرة الفرنسية، والتزام الاطراف اللبنانيين بها، والاساس فيها أنها متكافئة ولا غلبة لطرف فيها على آخر. وليس مستبعداً ان يكون لباريس دور فاعل هذه المرة في اختيار بعض الأسماء لبعض الوزارات الحساسة، على ان يكون هؤلاء، «الوزراء الملوك» في الحكومة.
شكل الحكومة
وتؤكد المصادر انّ المسعى الفرنسي يهدف الى تشكيل حكومة تحظى بدعم وموافقة المجتمع الدولي عليها، وبالتالي فإنّ المتداوَل حول هذه الحكومة عبر القنوات الديبلوماسية والسياسية، يرجّح أن تأتي وفق ما يلي:
اولاً، حكومة اختصاصيين بالكامل من غير الحزبيين والسياسيين.
ثانياً، لا ثلث معطلاً في الحكومة لأي طرف كان. وهذا الامر لا يقبل به الفرنسيون، ولا سائر المجتمع الدولي.
ثالثاً، مهمة الحكومة إنقاذية تضع لبنان على سكة الحلول، مع إعطاء الاولوية للاصلاحات ومكافحة الفساد، واتخاذ الاجراءات الصارمة في المجالات الاقتصادية والمالية، اضافة الى الجانب الامني.
رابعاً، ان تكون تسمية الوزراء بطريقة موضوعية وتوافقية لا خلافية (على سبيل المثال ان يسمّي رئيس الجمهورية الوزراء المسيحيين بذات الطريقة التي تمّت فيها تسمية الجهات الاخرى لوزرائهم)، وهناك مخرج في هذا السياق وَفّرته مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري.
خامساً، الاولوية لحكومة مصغرة من 18 وزيراً. الّا ان حجم الحكومة قد لا يكون نهائياً، إذ إنّ رفعها الى 22 وزيراً قد يكون احد المخارج الاساسية للتعجيل بتشكيلها، حيث ان حكومة الـ22 قد تلبّي طلب عون وفريقه السياسي بالتمثيل الصحيح عبر 7 وزراء، وهي نسبة لا تشكل الثلث المعطل، خلافاً لحكومة من 18 او 20 حيث تشكّل هذه النسبة ثلثاً معطلاً، وهو ما يرفضه الرئيس المكلف وغالبية القوى السياسية.
وبحسب المصادر نفسها فإنّ اي حكومة تتشكّل خارج هذه المعايير لن تفتح باب المساعدات الى لبنان على الاطلاق، وبالتالي بدل أن تكون هذه الحكومة حكومة حل للأزمة ستكون حكومة مفاقمة للأزمة، وسيدفع من خلالها اللبنانيون ثمناً كبيراً في وضع مأساوي على كل المستويات.
الحريري
الى ذلك، وفي الوقت الذي ينتظر اللبنانيون نهاية الجولة التي يقوم بها الحريري الموجود في ابو ظبي - كما قالت مصادر بيت الوسط لـ«الجمهورية» - منذ يوم السبت بعدما قصَدها من القاهرة، كشفت مصادر سياسية مطلعة انّ الإتصالات التي تعني اللبنانيين او تنعكس على مجرى حياتهم اليومية ومساعي تشكيل الحكومة باتت محكومة بنتائج الزيارة، وتحديداً عند اكتمالها بانتقال الحريري الى العاصمة الفرنسية بعد تحديد مواعيد له على مستويات دبلوماسية وسياسية فرنسية رفيعة المستوى، قد تصل الى موعد سيحدد له في الساعات المقبلة مع قصر الإليزيه للقاء الرئيس ايمانويل ماكرون.
وتلاقت هذه المصادر في توقعاتها مع ما كشفته مصار مقرّبة من بعبدا، التي قالت لـ«الجمهورية» انه بات من الضروري انتظار عودة الحريري الى بيروت لمعرفة حصيلة المشاورات الجارية على اكثر من مستوى إقليمي ودولي لاستئناف البحث في مساعي تأليف الحكومة.
وفي المعلومات انّ الحريري سيكون في بيروت يوم الجمعة المقبل او السبت على أبعد تقدير، لأنه مضطر لأن يكون في بيروت في 14 من الشهر الجاري ليوجّه كلمة بمناسبة مرور 16 عاماً على اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ولفتت المصادر الى انه في المقابل، فإنّ المراجع الدبلوماسية ترصد التحضيرات الفرنسية لزيارة ماكرون الخليجية المتوقعة في بداية منتصف الشهر الجاري، بعدما تبين أنها ستبدأ في عاصمة الامارات العربية المتحدة ابو ظبي، قبل التوجّه الى الرياض في موعد أقصاه ما بين 19 و21 شباط الجاري، بانتظار تأكيد المعلومات الرسمية التي ستصدر عن قصر الإليزيه بداية الأسبوع الجاري.
وقالت المعلومات انّ ماكرون يستكمل هذه الجولة للوقوف على آخر المواقف التي ستلاقي نتائج زيارة موفده الى طهران، خصوصاً انه يبحث في كيفية تسويق خطته التي عرضها على الجانب الاميركي ليؤدي دور الوسيط في انضمام الممكلة العربية السعودية ومعها الامارات العربية المتحدة الى هذه المفاوضات حول مستقبل الملف النووي الايراني، وهو ما يفرض البحث بما يعني الازمة اللبنانية وموقعها في هذه الخطة.
الراعي
في هذا الوقت، واصَل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حملته على معطّلي الدولة والغائبين عن أولويات الناس، وتوجّه في عظة الأحد امس الى المسؤولين قائاًل: "لا الدولة ملككم ولا الشعب هو غنم للذبح في مسلخ مصالحكم وعدم اكتراثكم".
واكد الراعي "أنّ شعبنا يحتضر والدولة ضمير ميت وكل دول العالم تعاطفت مع شعب لبنان إلا دولته". متسائلاً: "هل من جريمة أعظم من هذه؟". وقال: "نادَينا فلم يسمعوا. سألنا فلم يُجيبوا. بادَرنا فلم يَتجاوبوا"، مؤكداً «أننا لن نتعب من المطالبة بالحقّ وشعبنا لن يرحلَ، بل يبقى هنا. سيَنتفض من جديد في الشارع ويطالب بحقوقه، سيثور، ويحاسب. سلبيّتُكم تَدفعُه قسراً نحو السلبيّة، إستخفافُكم بآلامه ومآسيه يدفعه عنوة نحو خيارات قصوى".
وأضاف: "فوق ذلك استُنفدت كل المبادرات والوساطات اللبنانيّة والعربيّة والدوليّة من دون جدوى، وكأنّ هناك إصراراً على إسقاط الدولة بكل ما تمثّل من خصوصية وقيم ودستور ونظام وشراكة وطنية. مهلاً، مهلاً أيّها المسؤولون!".
وطالبَ الراعي بـ"طرح قضية لبنان في مؤتمر دوليّ خاص برعاية الأمم المتّحدة يثبّت لبنان في أطره الدستوريّة الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان ونظام الحياد وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدّي عليه، والمَسّ بشرعيّته، وتضع حدّاً لتعدّدية السلاح، وتعالج حالة غياب سلطة دستوريّة واضحة تحسم النزاعات، وتسدّ الثغرات الدستوريّة والإجرائيّة، تأميناً لاستقرار النظام، وتلافياً لتعطيل آلة الحكم أشهراً وأشهراً عند كلّ استحقاق لانتخاب رئيس للجمهوريّة ولتشكيل حكومة".
وأعلن أنّنا «نطرح هذه الأمور لحرصنا على كلّ لبنانيّ وعلى كلّ لبنان، نطرحها للحفاظ على الشراكة الوطنيّة والعيش المشترك المسيحيّ - الإسلاميّ في ظلّ نظام ديمقراطيّ مدنيّ. لقد شبعنا حروباً وفتناً واحتكاماً إلى السلاح».
عودة
بدوره، سأل متروبوليت بيروت وتوابعها للرومالأرثوذكس المطران الياس عوده، خلال ترؤسه قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت أمس: «هل في بلدنا، بين المسؤولين، من يعمل للمصلحة العامة؟»... وقال: «لا نرى أمامنا سوى متقاعسين في المحبة، ومُستميتين في القهر والتنكيل ونشر البؤس واليأس. الوباء متفش بين الشعب، لكنّ مرضاً خبيثاً آخر يفتك به، يدعى الأنا، أنا الحكام التي تتحكّم بمصير شعب ورزقه وحياته وصحته. الشعب جائع، لكن التشبّث بالرأي والتعلق بالمصلحة ونَشر البيانات والبيانات المضادة أهم بالنسبة إلى حكامنا من إشباع البطون الخاوية».
أضاف: «الموت طال معظم بيوت وطننا، إمّا بسبب كارثة 4 آب أو بسبب الجائحة أو الفقر والعوز، لكنّ مسؤولينا منشغلون بأنفسهم يعيثون فساداً وحقداً. اللبنانيون مقهورون، والحكام همّهم الحصص والمكاسب والثلث المعطّل. ألا يكفي تعطيل تشكيل الحكومة، وتعطيل حركة البلد وشلها؟ كم بيت يجب أن يهدم بعد؟ كم شاب أو شابة يجب أن يهاجرا بعد؟ كم جريمة يجب أن تقترف بعد؟ كم من الوقت المهدور أو الفرص المهدورة أو كم مواطن ينتحر أو كم طفل يقهر يلزمنا بعد لتتحرّك ضمائر المسؤولين وتدفعهم إلى عمل إنقاذي سريع؟ لبنان جريح وليس من يضمد جراحه لأنّ حكامه لا يريدون القيام بأي شيء لنجدته. هم لا يرحمون لبنان ولا يريدون رحمة الله عليه، لأن تعنّتهم يمنع أي مساعدة خارجية له».
وتابع عوده: «الرئيس، أي رئيس، والمسؤول، أي مسؤول هو للوطن لا لجزء منه. على الرئيس أن يكون أكبر من الرئاسة، يُغنيها بأخلاقه وحكمته وثقافته ونزاهته وأمانته، ولا يستغلها من أجل مصلحته الخاصة أو مصلحة طائفته أو عشيرته أو حزبه أو عائلته. كذلك المسؤول، أي مسؤول، هو خادم للوطن يبذل قصارى جهده من أجل القيام بواجبه بنزاهة وأمانة وتضحية، مُتخطياً مصالحه وعلاقاته وارتباطاته، لا يستغل مركزه من أجل جني الأرباح أو تحقيق المكاسب أو التشفي والإنتقام. أين نحن من هذا؟
ورطة رفع الدعم
في موازاة ورشة العمل الناشطة على خط تحديث لوائح العائلات المحتاجة تمهيداً لبدء توزيع المساعدات المالية عبر القرض الذي حصل عليه لبنان من البنك الدولي، تنشط الاتصالات لتوسيع دائرة المساعدات المالية لتشمل حوالى 600 ألف عائلة أصبحت في حُكم المحتاجة. وبالتوازي أيضاً، لا تزال النقاشات المتعلقة باعتماد خطة لترشيد الدعم تدور في حلقة مفرغة.
هذه الورش القائمة حتى الآن على طريقة «طحيش وطبيش وطحين ما فيش»، تطرح علامات استفهام وتثير المخاوف، خصوصاً انّ كرة النار المرتبطة برفع الدعم لم تلق بعد جهة تتبنّاها وتوافق على التقاطها بصدرها. وهناك إشكاليات عديدة ترافق هذا الوضع، من أهمها:
اولاً - كيف السبيل الى ضمان توزيع عادل وشفاف للمساعدات، ما دامت القوى السياسية القابضة على الكراسي تريد حصة لتوزيعها على الأزلام والمحاسيب؟
ثانياً - ماذا سيكون رد فعل موظفي القطاع الخاص، في حال تقرر، كما يتردّد في الكواليس، منح المساعدات الاضافية الى موظفي القطاع العام، خصوصاً ان الهدف سيكون إرضاء الأجهزة العسكرية والأمنية التي ترتفع الاصوات مطالبة بإنصافها لكي تتمكّن من تأدية واجباتها في حماية المجتمع في هذه الظروف الصعبة التي يكثر فيها الاجرام والتفلّت من تطبيق القوانين.
ثالثاً - من اين سيتم تأمين الاموال بالليرة؟ وهل سيتم اللجوء الى طباعة المزيد من العملة الورقية الوطنية، الأمر الذي سيقود حتماً الى انهيار اضافي في سعر الصرف. ويأكل التضخّم قيمة المساعدات، في حين يجوع من لم يحظ بهذه المساعدات لسبب او لآخر.
رابعاً - ما مصير بقية الطبقة الوسطى التي لن تصلها مساعدات مالية وستتحمّل اعباء رفع الدعم عن كل السلع الحياتية أو معظمها؟
هذه التساؤلات والاشكاليات مطروحة بقوة، ولو أنّ البعض يعتبر ان حكومة تصريف الاعمال هي أضعف من اتخاذ أي قرار حاسم، وبالتالي سيبقى الوضع على ما هو عليه بانتظار حكومة جديدة قد لا ترى النور في وقت وشيك.
كورونا
من جهة ثانية، وفي موازاة الاجراءات المتخذة لناحية تمديد قرار الاقفال العام، نُظمت أمس تحركات اعتراضية لبعض القطاعات السياحية والمحال التجارية على القرار في بعض المناطق، في وقت سجّل عداد كورونا امس2081 اصابة و54 حالة وفاة، ما يرفع العدد الاجمالي للاصابات الى 319917 وعدد الوفيات الى 3016.
أخبار ذات صلة