07-02-2021
محليات
سأل متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، في عظة الأحد: "هَلْ في بَلَدِنا، بَينَ المَسؤولين، مَن يَعمَلُ لِلمَصلَحَةِ العامَّة؟ لا نَرى أَمامَنا سِوى مُتَقاعِسينَ في المَحَبَّة، ومُستَميتينَ في القَهرِ والتَّنكيلِ ونَشرِ البُؤسِ واليَأس. الوَباءُ مُتَفَشٍّ بَينَ الشَّعب، لَكِنَّ مَرَضًا خَبيثًا آخَرَ يَفتُكُ بِهِ، يُدعى «لأنا»، «أنا» الحُكَّامِ الَّتي تَتَحَكَّمُ بِمَصيرِ شَعبٍ ورِزقِهِ وحَياتِهِ وصِحَّتِهِ. الشَّعبُ جائِعٌ، لَكِنَّ التشبثَ بالرأي والتعلّقَ بالمصلحة ونشرَ البَياناتِ والبَياناتِ المُضادَّة أَهَمُّ بِالنِّسبَةِ إلى حُكَّامِنا مِن إِشباعِ البُطونِ الخاوِيَة".
وأضاف: "المَوتُ طالَ معظمَ بُيوتِ وَطَنِنا إما بسبب كارثةِ 4 آب أو بسبب الجائحةِ أو الفــقــرِ والعوز، لَكِنَّ مَسؤولينا منشغلون بأنفسهم يُعيثون فَسادًا وحقداً. اللُّبنانِيُّونَ مَقهورونَ، والحُكَّامُ هَمُّهُم الحصصُ والمكاسبُ والـثُّلُثُ المُعَطِّلُ"، متسائلاً: "أَلا يَكـفي تَعطيلُ تَشكيلِ الحُكومَةِ، وتَعطيلُ حَرَكَةِ البَلَدِ وشَلُّها؟ كم بيتٍ يجبُ أن يُهدَمَ بعد؟ كم شابٍ أو شابةٍ يجب أن يهاجرا بعد؟ كم جريمةٍ يجب أن تُقتَرَفَ بعد؟ كم من الوقتِ المهدورِ أو الفرصِ المهدورةِ أو كم مواطنٍ ينتحرُ أو كم طفلٍ يُقهرُ يلزمنا بعد لِتُحَرَّكَ ضمائرَ المسؤولين وتدفعهم إلى عملٍ إنقاذي سريع؟".
وقال عودة: "لبنانُ جريحٌ وليس من يضمّدُ جراحَه لأنّ حكامَه لا يريدون القيامَ بأيِّ شيءٍ لِــنَــجدتِــه. هم لا يرحمون لبنان ولا يريدون رحمةَ الله عليه، لأنّ تعنّتَهم يمنعُ أيَّ مساعدةٍ خارجيةٍ له"، مضيفاً: "ستةُ أشهرٍ مرّتْ على كارثة 4 آب والحقيقةُ لم تنجلِ بعد. إنفجارٌ هزّ العالمَ ولم يحرّكْ ضمائرَ المسؤولين، وما زال ذوو الضحايا المفجوعون بفقدان أحبائهم ينتظرون معرفةَ الحقيقة، وما زالت بيروتُ مدينةً يسكنُها الموت، أحياؤها مدمَّرَةٌ، وشوارعُها قد هجرَها أهلُها والحياة. إلى متى التقاعسُ واللامبالاة؟".
وتابع عودة في عظته: "ستةُ أشهرٍ مرّتْ وما زلنا بلا حكومةٍ توصلُ الليلَ بالنهار عملاً وكداً من أجلِ إنقاذِ ما تبقى من لبنان. والمسؤولون يقاومونَ كلَّ الدعواتِ العقلانيةِ في الداخلِ وفي الخارج من أجل تخطي المصالح وتشكيلِ حكومةٍ قادرةٍ على القيامِ بخطواتٍ إصلاحيةٍ حقـيقيةٍ تنتشلُ البلدَ من مصيبتِه"، متسائلاً: "أين الضميرُ؟ أين الرحمة؟ لقد سَلَّمَكم الربُّ وزنةً واحدةً هي قيادةُ هذا البلد. ماذا فعلتم بها؟ لقد طمرتُموها وخنقتُمـوها. كيف ستواجهون ربَّكم يومَ الدينونةِ، وقد لا يكونُ بعيداً لأنَّ الجائحةَ تحالفتْ معكم على زرعِ الموت".
وأضاف: "الرئيسُ، أيُّ رئيس، والمسؤولُ، أيُّ مسؤول هو للوطنِ لا لجزءٍ منه. على الرئيسِ أن يكونَ أكبرَ من الرئاسة، يُغنيها بأخلاقِه وحكمتِه وثقافتِه ونزاهتِه وأمانتِه، ولا يستغلُّها من أجلِ مصلحتِه الخاصة أو مصلحةِ طائفتِه أو عشيرتِه أو حزبِه أو عائلتِه. كذلك المسؤول، أيُّ مسؤول، هو خادمٌ للوطن يبذلُ قصارى جهدِه من أجل القيامِ بواجبِه بنزاهةٍ وأمانةٍ وتضحيةٍ، متخطياً مصالحَه وعلاقاتِه وارتباطاتِه، لا يستغلُّ مركزَه من أجل جَنْيِ الأرباح أو تحقيقِ المكاسب أو التشفّي والإنتقام. أين نحن من هذا؟ أليس حريّاً بنا التحسُّرُ على أيامٍ مَضَتْ عَــرَفَ لبنانُ خلالها رجالاتٍ ضحّوا بأموالهم وحياتِهم من أجل لبنان؟".
وتابع عودة: "أما نحن، فبعد إغتيالِ العاصمةِ ها نحن نشهدُ سلسلةَ اغتيالاتٍ كان آخرُها منذ يومين. لِمَ إسكاتُ الناس؟ لِمَ كَمُّ الأفواه؟ وهل إخمادُ الأصواتِ الحرَّة يطفئُ جَذْوةَ الحرية ويَخنقُ صرخاتِ الناس؟"، مؤكداً أنّه "ليس بالقتلِ وإسكاتِ المفكرين وقادةِ الرأي تتمُّ الغلبة. الغدرُ دليلُ ضعف. واجهوا الآخرَ بالفكر، قارعوا الحجةَ بالحجة. إنَّ حريةَ الرأي حقٌّ كَــفَــلَــهُ الدستور، والحوارُ أفضلُ طريقٍ للإقناع. قَـــدَرُنا في هذا البلد الإلتقاءُ والحوار، وقبولُ الآخر بدايةُ الطريق".
وأشار إلى أنّ "لبنانُ الكرامةُ والحريةُ والتنوّع يرفضُ كــمَّ الأفواه وكبتَ الحرية، ويصعبُ تكبيلُه بسلاسلِ الجهلِ والـتـقـوقــعِ والإنعزال. لبنانُ المدافعُ عن حقوقِ الإنسان، هل يجوزُ أن يخسرَ فيه مواطنوه حقوقَهم؟ وهل يرتَضي لبنانُ الذي ساهمَ في وَضْــعِ شُرعةِ حقوقِ الإنسان في الأمم المتَّحدة أن تُنتَهَك حقوقُ الإنسانِ فيه، وحرّيتُه وكرامتُه وحياتُه؟"، لافتاً إلى أنّ "المطلوبُ كشفُ القاتل ومحاكمتُه، وكشفُ حقيقةِ جريمةِ المرفأ وكافةِ الجرائم، ومصارحةُ الشعب. إنَّ التمادي في التغاضي عن مرتكبي الجرائم، والإفلاتُ من العقاب نتيجةَ غيابِ التحقيقاتِ الشفافةِ والجدية، بالإضافةِ إلى تفلتِ السلاح، سببُ ما وصلْنا إليه من فوضى وتسيُّبٍ وانهيار".
وأضاف عودة: "لكي لا يُقالَ إن الطبقةَ الحاكمةَ تحمي الفاسدين والمجرمين، المطلوبُ عملٌ سريعٌ وجدّي. توقيفُ فاسدٍ واحدٍ أو مجرمٍ واحد يكفي لردعِ من تُسوّلُ له نفسُه الإخلالَ بالقانون أو ارتكابَ جريمة"، مشيراً إلى أنّ "العالمُ ينعتُنا بالدولةِ الفاشلة، الـمُـفــلِسة، المشلولة وغيرِ الفعّالة، الدولةِ التي فــقــدتْ شرعـيـتَـهـا وثقةَ شعبِها. ولبنانُ الذي كان المدافعَ الأولَ عن قضايا العرب في أروقةِ الأمم الـمـتـحـدة، والناطقَ باسمهم، بات دولةً معزولةً يستجدي عطفَ العرب والعالم".
وسأل: "ألم يَحِنْ الوقتُ لكسرِ الطوقِ الذي يكبّلُ المسؤولين ويمنعُهم عن القيام بواجبهم؟ ألم يصحُ ضميرُهم بعد؟ ألم يلاحظوا غضبَ الشعب العارم؟ ألم يشعروا بعدُ بضيقِ الشعبِ وفقـرِه وألمهِ؟ ألم يَحِنْ الوقت لِتَحُلَّ الجرأةُ في نفوسِهم؟ والجرأةُ تتجاوزُ كلَّ ضعفٍ وخوف. الخوفُ الـمَقيتُ هو أن يصبحَ اللبناني عبداً، والعبوديةُ ذلّ. المطلوبُ من اللبناني أن يدافع عن حق الوطن وحق أبنائه".
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار