12-12-2020
محليات
وجاء في كلمة النائب روكز
اقسم بالله العظيم أن أقوم بواجبي كاملاً، حفاظاً على علم بلادي، وذوداً عن وطني لبنان": بهذا العهد الخالد بدأت مسيرتي العسكرية في خدمة الوطن منذ ٤٠ عاماً. بهذا اليمين التزمت المسؤولية والوفاء والشجاعة والصدق والكرامة والتجرد والحياد.
على الرغم من الفساد والتدخلات التي مورست في المؤسسة العسكرية، استطعنا أن نخدم لبنان وأن نقوم بواجبنا الأوحد والأهم وهو مكافحة الارهاب والحفاظ على أمن وسلامة أرضنا وشعبنا على مدى ٣٥ سنة.
الدخول الى عالم السياسة لم يكن سهلاً، ولكن كان مبنياً على الأسس والمبادئ نفسها التي تربيت وخدمت على أساسها في الجيش اللبناني، فكان البرنامج السياسي واضحاً، جذوره الوطنية ممتدة من الحياة العسكرية.
أما اليوم، وبعد مرور عامين على دخولي المعترك السياسي، فبات واضحاً عدم انتمائي إلى هذه الحياة التي يطغى عليها اليوم منطق التعطيل لا التشريع، او التشريع لمصلحة المنتفعين والمتمولين على حساب الشعب، وضبضبة كل اقتراح او مشروع قانون يصب في مصلحة الشعب في ادراج اللجان. فلم أرَ اقتراح او مشروع قانون واحد تم اقراره يخدم الشعب اللبناني، وفي حال تم اقرار أي قانون، فكان يفتقد المراسيم التطبيقية او حتى النية الفعلية والحقيقية لتطبيقه. فتأكّدت حقيقة أن لا وجود لأي نية في الأفق لاعتماد اي سياسة مكافحة فساد صحيحة، ولا اي استراتيجية مالية اقتصادية اجتماعية انقاذية حقيقية لمعالجة الأزمة التي يعاني منها الشعب اللبناني.
أصبح الواقع والعمل السياسي لا يشبهني ولا يشبه لا البرنامج ولا التاريخ الذي إنتميت اليه، والذي خدمت لبنان على أساسه، ولا العقلية التي أتمتع بها، فلذلك قررت الابتعاد عن الوسط الذي لا يحاكي برنامجي ولا أفكاري ولا واقع الشعب اللبناني ولا حتى الناس التي انتخبتني. انطلاقاً من هنا، قررت أن أتخذ خطوة الى الوراء لمراجعة نفسي ومراجعة البرنامج والمبادئ التي انتُخبت وفقها، لتحقيق الرؤية الفعلية التي أؤمن بها، لأن الهروب من المواجهة ليست من شيمي.
أعزائي،
في الفلسفة الأخلاقية والسياسية، العقد الاجتماعي هو نظرية تتعلق بمدى شرعية سلطة الدولة على الأفراد. فقد وجد العلماء والفلاسفة أن الحالة الطبيعية للإنسان في غياب أي نظام سياسي تقوم على غريزة الانسان وعلى مبدأ القوة. ومن أجل تفادي حالة الحرب الدائمة بين الجميع والفوضى، قرر الانسان التعاقد لإنشاء مجتمع سياسي أي مجتمع مدني بعقد اجتماعي ينعم من خلاله بالأمان، وذلك لقاء خضوع لسلطة.
أما نحن في لبنان، فقد رجع مجتمعنا الى الوراء، وبدل أن يتعاقد الشعب مع سلطته ليتساوى القوي والضعيف أمام القانون والسلطة، راحت السلطة تمارس هذه القوة التعسفية على رعاياها.
من جهة أخرى، اتفق أهم الفلاسفة عبر التاريخ، من جون لوك وجان جاك روسو، أن العقد الاجتماعي يكون شرعياً فقط ما دام الأطراف يؤدون ما اتفقوا عليه، وأن المواطنين ليسوا ملزمين بالخضوع إلى الحكومة عندما تكون أضعف من أن تتصرف بحزم لتمنع التحزب والاضطراب المدني. وفي حال فشل الحكومة في تأمين الحقوق الاجتماعية أو فشلها في تلبية أهم اهتمامات المجتمع وهي الإرادة العامة، يمكن للمواطنين حينها أن يمتنعوا عن طاعة الحكومة، أو أن يغيروا القيادة عبر انتخابات أو عبر وسائل أخرى، وإن لزم الأمر فيمكن اللجوء للعنف.
فهل قامت الحكومة في لبنان على مدى العقود الثلاثة السابقة بتلبية الارادة العامة؟
هل نجحت ببناء نظام يتساوى أمامه جميع المواطنين؟ هل بنت وطناً أو احتفظت بالغابة تحت راية وطن مزيفة؟
هل قامت الدولة بأبسط ما يمكن للمواطن أن يطلبه؟ هل أمّنت له الكهرباء؟ هل وفّرت له رعاية صحية وضماناً اجتماعياً؟ هل احتفظت بودائعه في المصارف؟ هل نظفت الشوراع من النفايات؟ هل بنت بنى تحتية ملائمة؟ هل أنارت الطرقات؟ هل وفّرت الوظائف؟ واللائحة تطول وتطول...
أيها الزعماء الفاشلون،
بناء الوطن لا يتم على أيدي ميليشيات كانت السبب في دخول الوطن حرب أهلية دامية ما زال لبنان ينزف جراحها حتى اليوم.
بناء الوطن لا يتم بتفصيل الادارات والمؤسسات على قياس الطائفة والزعيم.
بناء الوطن هو بناء نظام حكم عصري وحديث يقوم على احترام الدستور، على فصل السلطات واستقلاليتها، على بناء مؤسسات شفافة.
بناء الوطن يقوم على دولة ومنظومة قوية، تحكم المواطن والمسؤول، وليس العكس. فلا تقوم ديمومة هذه الدولة واستمرارية هذا النظام على شخص الرئيس أو المسؤول أو النائب أو الوزير أو المدير العام، بل جذور الدولة مرسّخة تحت سقف القانون، بغض النظر عمن هو في المنصب.
بناء الوطن يقوم على احترام هيبة وسيادة وشرعية الدولة، فتتنافس الأحزاب السياسية بحسب برنامجها على العمل الديمقراطي في البلاد، لا على الحقن الطائفي والمذهبي والمناطقي.
حان الوقت للتخلي عن التشبث والتعصب المذهبي الطائفي، وقد حان الوقت لانصاف لبنان، وطن أرز الرب، وطن الحضارة ومنارة الشرق، وطن الشعب الجبّار، وطن الارادة الصلبة، وطن الحياة والأمل...
أحبائي،
في أحد التقارير عن رواندا، البلد الافريقي الذي كان بؤرة دماء وفقر بعد الحرب الأهلية والابادة الجماعية، والذي اصبح أسرع دول العالم في النمو الاقتصادي، يشار الى أن بطاقة الهوية هي سبب بداية الحرب الاهلية، فكانت تُحدد فيها عرقية السكان ما ساهم في زرع بذرة العنصرية بين أبناء الوطن الواحد. الى أن تم انتخاب رئيس جديد للبلاد لُقّب بمهندس النهضة الروندية، وكانت أولى أولوياته الغاء التصنيف العرقي على بطاقات الهوية والاكتفاء بكلمة "رواندي" وأقام علاقات ديبلوماسية جيدة مع كل دول العالم بالتساوي. وبعد أعوام قليلة من الحرب الأهلية، حقق الاقتصاد الرواندي نمواً بنسبة 95% في سنة واحدة، حيث أصبحت سابع دولة على العالم في النمو الاقتصادي، وبلغ الناتج المحلي 9 مليارات دولار، الى أن صارت رواندا في المرتبة 48 عالمياً في الاستقرار السياسي والمرتبة 29 في سرعة انشاء الشركات. ويركز التقرير على أن الجدية في محاربة الفساد ساهمت في أن تمثل الزراعة والسياحة 70% من القوة الاقتصادية للدولة.
أحببت أن أتحدث عن هذه التجربة العالمية لأنها ليست بعيدة عن النموذج اللبناني، فقد أنقذ القائد القوي صاحب القرار الجريء وطنه الذي كان ينزف ويزحف تحت خط الفقر وتخطى نفسه ومحيطه بقرار واحد وهو خلق مفهوم المواطنة.
فبمجرّد أن ألغى المرجعية القبائلية ورسّخ المرجعية الوطنية وبمجرّد أن اتخذ قرار محاربة الفساد، أصبح الشعب موحّداً، قادراً على انتشال وطنه من القعر والارتقاء به الى أعلى مستويات النجاح والاستقرار.
أعزائي، ان التجربة الرواندية ليست بعيدة ولا مستحيلة، فيمكننا أن نحققها اذا آمنا بأنفسنا وبقدرتنا وبقدرة وطننا لبنان.
فليس الوطن من سرق أموالكم ونهب أرزاقكم وفجّر مرفأكم وحرمكم من حياة كريمة...
وليس الوطن من هجّر عائلاتكم الى الخارج...
بل هم الأولياء على مصالحكم، زعماء الطوائف والميليشيات والمافيات.
أيها الشابات والشباب،
الفرصة اليوم بين أيدينا، اما أن نترك الوطن بعهدة من خان الأرض والشعب، واما أن نسترجع الوطن والأرض والقرار. كل ما يلزمنا هو القرار والعزيمة لمواجهة دينصورات هذه الدولة الغنية المنهوبة.
الانتصار الذي حققتموه في الانتخابات الطلابية في الجامعات هو خير دليل على فشل هذه السلطة التي تشعر اليوم أكثر من أي وقت مضى بالخطر على ديمومتها. فلأول مرة منذ سنوات عديدة، برهن الشباب والشابات المستقلّون أي دولة يريدون... وهذه هي الثورة الحقيقية. هذه هي ثورة 17 تشرين التي انطلقت قبل عام. هذه هي الثورة التي طالما ناديت بها منذ عام 2016.
هذه هي روح التمرد والعنفوان والكرامة التي كنت أشعر بها مع رفاق السلاح بينما كنا في ساحة المعركة ندافع عن أرضنا المقدسة، أشعر بها اليوم عندما أنظر في عيون كل شاب وشابة من هذه المجموعات الطلابية الذين لم يفقدوا الأمل، بل يدركون أنهم هم الأمل والمستقبل والحياة...
أضعنا فرصاً عديدة لبناء وطن مشترك لكل أبنائه بكل انتماءاتهم الحزبية والطائفية، ولم يبق أمامنا غير بصيص أمل صغير... أنتم الأمل، شباب وصبايا لبنان...
وأخيراً، أتوجه اليكم اليوم لأجدد العهد والوعد بأن أبقى الى جانب اللبنانيين الشرفاء ساعين لبناء لبنان، دولة المؤسسات والقانون، وطن الأرز والحلم. سأبقى على امتداد ١٠٤٥٢ كلم٢ إلى جانب الشباب والشابات نناقش ونبني لبناناً جديداً. سأبقى على امتداد العلم اللبناني، وأينما تواجد اللبنانيون على امتداد العالم. أتعهد أمامكم بأنني لن أتنازل عن المبادئ التي تربيت عليها في المؤسسة العسكرية وأن أبقى لبنانياً سيداً حراً مستقلاً أولاً وآخراً، وأجدد القسم اليوم أمامكم ومعكم: "أقسم بالله العظيم أن أقوم بواجبي كاملاً، حفاظاً على علم بلادي، وذوداً عن وطني لبنان"...
سيبقى لبنان وطني أولاً وآخراً، سيبقى لبنان وطني دائماً وأبداً...
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار