16-08-2020
مقالات مختارة
منير الربيع
صحافي لبناني
لم يعد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يريد وسطاء بينه وبين المجتمع الدولي. من يريد أن يكون له دور في نقل الرسائل أو التحذيرات والتهديدات، عليه التنحي عن المسار السياسي القائم، كحال من يرفضون مشاركة حزب الله في الحكومة، بعدما طلب منهم نصر الله اعتزال العمل السياسي.
برنامج فرنسي لمفاوضة أميركا
وفي مضمون كلمته الأخيرة، تلقّف نصرالله الطرح الفرنسي: من الإصلاحات، إلى الكهرباء، وحكومة سياسية مطعمة باختصاصيين، وسواها من الملفات. لقد طرح نصرالله البرنامج الفرنسي إياه، بعد مفاوضات مباشرة بين حزبه والفرنسيين، عقب لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالنائب محمد رعد.
ويطمح نصرالله إلى استنساخ الصورة الفرنسية في علاقة حزبه بالأميركيين، تزامناً مع وجود وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في بيروت. والطموح - التصور هذا يتوخى نتيجة واحدة: واشنطن وطهران في بيروت مباشرة، فلا داعي لوسطاء، ولا لرسائل غير مباشرة.
وفي رفضه الحكومة الحيادية، وإعلانه المحاذير السياسية للتحقيق الدولي في تفجير المرفأ، والذي لا يوافق عليه من دون أن يمانعه، وعدم إعلانه المواجهة مع الحشود العسكرية الدولية على بيروت؛ في هذا كله نحّى نصرالله جانباً القوى السياسية والسلطات والمجالس والمؤسسات اللبنانية كلها، ووضع نفسه في الواجهة: أنا من يحدد الشروط ويفرضها. ومن لديه شروط أخرى، عليه التفاوض معي.
هيل: لا وقت لتضييعه
لم تبدأ حتى الآن أي مفاوضات جدية محلياً لتشكيل الحكومة. القوى اللبنانية تنتظر ما ستتمخض عنه الزيارات الدولية، وتحديداً ديفيد هيل، لإطلاق المفاوضات الجدية، التي قد تبدأ الأسبوع المقبل، بعد إعلان حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
هيل كان واضحاً: لا مجال لإضاعة الوقت والغرق في تفاصيل المفاوضات، التي يعتبر الأميركيون أن حزب الله يريدها لكسب الوقت، في انتظار الانتخابات الأميركية. وهناك تكتم شديد حول ما جرى في المفاوضات بين هيل والرئيس نبيه بري في ملف ترسيم الحدود. وهناك في أميركا من يعتبر أن الحزب وبرّي قد طرحا هذا الملف رغبة منهم بكسب الوقت.
وقال الموفد الاميركي كلاماً واضحاً: واشنطن لن ترضى بالدخول في مضيعة جديدة للوقت. وهو لم يأت على التفاصيل، لأن الشروط الأميركية معروفة، وعلى اللبنانيين الالتزام بها للإنتقال إلى مرحلة أخرى.
حزب الله بين العلن والسر
وفي البروباغندا يقول حزب الله إن هناك تطابقاً بين وجهتيّ النظر الأميركية الفرنسية حول لبنان. بل إن ما يجري ليس سوى تنافس بين الطرفين، تحت سقف المبادرات المنسّقة. ويصف ذلك بالتنافس بين الاستعمار القديم والاستعمار الجديد.
أما في توجهاته الداخلية فيبدو أن حزب الله تلقف العرض الفرنسي وتبناه حرفياً: من الإصلاح المالي والاقتصادي، إلى إصلاح الكهرباء سريعاً، وصولاً إلى إعادة البحث في تغيير طريقة توزيع الوزارات والحقائب. فلا تكون وزارة الطاقة من نصيب التيار العوني. ويشمل التبديل الحقائب الأساسية والسيادية، من الداخلية إلى المالية والدفاع.
التصعيد داخلياً وحدودياً
أما الشروط الأميركية، فتبدو أبعادها أوسع من هذه التفاصيل والهموم التقنية. ولذا، حزب الله يلاقي الطروحات الفرنسية، للذهاب إلى التفاوض مع الاميركيين. وهذا فيما جدد نصر الله التعهد بالردّ على العملية التي أدت إلى مقتل أحد مقاتليه في سوريا.
والحديث عن الردّ على إسرائيل تجدد، وقد يكون قريباً وأحد عناصر المفاوضات المراد فتحها. وهي مفاوضات قد تطول، في حال عدم تحقيق تقدم، ولم يبد أي طرف استعداده لتقديم التنازل المطلوب. لذا قد يطول أمد الأزمة ويتأخر تشكيل الحكومة، وقد يشهد الوضع المزيد من التصعيد.
وهذا ما دفع نصر الله إلى تصعيد موقفه داخلياً، متوجهاً إلى اللبنانيين قائلاً: إذا ما كان أحد يراهن على هذه البوارج والحضور العسكري الأجنبي، سيخيب أمله. ثم اتهم بعض القوى بالسعي إلى حرب أهلية، داعياً جمهوره إلى كتم الغضب وحفظه حتى يحين وقته، "لحماية البلاد من حرب أهلية".
وهذه رسالة قرأها اللبنانيون على أنها تهديد واضح وتصعيد على المسار السياسي. ما يعني أن عملية تشكيل الحكومة ستطول، ما لم يحدث أمر استثنائي ومهم.
خيارا حزب الله
و"الأمر الاستثنائي" الذي قد يسرّع من إنجاز تشكيل الحكومة، يرتبط بحزب الله والأميركيين: ترسيم الحدود والصواريخ الدقيقة، ومراقبة المطار بعد المرفأ، والحدود اللبنانية - السورية. هنا سيكون الحزب بين خيارين: إما استمرار التصعيد ورفض التنازل، وإما التفاوض الجدي مع الأميركيين، على قاعدة التنازل عن ملفات أساسية، في مقابل احتفاظه بدور أوحد: تحديد المسارات اللبنانية تكليفاً وتأليفاً للحكومة، والتقرير في الوجهة السياسية اللبنانية.
ولكن ما تغيّر في لبنان، هو أمر أبعد بكثير عن هذه اليوميات والسرديات المزمنة: هذا الهجوم الدولي سيكون له مفاعيل كثيرة، ربطاً بالشروط والمبادرات المطروحة. كأنما أي حكومة لبنانية مقبلة، ستكون خاضعة لمراقبة مجلس إدارة دولي للبنان.
ومهمات هذه الحكومة ستكون إدارية. أما كل ما له علاقة بالمال والسياسة وغيرهما، فسيكون خاضعاً لتوصيات مجلس الإدارة الدولي. وحزب الله يريد أن يكون على تماس مباشر مع هذا المجلس، وتنحية كل اللبنانيين جانباً.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار