06-03-2020
محليات
وفي حين تتقاطع المؤشرات عند الاتجاه شبه النهائي لإعلان الحكومة بعد اجتماعها غداً، قرار عدم دفْع استحقاق 9 اذار البالغة قيمته 1.2 مليار دولار من دون أن يتّضح سياق هذه الخطوة التي سيليها تفاوض مع الدائنين وخصوصاً الأجانب على إعادة هيكلة للدين لم تعرف مرتكزاتها ولا مداها، فإن ما بعد “سبت السندات” لن يكون كما قبْله، سواء على صعيد كسْر سجلّ أبيض للبنان الذي لم يتخلّف يوماً في تاريخه عن دفع استحقاقاته وإدخاله المرتقب من مؤسسات التصنيف الدولية نادي البلدان المتعثرة، أو لجهة ما سيحْدثه مسار معالجة مأزق المديونية من انقلاب في النظام المالي – المصرفي بدأت أولى مؤشراته مع حجر القضاء على القطاع المصرفي عبر الحجز على أصول 21 من كبار البنوك التي تجد نفسها أيضاً مع “أخواتها” أمام تحديات أخرى ليس أقلّها إعادة هيكلة القطاع ورسملته.
ورغم أن فيروس “كورونا” بقي عنوان ذعر تصاعدي مع تسجيل إصابة جديدة أمس، للبنانية آتية من بريطانيا (ارتفع عدد الحالات إلى 16) غداة ربْط حالة أعلنت أول من أمس (في جبيل) برحلة قام بها المصاب لمصر والتخوّف من تداعيات ما كشف عن كسْر شابة آتية من إيران الحظر المنزلي وتوجّهها الى المدرسة في جنوب لبنان، إلا أن وقع الصداع المالي الخطر بدا أقوى من أن يطغى عليه تمدّد “كوفيد – 19” جغرافياً وعلى مستوى مصادر الإصابة به (إيران، بريطانيا ومصر) بما يرفع المخاطر من إمكان خروج الفيروس عن السيطرة.
وإذ كانت الأنظار شاخصةً على القرار الدراماتيكي المتوقّع في ما خص سندات يوروبوند والذي يرتقب أن يتوافق مع إعلان الخطة الإنقاذية التي ستعتمدها الحكومة بإزاء الانهيار المالي والسيناريوات المحتملة في تعاطي الدائنين الأجانب مع عدم دفع يوروبوند وبينها إمكان الحجز على أصول للدولة اللبنانية، صعق الواقع الداخلي بقرار غير مسبوق أصدره النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم وقضى بوضع إشارة “منْع تصرف” على أصول 20 مصرفاً لبنانياً وإبلاغها الى المديرية العامة للشؤون العقارية وأمانة السجل التجاري وهيئة إدارة السير والآليات وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف وهيئة الأسواق المالية، مع تعميم منع التصرف على أملاك رؤساء مجالس إدارة هذه المصارف.
وتوقفت أوساط مطلعة عند القرار الذي جاء على خلفية التحقيق الذي يجْريه ابراهيم في قضية القيود على سحوبات المودعين، وتحويل أموال إلى خارج لبنان بعد اندلاع ثورة 17 تشرين (مقدّرة بـ2.3 مليار دولار) وبيْع بعض البنوك حصتها من يوروبوند 9 اذار بعد إخضاعها لحسْم ناهز 50 في المئة لصناديق أجنبية أبرزها “أشمور” بما جعل نسبة حملة السندات من الأجانب تفوق 75 في المئة (منح “أشمور” حق الفيتو في مفاوضات إعادة الهيكلة)، معتبرةً أنه لا يمكن فصل هذا التطور المثير عن مجمل المسار الذي يحمّل القطاع المصرفي مسؤولية الانهيار المالي، ولا عن السعي إلى هزّ العصا لهذا القطاع ربْطاً بما بعد خيار عدم السداد، سواء في ما خص خريطة الطريق المتصلة بمجمل الدين العام أو بمحاولات دفْع المصارف لمعاودة شراء يوروبوند بما يعيد أكثرية الـ75 في المئة إليها في إصدار 9 اذار.
وبينما كانت الأنظار على ردّ جمعية المصارف على القرار الصادم الذي أوحى بأن الاستماع الذي حصل لرؤساء مجالس إدارة البنوك قبل أيام يتجه إلى منحى قضائي يتجاوز «الاستيضاح»، رأت المصادر عبر «الراي» أن هناك عملية ممنهجة للتعمية عن البعد السياسي الأساسي في الأزمة الوجودية التي تواجهها بلاد الأرز، ويعتبر المأزق المالي أكثر مظاهرها تجلياً، والمتمثّل في استرهان الواقع الداخلي لمشروع إقليمي رتّب أكلاف باهظة على صعيد إدارة السلطة وعلاقات بيروت مع العالم العربي والمجتمع الدولي وتسبّب بعزلة للبنان الذي كان يجد في دول الخليج السند الدائم له، والذي لن يكون بمقدوره الخروج من الحفرة المالية من دون مساعدتها ومعها أصدقاؤه الدوليون الذين يشترطون مساراً إنقاذياً يمرّ بصندوق النقد الدولي الذي يرفع حزب الله لا كبيرة بوجه “وصايته”.
أخبار ذات صلة