18-11-2019
مقالات مختارة
وليد شقير
وليد شقير
وإذا كان يوم أمس تميّز بنقلة جديدة في تراجع العلاقة بين “التيار الوطني الحر” وبين رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، بتبادل الاتهامات حول المسؤولية عن إفشال الصيغة الحكومية المفترضة للانتهاء من الفراغ القاتل، فإنه دليل على أن المخرج من المأزق بعيد المنال. فالبلد ذاهب إلى المزيد من الخصومات السياسية وتبادل الحملات بين الشريكين الرئيسيين في ما سمي “التسوية الرئاسية”، التي لم تنتج إلا تمديداً مقنّعاً لشلل الدولة الذي سبق انتخاب العماد ميشال عون للرئاسة، مهما حاول المعنيون تجميل السنوات الثلاث الماضية بإنجازات كبرى ليس فيها خطوة جوهرية سوى إجراء الانتخابات النيابية على قانون جديد، بات مرذولاً من كثير من القوى السياسية التي صنعته. وهذا يوجب أن نحتسب الشلل بخمس سنوات ونصف السنة.
السجال القائم هو ليس بين التيارين البرتقالي والأزرق فقط، لأن الأول يقول بالحريري ما يريد “حزب الله” أن يتهمه به، كالإخلال بالاتفاق على تزكية الوزير السابق محمد الصفدي لتأليف الحكومة، وبالمماطلة.
يتجاهل من رتبوا “الاتفاق الرباعي” على تزكية الصفدي من أجل حكومة تكنو-سياسية، مطلب الحراك بحكومة اختصاصيين لا تضم أياً من ممثلي أحزاب السلطة. ومن يعتقدون أن الحريري يماطل من أجل العودة، أو الذين يتمنون أن يقود فشل ذلك الاتفاق إلى إعادة ترشيح الحريري على رأس حكومة تكنوقراط مع بضعة “مسيّسين” غير الحزبيين، يتجاهلون أيضاً مطلب الحراك الشعبي، ويقنعون أنفسهم بأنها صيغة قد يرضى بها الثائرون على الطبقة الحاكمة، في وقت ما زال هؤلاء على شعار “كلن يعني كلن” خارج الحكومة، حتى لو حاز الحريري على المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي، بعد مرشحين هم أقرب إلى الحراك.
ومع فرضية اقتناع بعض المدركين لأهمية إرضاء الحراك بأن قياداته قد تقبل برئاسة الحريري إذا كان وزراؤه من الاختصاصيين المستقلين، غير السياسيين، فإن ما جرى بحثه بين أركان “الاتفاق الرباعي” يجافي الواقع الشعبي الذي تخطى التوازنات السياسية المتحكمة بالسلطة.
السؤال الذي يتجنبه احتدام سجال الساعات الماضية بسيط: هل المطلوب حكومة تخرج المحتجين من الشارع أم حكومة تبقيهم فيه؟
النتيجة الرئيسة لكل المحاولات التي جرت حتى الأمس هي بقاء الحراك، وتصاعده، خلافاً للتوقعات التي أقنع بعض كبار المسؤولين والزعامات بها، عن أنه سينتهي قريباً. إنه ليس إنكاراً لما أنتجه جهابذة التوازنات السياسية السابقة من رد فعل شعبي وشبابي عارم فقط، بل هو جهل بما سينتجه تمديد المأزق من دوافع سياسية لاستمرار الحراك الشعبي. ولم يعد ينفع الحديث الممل عن استغلال سفارات ودول للاحتجاجات الشعبية من أجل تخيّل المؤامرة المقبلة.
نتائج تأخير الخروج من المأزق الحكومي الكارثية لا تقف عند حدود، إلا إذا كان المعنيون لا يدركون معنى الانخفاض المخزن لقيمة سندات الخزينة اللبنانية باليوروبوند (الصادرة لسبع سنوات) إلى 49 في المئة، وارتفاع التأمين عليها (في حال عجز لبنان عن تسديدها) إلى 50 في المئة من قيمتها.
لا تنفع تفاصيل السجالات الدائرة في معالجة القصور المالي والاقتصادي للبلد. وإذا كانت الأوساط المالية والاقتصادية تتحدث تارة عن إعادة هيكلة الدين، وأخرى عن إعادة هيكلة المصارف وثالثة عن إعادة هيكلة الإدارة، فإن لبنان بات يحتاج إلى إعادة هيكلة سياسية لمؤسساته، بدءاً بتركيبة حكومته.
وفوز ملحم خلف الكبير بانتخابات نقابة المحامين أمس أحد المؤشرات لتوق المجتمع إلى إعادة الهيكلة في السلطة.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار