13-11-2019
محليات
إما نتيجة قطع الطرقات وحرق الإطارات المطاطية أو نتيجة القلق من التوترات المتنقلة. ما زاد من هذا القلق والتوتر، التطور الخطير الذي شهدته منطقة خلدة، حيث أصيب أحد المعتصمين بطلق ناري في الرأس ما ادى إلى وفاته. مطلق النار، مرافق لمسؤول مخابرات الجيش في الشويفات، والأخير محسوب على النائب السابق وليد جنبلاط. فيما الشاب الذي قضى (علاء أبو فخر) أمام أفراد عائلته، كان ناشطاً بارزاً في الحزب «التقدمي الاشتراكي»، وانضمّ أخيراً إلى مجموعات الحراك المدني. إثر الحادثة سارع جنبلاط إلى مستشفى كمال جنبلاط في الشويفات، عاملاً على تهدئة جموع الغاضبين، ومؤكداً على أنه «ما إلنا إلا الدولة، وإذا فقدنا الأمل فيها هناك خطر الفوضى». وأصدرت قيادة الجيش بياناً أشارت فيه إلى أنه «أثناء مرور آلية عسكرية تابعة للجيش في محلة خلدة، صادفت مجموعة من المتظاهرين تقوم بقطع الطريق فحصل تلاسن وتدافع مع العسكريين مما اضطر أحد العناصر إلى إطلاق النار لتفريقهم ما أدى إلى إصابة أحد الأشخاص. وقد باشرت قيادة الجيش تحقيقاً بالموضوع بعد توقيف العسكري مطلق النار بإشارة القضاء المختص». بيان الجيش الذي استبق التحقيق مبرراً إطلاق النار، زاد من الالتباس بشأن دور قيادة المؤسسة العسكرية. فبعض النقاط التي قطعت بها الطرقات ليل امس كانت عملياً تحت سيطرة الجيش واستخباراته. وللمرة الثانية، يتورط الجيش بإطلاق النار على المحتجين (الاولى في البداوي). وتبدو قيادة الجيش ومديرية المخابرات كمن يشجّع على قطع الطرقات في بعض المناطق، ولا تجيد فتحها إلا بعنف مفرط في مناطق أخرى.
ما جرى في خلدة ساهم في تأجيج مظاهر الغضب، وتوافد المئات إلى ساحات الاعتصام، حيث ركزت الهتافات، للمرة الأولى منذ بداية الانتفاضة، على المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، بعد أن تضمنت مقابلته ما رأى فيه المحتجون استفزازا لهم، ولا سيما قول عون، تعليقاً على فقدان الثقة بالسلطة، «إذا ما في عندهم أوادم يروحوا يهاجروا… ما رح يوصلوا للسلطة». لكن تجدر الإشارة إلى أن قرار قطع الطرق كان متخذاّ منذ ما قبل مقابلة عون، وشارك فيه، خاصة في عدد من شوارع بيروت والطريق الساحلي والبقاع، مناصرون لتيار المستقبل وجنبلاط والقوات اللبنانية بكثافة، إضافة إلى مجموعات تتأثر بقيادة الجيش واستخباراته.
كما تضمنت المقابلة مجموعة من الرسائل التي وصفت من قبل المتظاهرين بالسلبية، لا سيما اعتباره أنهم «يضربون الوطن بالخنجر… بالثورة ما رح نروح». ورأى أن «هناك خروجًا عن العهد الدولي بإغلاق الطرقات لأنهم ضربوا حقوق 4 ملايين ونصف مليون بحرية التنقل، مع العلم أنه كان يمكن استخدام العنف إلا أننا حافظنا على الهدوء، الا أن الصدام بدأ بين المواطنين».
كما حذّر رئيس الجمهورية اللبنانيين من أن «يكونوا سلبيين خصوصاً الذين في الحراك لأن السلبية تؤدي إلى سلبية معاكسة ما يوصل حتماً إلى صدام لبناني لبناني». واتهم عون المتظاهرين بضرب لبنان ومصالحه… إذا أكملوا على المنوال نفسه. وهو إذ قال: فهمنا مشاكلكم ومطالبكم وعنا استعداد نصلح كل شي غلط»، فقد أكد إنهم «إذا بقيوا مكملّين في نكبة.. البلد بيموت حتى لو ما ضربناهم كف».
حكومياً، وبالرغم من أن الرئيس ميشال عون طمأن إلى أن المشاورات النيابية الملزمة صارت مسألة أيام، إلا أنه ربط ذلك بالحصول على أجوبة من المعنيين على النقاط الأخيرة المتبقية بعد تجاوز صعوبات كثيرة. وهو ضرب موعداً مبدئياً الخميس أو الجمعة، لكنه ترك الاحتمالات مفتوحة على مزيد من التأجيل إلى حين تذليل بعض العقبات. الموقف الرئاسي الداعي إلى تشكيل حكومة تكنو – سياسية، والذي يعتبر أن حكومة تكنوقراط صرف لا يمكن أن تحدد سياسة البلد ولا تكون ذات صفة، إنما يعني أن الخلاف لا يزال قائماً على شكل الحكومة ووجهتها. فالرئيس سعد الحريري يتمسك، بالرغم من كل الأجواء الإيجابية التي خرجت في الأيام الماضية، بخيار من اثنين، إما يوافق على ترؤس الحكومة شرط أن يختار هو أعضاءها، ويكونوا من الاختصاصيين، أو يتخلى عن هذه المهمة، فتعمد الأكثرية النيابية إلى اختيار حكومة تكنوسياسية. وإن لم يوضّح الحريري كيف سيتعامل مع حكومة ليس رئيسها، إلا أنه كان لافتاً أنه قبيل انتهاء الحوار المتلفز لرئيس الجمهورية، كانت الطرقات تقفل تباعاً في مناطق محسوبة سياسياً على تيار المستقبل، قبل أن تمتد إلى مناطق عديدة في بيروت وخارجها. وقد فسر البعض ذلك بأنه جولة جديدة من استعمال الحريري وجنبلاط والقوات للشارع في المفاوضات الحكومية، خاصة أن عون لم يترك مجالاً لتأويل موقفه الرافض لحكومة اختصاصيين صرف، وإن لم يمانع عملياً بألا يكون الوزير جبران باسيل عضواً فيها، بإشارته إلى إمكان تأليف حكومة من غير النواب. وفي الوقت عينه، دافع عون عن حق حزب الله بالمشاركة في الحكومة، قائلاً: «لا يمكن أن يفرض عليي استبعاد حزب يشكل ثلث الشعب اللبناني».
في مقابل المراوحة الحكومية التي عبّر عنها عون والحريري، كان لافتاً أن مصادر الوزير جبران باسيل استمرت في بث الأجواء الإيجابية، مؤكدة أن تقدماً ملحوظاً تشهده المفاوضات. لكن عملياً، وأمام إصرار الحريري على تشكيل حكومة «متجانسة» يختار أعضاءها بنفسه، مقابل إصرار عون وحزب الله على حكومة من السياسيين والاختصاصيين على السواء، تكون هذه الجولة من المفاوضات قد انتهت إلى عدم اتفاق على الأولويات. علماً أن عون قال إن «الحريري متردد في رئاسة الحكومة ولا أعرف اذا كان لا يزال مترددا لأنه لم يعطني جوابا واذا كان هناك أسباب خارجية يعرفها أصحاب العلاقة».
ووصل أمس إلى بيروت الموفد الفرنسي، مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية، كريستوف فارنو، ليلتقي عدداً من ممثلي القوى السياسية. وبالتزامن، اتسعت الاتصالات من قبل السفارتين الاميركية والبريطانية مع قوى سياسية، وممثلين عن «المجتمع المدني»، وسط كلام كثير عن «نصائح غربية بمعالجة تقوم على فكرة الحكومة غير السياسية». ونقل متصلون بالسفيرة الاميركية أسئلة حول تأثير ما يحصل على صورة حزب الله في الشارع، وعلى قدرة الجيش على تولي ادارة الامن على كامل الأراضي اللبنانية». فيما نقل سياسيون من العاصمة الفرنسية «نقاشات لافتة عن الصيغة القائمة في لبنان، وان الحديث تجاوز التسوية الرئاسية ليلامس السؤال عما اذا كان اتفاق الطائف لا يزال فعالا». ولمس هؤلاء انه «للمرة الاولى بدأت تتردد في أوساط غربية اجواء عما اذا كانت هناك حاجة الى تدويل الازمة من باب الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة باشراف دولي».
وكان عون قد قال في مقابلته: «لست مدينا لأحد سوى اللبنانيين الذين قدموا دعما لي، انتخبت رئيسا دون دعم دولي وهم قدروا أنه لدي قدرة على جمع اللبنانيين وأنا وحدتهم ضمن حكومة واحدة ولكن بقي هناك الخلل، الحراك يدل على أنه حصل وحدة وطنية واستقلالي بمواقفي أمام الجامعة العربية والأمم المتحدة سببت لي المشاكل»، لافتاً إلى انه «لدي عجز بالنسبة لصلاحياتي، نظامنا التوافقي بمجلس الوزراء يشل الحركة ولا يعطي هامشا كبيرا للعمل، التوافق يحصل على الأمور الميثاقية وعلى حقوق الطوائف، ولكن غير ذلك التشريع والعمل يجب أن يكون بالأكثرية ويجب أن يكون هناك معارضة بالحكم وبالمجلس حتى يكون هناك مراقبة. لدينا عجز عن التنفيذ لأن القدرة على التنفيذ كانت مشلولة». ورأى «أنني من الذين يريدون المكافحة للعودة الى النظام الأكثري بالتشريع والميثاقية تكون بحقوق الطوائف بحسب الدستور، الميثاقية فقط بما ينص عليه الدستور وهذا الشيء أساسي لانتظام العمل السياسي. هناك من يشرع ويراقب وهناك قضاء يحاسب»، منوهًا بأن «باسيل هو الذي يقرر اذا يريد المشاركة في الحكومة، هو لم يكن يريد المشاركة في هذه الحكومة ولكن هناك ظروفاً أجبرته على أن يكون وزيرا للخارجية، لا أحد يمكن أن يمنعه من حقه أو يفرض عليه فيتو بنظام ديمقراطي وهو رئيس أكبر كتلة مسيحية».
وعن العقوبات الأميركية على حزب الله وإمكان فقدان أموال سيدر، ذكّر الرئيس عون بأن «حزب الله ملتزم بالقرار 1701 ولا يتدخل في أي موضوع على الأرض اللبنانية، وما فرض على الحزب ماليا فرض على كل اللبنانيين. اصطدام اللبنانيين في الداخل وحصول حرب أهلية لن يحصل في عهدي على الأقل». وطوى عون «الورقة الإصلاحية» التي أقرتها الحكومة المستقيلة، بالقول: «لدينا أوراق نبحثها أفضل مما قدمه الحريري في مهلة الـ72 ساعة». وتوجّه الى البنانيين بالقول: «لا تتهافتوا الى المصارف لسحب أموالكم فالودائع مضمونة بكاملها». والى المنتفضين، قال: «فهمنا المشاكل والمطالب ولدينا إستعداد لتصحيح الخطأ ولكن لا تدمروا البلد بسلوكياتكم ولا تخربوا لبنان وتستمروا بتطويق السلطات الرسمية، فإقفال الطرقات وتعطيل الدراسة وإقفال المؤسسات العامة يشكل تعطيلًا وشللًا للبلد. ليراجعوا تاريخي وليبقوا معي إذا أعجبهم، وإذا لا سأرحل أنا». وجزم «أنني لست خائفا على العهد بل أخاف على لبنان اذا استمر الضغط علينا من دون أي مساعدة من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أنا متحالف مع كل اللبنانيين».
أخبار ذات صلة