08-11-2019
مقالات مختارة
غادة حلاوي
غادة حلاوي
وكأن الاستدعاءات القضائية في سباق مع الحراك الشعبي. أقله هي حرّكت ملفات قضائية بقيت مركونة في أدراج القضاء لسنوات طويلة. وعلى كثرتها بات المواطن في ضياع من أمره مَن ادّعى على مَن وما هي التهمة؟
أمطرت سماء القضاء ملفات بعدما بحّت أصوات الناس تسأل: “من أين لك هذا؟” والقضاء يصم آذانه حتى بات مشمولاً بالاتهام.
فجأة ومن دون سابق موعد، أعلن أمس أن النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم أنهى جلسة الإستماع الى إفادة الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة في مقر النيابة العامة المالية في قصر عدل بيروت، في حضور وكيله الوزير السابق رشيد درباس. ثلاث ساعات من الوقت وأكثر أمضاها السنيورة يشرح تفاصيل ملف صرف الـ 11 مليار دولار عندما كان رئيساً للحكومة بين عامي 2006 و 2008.
وفق ما سبق وأعلن المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات كان يفترض أن يتم الاستماع الى افادة السنيورة في 14 الجاري لتعذر ابلاغه موعد جلسة كان مقرراً أن تحصل أمس الاول، وإذا بالرئيس الأسبق للحكومة يفاجئ ابراهيم بحضوره بعد أن كانت بعض التصريحات الإعلامية نقلت عن لسانه رفضه الذهاب لزيارة المدعي العام.
الجلسة حصلت
كل القضايا المثارة في كفة وقضية الرئيس الأسبق للحكومة في دفة مقابلة. يستدعى فيتعذر ابلاغه، ترجأ الجلسة، وفي اليوم الثاني يزور المدعي العام من دون سابق إعلان. فماذا حصل؟
وفق المعلومات أن القضاء عاد وأبلغ السنيورة بتقديم موعد الجلسة إلى اليوم، إلتزم بالموعد وحضر إلى ابراهيم وبالتالي “المبدأ تحقق والجلسة حصلت”، غير أن مصدراً قضائياً أبلغ “نداء الوطن” أن السنيورة لم يبلّغ ولكنه حضر لزيارة ابراهيم من تلقاء نفسه. وأضاف: كان متعذراً حضوره في ضوء الاعلان عن الجلسة مسبقاً لاحتمال استنفار المحتجين أمام قصر العدل، وما حصل كان أسلم وأفضل.
وعما تضمنته الساعات الثلاث، قال المصدر: كانت جلسة استجواب حول الفترة التي كان خلالها السنيورة وزيراً للمال في التسعينات ورئيساً للحكومة وكان مبلغ الـ 11 مليار دولار محطّ جدل، وتقدم السنيورة بما لديه من معلومات وأدلى بافادته بشكل عادي، فكرر ما سبق وقاله للإعلام مع فارق أنه يقوله اليوم ضمن استجواب وتحقيق رسمي.
وتابع أن التحقيق في الملف لم ينته بعد وابراهيم سيقوم باستدعاء أشخاص آخرين على قدر من الاهمية للاستماع إلى افادتهم، معتبراً أن “المهم في الموضوع أن الملف سلك الدرب الصحيح وتحريكه خطوة مهمة”.
وعما إذا كان الرأي العام سيشهد نهاية قضائية لهذا الملف بعيداً من التدخلات السياسية، فضل المصدر عدم الذهاب بعيداً في التفاؤل: “إذا لم يحصل تعديل في القوانين ونشهد نهضة تشريعية فلست متفائلاً ابداً”، ويتابع: “تلزمنا نهضة بالقوانين وفي إعادة هيكلية المؤسسات وجعلها نموذجية عصرية لأن لبنان بلد متخلف مئة عام وحاله يرثى لها”.
وإذ يؤكد أن القضاء في صدد تحريك المزيد من الملفات دفعة واحدة، يوضح أن سبب تحريكها في هذا التوقيت مرده إلى أن القضاء و”حين كان يحتاج في السابق إلى أذونات أو رفع حصانات، كان يرسل طلب الاذن أو رفع الحصانة فيصار إلى رفضه أو لا يأتينا الجواب، لكن الغطاء رُفع، وقد أصدر القاضي المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات تدبيراً يقضي باعطاء الاذن بالملاحقة بعد مرور شهرين على تقديم طلب الاذن من دون جواب المعنيين”.
لكن هذا الكلام لا يعفي أن يكون القضاء موضع مساءلة فهل يمكن أن يندرج فتح الملفات في سياق كونه تنفيساً للأجواء المشحونة في الشارع؟ وهل يمكن عزل ما يجري عن رفع غطاء سياسي أو تلويح سياسي من جهة ما إلى جهة أخرى؟ وطالما المدعي العام هو نفسه والقضاء نفسه منذ الفترة السابقة ولغاية اليوم فما الذي طرأ؟ بقي ملف السنيورة في الادراج لسنوات طويلة خلت، ويوم أثير اعتبر مفتي الجمهورية أن السنيورة خط احمر فوضع الملف على الرف مجدداً، فما الذي حصل؟ وهل يمكن أن يكون المقصد الاكتفاء في جلسة وصفت بالطويلة جداً كدلالة على أن الموضوع يعالج بجدية ودقة؟ هذا في الشكل، أما في المضمون فهل ستنجح الملاحقة بحق وزير ورئيس حكومة سابق سواء كان السنيورة أو غيره؟
في الحيثيات القضائية لا يمكن للقضاء أن يبرئ السنيورة أو يدينه بوصفه كان في الفترة المدعى عليه خلالها وزيراً ورئيساً للوزراء، أي أنه كان مشمولاً بحصانة تستوجب محاكمته أمام المحكمة العليا لمحاكمة الرؤساء والوزراء وحسب الدستور، فالمطلوب موافقة ثلثي مجلس النواب لملاحقته.
السنيورة “تحت سقف القانون”
الواضح أن الرئيس السنيورة أراد وضع حد لاتهامه في هذا الملف. وفي بيان مسهب، أعلن تفاصيل الجلسة المطولة مع القاضي ابراهيم موضحاً أن زيارته جاءت “تأكيداً منه على احترامه للقضاء اللبناني، واعتباره أنّ الجميع ينبغي أن يكونوا تحت سقف القضاء والقانون”.
وفق البيان: “طرح القاضي ابراهيم على الرئيس السنيورة مجموعة مطوَّلة من الأسئلة، تناولت فترة توليه المسؤولية في وزارة المال؛ وبعدها كرئيس لمجلس الوزراء. ولقد تناولت هذه الاسئلة شؤوناً مختلفةً بشأن عمل وزارة المال، وكذلك أيضاً مسألة الإنفاق الإضافي بما يعادل الـ11 مليار دولار التي شرح الرئيس السنيورة أنها ناتجة عن الخلط في ذهن البعض من غير المختصين أو العالمين بشؤون الموازنة والإنفاق، ما بين “حساب الموازنة” و”حساب الخزينة” الأمرين المختلفين تماماً؛ مالياً وحسابياً، وذلك الإنفاق الذي تمّ خلال فترة تعطيل مجلس النواب وضمن الظروف الاستثنائية والصعبة آنذاك”.
أوضح السنيورة “طبيعة، وإلزامية، وموجبات القيام بذلك الإنفاق الإضافي، والأوجه القانونية التي تمّ الاستناد إليها خلاله. كما عمد إلى تفنيد تلك المبالغ بكاملها للمدعي العام المالي، وكونها أنفقت لتلبية حاجات الدولة اللبنانية، ولتسديد مبالغ متوجبة عليها؛ وذلك تجنباً للمخاطر التي قد تقع على الدولة، وعلى المواطنين اللبنانيين، في حال عدم تسديد تلك الموجبات. هذا فضلاً عن أنّ إنفاق تلك المبالغ، استند إلى القوانين والأصول المرعية الإجراء في “قانون المحاسبة العمومية” المعتمد من قبل الدولة اللبنانية، وهي مسجلة بالكامل في حسابات وزارة المالية والوزارات الأخرى المعنية”. وأوضح البيان أن “السنيورة هو أول من نادى وينادي بالالتزام بالقوانين، وقواعد الشفافية، والحوكمة، والحكم الرشيد، وهو يأمل أن يكون القانون والحرص على تطبيقه هو أساس العمل العام باستمرار”.
مذكراً بأنه أحال في أيار من العام 2006 إلى مجلس النواب مشروع “قانون التدقيق المالي” على حسابات الدولة اللبنانية السابقة واللاحقة من قبل مؤسسات التدقيق الدولية؛ تأكيداً منه على “مبدأ الإفصاح والشفافية”؛ لكي تُعرفْ كل أوجه الإنفاق والصرف خلال السنوات الماضية، وفي المستقبل؛ ولكي تتبين للشعب اللبناني كل الحقائق، وهو المشروع الذي لا يزال قابعاً في إدراج مجلس النواب.
أخبار ذات صلة
محليات
السنيورة الى القاهرة
أبرز الأخبار