22-06-2019
مقالات مختارة
محمد وهبه
محمد وهبه
أثناء مناقشة مشروع موازنة 2019، تلقى أحد المسؤولين اللبنانيين، اتصالاً من الشخص المعني بمتابعة ملف لبنان لدى وكالة التصنيف ”موديز“ وقال له ساخراً: ”الضريبة بقيمة ألف ليرة على الأرغيلة هي الإصلاحات الهيكلية التي التزم لبنان بها؟». بعدها، تبيّن أن وكالة ”ستاندر أند بورز“ أجرت أكثر من لقاء واتصال مع مسؤولين لبنانيين، بينهم أحد الوزراء، وأبلغتهم أن الوكالة تحتفظ بشكوك واسعة بقدرة لبنان على الالتزام بتطبيق الإصلاحات وبسرعة تنفيذها. كذلك أشارت ستاندر أند بورز إلى أن المشروع ”المجهول“ حول إجراء عملية مع المصارف تتضمن اكتتابات بقيمة 11 ألف مليار ليرة بفائدة 1% لا ينطوي على نتائج إيجابية، بل يحمل أثراً سلبياً واسعاً على القطاع المصرفي. المسؤولون اللبنانيون فهموا كلام ستاندر أند بورز على أنه أمر سلبي سيدفعها إلى خفض تصنيف لبنان بين آب وتشرين الأول المقبلين.
لا شكّ في أن سخرية ”موديز“ تكمل شكوك ”ستاندر أند بورز». الاثنان يدركان أن لبنان يقف على منعطف خطير نقدياً ومالياً. الدلائل على هذا الموقع كثيرة، وأبرزها سقوط الاقتراح الذي جرى تضمينه في مشروع الموازنة لتحصيل نحو 380 مليون دولار من خلال فرض رسم جمركي إضافي على كل الواردات بمعدل 2%. لجنة المال والموازنة ردّت المشروع بضغط اساسي من نواب حزب الله لإعداد اقتراح بديل يجنّب الطبقات المتوسطة والفقيرة كلفة باهظة. كذلك، لم تظهر إشارات جديّة إيجابية متصلة بإصدار الخزينة سندات دين تكتتب بها المصارف ومصرف لبنان بقيمة 11 ألف مليار ليرة وبفائدة 1% بما يؤدي فعلياً إلى إلغاء خدمة الدين لعام 2019 من نفقات الموازنة… ليست المسألة متّصلة حصراً بالبدائل عن هذين الاقتراحين وانعكاسهما على نتائج مشروع موازنة 2019 من خلال إلغاء مبلغ الـ380 مليون دولار (نصفه مدرج في الموازنة على أساس أن تطبيقه يمتد على ستة أشهر من 2019 فقط) ليرة من الإيرادات المتوقعة، وإلغاء نحو 700 مليون دولار من خدمة الدين العام، بل هي تشمل وعي وقدرة الطبقة السياسية على حجم الأزمة التي لم يصل لبنان إلى عين العاصفة فيها بعد. فهذه الطبقة ترسم سياسات وتتخذ إجراءات غير موثوقة محلياً ودولياً، وهي مجرّدة من أي هدف اقتصادي، فيما تركّز على الترقيع وشراء المزيد من الوقت بكلفة باهظة.
نواب لجنة المال والموازنة ووكالات التصنيف ليسوا وحدهم من ينظر إلى مشروع الموازنة والوضع الاقتصادي والمالي العام من هذه الزاوية، بل انضمّت إليهم أيضاً المفوضية الأوروبية التي حذّرت من مخاطر أزمة ثلاثية: نقدية، مصرفية، دين عام. ترى المفوضية في تقرير صدر هذا الشهر، أن مؤشرات العجز في لبنان ”بعيدة جداً عن التزامات لبنان في مؤتمر سيدر». كذلك تشير إلى أن الحكومة التزمت بإصلاحات ”لا تزال عالقة»، فيما تتوقع ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 150%، وبلوغ عجز الحساب الجاري 27% من الناتج المحلي الإجمالي في ظل ”تباطؤ التدفقات خلال السنوات الأخيرة، وتحوّلها إلى سلبية (هروب الودائع) في أول شهرين من السنة، وارتفاع معدلات الفائدة، وارتفاع مخاطر لبنان بشكل عام».
ومن التحديات الرئيسية التي تثير قلق المفوضية، أن المشاكل البنيوية ازدادت، ”ما يبرّر خفض تصنيف لبنان فيما كل هذه التحديات والتطورات تثير الشكوك في قدرة لبنان على المقاومة التي اتّسم بها تاريخياً».
المفوضية توغّلت في الحديث عن عجز الموازنة. ترى أن خدمة الدين باتت تأكل وحدها نصف الإيرادات، والكهرباء تستهلك 15% أيضاً، والنفقات تتزايد في ظل ارتفاع معدلات الفائدة وارتفاع أسعار النفط. أما التقاعد في لبنان فهو ”مكلف وموزّع بشكل غير متوازن، ولا يستفيد منه أكثر من 2% من السكان، فيما حصّته من الناتج تبلغ 2.5%».
«موديز» تسخر من فرض رسم على «الأرغيلة بوصفه «إصلاحات هيكلية»
وتضيف المفوضية أن إعلان قطر الاكتتاب بسندات خزينة لبنانية بقيمة 500 مليون دولار، ثم الدعم السعودي غير المحدد، كان لهما دور في تهدئة الأسواق بصورة مؤقتة، إلا أنهما لا يؤديان بأي شكل من الأشكال إلى ”معالجة المشاكل الاساسية».
عند هذا الحدّ تذهب المفوضية في اتجاه إعادة إنتاج الوصفات الجاهزة نفسها التي يقدّمها صندوق النقد الدولي، أي زيادة ضريبة القيمة المضافة، ورفع الدعم عن الكهرباء، واحتواء فاتورة الأجور في القطاع العام. لكنها تلفت إلى أهمية إصلاح النظام الضريبي، ملمّحة إلى ”فجوة“ في ضريبة القيمة المضافة يمكن ردمها لتحصيل ما نسبته 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
بالنسبة إلى الوضع النقدي، ترى المفوضية أن تثبيت سعر صرف الليرة تجاه الدولار كان عاملاً أساسياً في الاستقرار، ”إلا أن هناك مؤشرات على تضخّم سعر الصرف الحقيقي، ما يضغط على احتياطات مصرف لبنان». بالنسبة إليها، إن تحرير سعر الصرف قد يحفّز الصادرات، لكنه يخلق موجة من زيادة أسعار السلع المستوردة ويضغط على محفظة الديون بالعملات الأجنبية، ”ما سيؤدي إلى تخلف لبنان عن سداد ديونه».
وتعتقد المفوضية الأوروبية أن تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار، يهدّد القطاع المصرفي بفعل ثلاثة عناصر أساسية: عدم التطابق بين آجال توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان الطويلة الاستحقاقات، مقابل ودائع قصيرة الأجل وتركز مرتفع فيها. ”مصرف لبنان أعطى حوافز لتشجيع إطالة آجال الودائع، ووضع قيوداً على السحوبات». وهناك نسبة دولرة مرتفعة، وانكشاف المصارف على الدين السيادي.
من أبرز الخلاصات التي تضمنها تقرير المفوضية الأوروبية أن ”النمو في لبنان مقيّد باقتصاد يعتمد بنسبة كبيرة على الخدمات غير الإنتاجية، فيما لديه بنية تحتية تتطلب استثمارات كبيرة، والنظام السياسي أبطأ اتخاذ القرارات الكبرى وأحياناً أدّى إلى شللها، ومكافحة الفساد مشكلة كبيرة…».
لكل هذا المشهد، فإن النظرة المستقبلية للمفوضية تتخلص بالآتي: من دون إصلاحات ملموسة، إن مخاطر لبنان تكمن في أزمة دين عام، وأزمة نقدية، وأزمة مصرفية. ترى المفوضية أنه يجب على الحكومة اللبنانية أظهار صدقية على المدى المتوسط ضمن استراتيجية واضحة تضع العجز على مسار الاستدامة، فضلاً عن ضرورة استعادة ثقة المستثمرين وإعادة التدفقات.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
180 درجة مطلوبة بين موازنة 2019 و2020!
من دون تعليق
لبنان يطلب تأجيل تصنيف وكالة "ستاندرز اند بورز"