14-01-2019
عالميات
من المؤشرات التي تدفع باتجاه دعم التغيير من داخل إيران، أن العقوبات الأميركية الجديدة تُفصحُ في جوهرها عن تراجع خيار التدخل المباشر لإسقاط النظام مقابل حرمانه من الموارد، إلى أن ينضج خيار الانهيار من الداخل ويحدث التأثير المطلوب بأقل الخسائر الممكنة. والسبب في تفضيل هذا الخيار أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشكل عام في مواجهة مع مجموعة أزمات عالمية مركّبة ومتداخلة، ولم يعد هناك أي استعداد لخلق المزيد من الإشكاليات وبالذات في منطقة الشرق الأوسط، لكن هذا لا يلغي الترحيب بأي تحول داخلي في إيران بأقل التكاليف، وهو متوقع بالفعل، وبحاجة فقط إلى نضج القوى المحلية الإيرانية واستثمارها للفرص التي تسمح بتحرك أشمل ضد النظام، بحيث تتجاوز مرحلة تعرية فساده ونفقات حروبه الإقليمية التي يتم اقتطاعها على حساب المواطن الإيراني الغارق في البؤس والضياع.
التوقعات تشير إلى أن العام الجاري، 2019، سيكون حاسماً في إيران لجهة خسارة النظام كافة الأساليب والحيل التي يلجأ إليها للتأقلم مع العقوبات القاسية وامتصاص آثارها الكارثية على الاقتصاد. وإذا كان العام الماضي قد شهد احتجاجات شعبية في نحو 100 مدينة إيرانية فإن العام الجاري ينتظر غضب فئات وشرائح اجتماعية ومهنية داخل أخرى تضاف إلى الفئات الغاضبة والمتضررة من انهيار العملة وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل عام.
كما تراود الشكوك النخب المعارضة للنظام في الداخل حيال مقدرته على امتصاص الصدمات المتوالية والهزات الاقتصادية التي سوف تحدثها العقوبات النفطية، وبالذات عندما تنتهي فترة السماح لبعض الدول باستيراد النفط الإيراني، بعد أن تجد لنفسها بدائل.
تحاول إيران تسويق الأوهام، وتشيعُ في أوساط الإيرانيين أن نفطهم سيظل يباع في السوق العالمية بطرق ملتوية، وهذا خيار غير مضمون ويخضع للرقابة وتبقى احتمالات نجاحه ضئيلة جداً. وكانت بعض تحايلات إيران على العقوبات السابقة تنجح جزئياً في بعض الأوقات، لكن العقوبات الراهنة أشد قسوة وتطال مصدر دخل النظام من العملة الأجنبية، وتعمل على تعطيل استفادته من النفط إلى حد الشلل. ويمهد الانخفاض المستمر لقيمة العملة الإيرانية لتدهور مضاعف وشامل في الاقتصاد الإيراني، ويرجح أن يعمل ذلك على رفع مستوى الغضب الشعبي وعلى استثمار رموز المعارضة للغليان بهدف إنضاجه والانتقال به من مرحلة انتقاد النظام، إلى بحث آليات مستقبلية للتغيير.
أما التطور الأهم الذي يرصده المتابعون للشأن الإيراني والذي من المتوقع أن يعجل من الانهيار الداخلي فهو ارتفاع سقف الجرأة ضد النظام، وتطور خطاب رموز المعارضة بانتقاله إلى مرحلة نقد المرشد الأعلى، وهذا المنصب كان مقدساً في ما مضى ويمنع التعرض له بأي درجة من درجات النقد، بينما تغير الحال في مؤشر يعتبره الإيرانيون غير مسبوق بعد أن نشرت صحف إيرانية ما يفتح الباب أمام كسر المحرمات السياسية التقليدية وزلزلة هيبة النظام.
لقد فتح الخطاب الإعلامي والنخبوي المعارض في إيران الأبواب أمام تناول الثوابت التقليدية بالنقد والمراجعة، وإزالة القداسة عن حروب النظام الخارجية القديمة والجديدة، والتشكيك في جدواها، والمطالبة بوقف إهدار الأموال على الحروب العقائدية، مقابل دعوات متزايدة للالتفات نحو الاهتمام بالمصالح الإيرانية بدلا من التدخلات العقيمة في شؤون الآخرين. كما بدأت بعض النخب الإيرانية المعارضة تنبه وتحذر من خطورة العقوبات الأميركية وتأثيراتها القاسية على الاقتصاد الإيراني، وتشكك وتسخر بشدة من نهج النظام الذي يعتمد التقليل من شأن العقوبات ويدعي مقدرته على امتصاص آثارها.
ولوحظ أن النظام لم يجد وسيلة للتقليل من آثار العقوبات سوى ادعاء القدرة على تجاوزها، بينما الواقع الاقتصادي المعيش يشهد انهيارات متوالية تؤدي في المقابل إلى افتقاد النظام للمصداقية وانهيار ثقة الإيرانيين بوعوده وحلوله الوهمية للأزمات المتفاقمة.
وبشأن تبرير النظام لحروبه وتدخلاته الخارجية تحت عنوان نصرة المستضعفين في الأرض، ينمو لدى الإيرانيين الوعي بأن الداخل الإيراني له الأولوية، وأنه بحاجة أكثر إلى المساعدة والدعم والإنفاق، في ظل تزايد أعداد الفقراء وفقاً للإحصائيات الإيرانية الرسمية.
إجمالاً تنبئ وقائع الأحداث والأزمات المتلاحقة التي طاردت النظام الإيراني طوال العام الفائت بمستقبل أسود ينتظره خلال العام الجاري، بناء على المعطيات والمقدمات السابقة التي أدت إلى تزايد التذمر وإلى ارتفاع أصوات المعارضين من داخل بنية النظام.
في ما مضى كان الإصلاحيون يقومون بدور مسرحي واضح في إيران، من خلال تقاسم الشارع مع المحافظين وإجراء انتخابات بين فريقين لا خلاف بينهما حول الأسس والتوجهات العامة للنظام، فكان الإصلاحي والمحافظ على اتفاق تام بعدم المساس بثوابت النظام وقواعده، وعدم التشكيك في قرارات المرشد الأعلى وتوجهاته الداخلية والخارجية. لكن تيار الإصلاحيين أنتج شخصيات معارضة شجعت قيادات أخرى على اللحاق بها وتبني خطابها بعد أن أصبح لديها جمهور واسع. ويزداد ارتفاع الأصوات الإيرانية المعارضة التي تتبنى نقد النظام من الداخل بدرجة لا تقل من حيث المضمون عن النقد الذي توجهه معارضة الخارج.
خسرت إيران بحماقاتها شعرة معاوية التي كانت لا تزال تربطها مع الاتحاد الأوروبي الذي ظل متمسكاً بالاتفاق النووي، لكن طهران أغضبت الأوروبيين بسبب برنامجها الصاروخي، إلى جانب ثبوت قيام أجهزتها الاستخباراتية بمحاولات تنفيذ اغتيالات وأنشطة إرهابية في دول أوروبية، الأمر الذي دفع إلى توجيه اتهام صريح لإيران بالتجسس ومخالفة الأعراف الدبلوماسية، وترجم الاتهام عملياً في صفعة لإيران من خلال طرد سفيرها في ألبانيا إلى جانب بعض الدبلوماسيين الإيرانيين. وبذلك يخسر النظام الإيراني الداخل والخارج معاً ويدخل نفسه في مأزق صعب للغاية
أبرز الأخبار