10-12-2018
عالميات
وبعد أسبوع من مشاهد العصيان في باريس، ورغم تحذيرات السلطات، لم يتخل المتظاهرون في هذه الحركة الشعبية غير المسبوقة، عن التجمع في العاصمة الفرنسية ومدن أخرى شهدت هي أيضا حالات فلتان.
وكتب أحد المتظاهرين على سترته الصفراء التي أصبحت رمز هؤلاء الفرنسيين الذين لم يعودوا قادرين على الانزلاق باتجاه الفقر ويدينون سياسة ماكرون التي يرون أنها لا تفيد سوى الأغنياء، «فرنسي عنيد لا يقهر».
وكان الرئيس الفرنسي تحدث مازحاً خلال زيارة للدانمارك الصيف الماضي عن هؤلاء الفرنسيين «العنيدين في مواجهة التغيير» الذين يريد تحفيزهم.
وطالب المتظاهرون في باريس السبت، بتغيير ما، تغيير الرئيس أو على الأقل مزيد من العدالة الاجتماعية.
وهتف المحتجون «ماكرون، استقل!» بعدما ردووا النشيد الوطني، ثم كرروه. كما رددوا شعارات موجهة إلى قوات حفظ النظام.
وعلى علم كبير رفعه المتظاهرون دونت ثلاثة أعوام «1789، 1968، 2018»، كما لو أنهم يسعون إلى الارتقاء بتحركهم إلى مستوى تحركين شعبيين كبيرين، هما الثورة الفرنسية واحتجاجات الطلاب.
وعلى المستوى الوطني، أعلنت وزارة الداخلية أن 136 ألف شخص شاركوا في تحركات السبت من تظاهرات ونصب حواجز واعتصامات. وفي باريس كان عددهم أكبر من الأول من كانون الاول، إذ بلغ عشرة آلاف (مقابل ثمانية آلاف في الأسبوع الماضي).
ولتجنب مشاهد أقرب إلى حرب شوارع، قامت السلطات بتوقيف عدد قياسي من الأشخاص في باريس، حسب أرقام الشرطة أمس. وهذا العدد أكبر بكثير من عدد الذين أوقفوا في الأول من كانون الاول وبلغ 412 شخصا.
وتكررت السبت، مشاهد أعمال العنف من إطلاق الغازات المسيلة للدموع في محيط جادة الشانزيليزيه وتكسير واجهات وإحراق سيارات في باريس، وكذلك صدامات في مدن كبيرة مثل بوردو وتولوز ومرسيليا ونانت، وإغلاق شوارع وحواجز على طرق.
لكنها لم تصل إلى حجم مشاهد حرب الشوارع التي سجلت قبل أسبوع وأذهلت العالم عند قوس النصر، أحد المواقع الرمزية لفرنسا، وفي عدد من الأحياء الراقية في العاصمة.
وحذر وزير المالية برونو لومير، من أن العنف المرتبط بتظاهرات «السترات الصفراء» يشكل «كارثة» بالنسبة لاقتصاد فرنسا.
وصرح للصحافيين لدى زيارته المحال التجارية في باريس، التي تعرضت إلى النهب خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي خرجت السبت، «إنها كارثة بالنسبة للتجارة وكارثة على اقتصادنا».
وعبرت رئيسة بلدية باريس آن ايدالغو عن أسفها مساء السبت «لمشاهد الفوضى» و«الأضرار التي لا تقدر» للاقتصاد ولصورة المدينة. وصرح زعيم حزب الجمهوريين اليميني المعارض لوران فوكييه بأن «العديد من الفرنسيين وخصوصا التجار شهدوا سبتا أسود».
وكانت السلطات قررت اتخاذ إجراءات أمنية «استثنائية» تتمثل بنشر 89 ألفا من عناصر قوات حفظ النظام، بينهم ثمانية آلاف في باريس مدعومون بآليات مدرعة تابعة للدرك، تستخدم للمرة الأولى في العاصمة.
وأغلقت مواقع سياحية عديدة بينها برج ايفل ومتحف اللوفر وعدد من المحلات التجارية والمراكز التجارية الكبيرة.
وصرح رئيس الوزراء ادوار فيليب أنه «حان وقت الحوار». وأضاف «أصبح علينا إعادة نسج الوحدة الوطنية» التي تعرضت لهزة في هذا التمرد الشعبي غير المسبوق الذي ولد على شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت.
وأكد فيليب مساء السبت أن ماكرون «سيتحدث» — ربما اليوم — و«سيعود إليه أمر اقتراح الإجراءات» ليتاح «لكل الأمة الفرنسية أن تجتمع من جديد».
وأمضى رئيس الدولة الذي لم يدل بأي حديث علني طوال الأسبوع، السبت في قصر الإليزيه محاطا بقوة أمنية كبيرة. وقد ترك لرئيس الوزراء مهمة التوجه إلى البرلمان ووسائل الإعلام.
وعبر وزير الداخلية كريستوف كاستانير مساء السبت عن ارتياحه «لوضع حد (…) لتصاعد العنف»، ولأن «حراك مثيري الشغب (…) كُسر».
وأطلقت السلطات عمليات تدقيق مع تزايد حسابات الكترونية مزيفة على شبكات التواصل الاجتماعي تهدف إلى تضخيم حركة «السترات الصفراء»، حسب ما ذكر مصدر قريب من الملف وأوضح أن «الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني» كلفت تنسيق عمليات التحقق الجارية.
وأوضح مصدر آخر، أن الاستخبارات الفرنسية حذرة جدا من التلاعب بالمعلومات، لكن لا يزال من المبكر البت في صحة معلومات نشرتها صحيفة «التايمز» البريطانية التي أكدت أن مئات الحسابات المزيفة التي تدعمها روسيا تسعى إلى تضخيم ثورة «السترات الصفراء».
وفي الوقت نفسه، شارك آلاف الأشخاص في مسيرات جرى معظمها بهدوء من أجل المناخ في عدد من المدن. وارتدى جزء منهم سترات صفراء داعين إلى التحرك في مواجهة «وضع المناخ الملح» و«الوضع الاجتماعي الملح» معا.
ويبدو أن التنازلات التي قدمتها السلطات وخصوصاً إلغاء الزيادة على رسوم المحروقات، أدت قبل كل شيء إلى إضعاف رئيس الوزراء الذي كان يدافع عن قرار بتعليق هذه الزيادة قبل أن تتخذ الرئاسة فجأة قراراً مخالفاً لطرحه.
والسؤال المطروح حالياً هو هل سيتم الإعلان عن تغيير حاسم في السياسة الاجتماعية أو «الإبقاء على توجه» الإصلاحات؟
من جهته، تحدث جان لوك ميلانشون زعيم كتلة حزب «فرنسا المتمردة» اليساري الراديكالي، السبت عن «حل» الجمعية الوطنية، معتبراً أن ذلك سيشكل مخرجا «معقولاً» للأزمة.
وسيقدم نواب من هذا الحزب وآخرون شيوعيون واشتراكيون، اليوم، مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة يفترض أن تناقش الأربعاء أو الخميس، لكنها لا تحظى بأي فرصة لإقرارها.
ومن بلجيكا، دعت رئيسة حزب التجمع الوطني اليميني القومي مارين لوبان التي تطالب بحل الجمعية الوطنية أيضاً، ماكرون إلى «إجراءات قوية وفورية» للتجاوب مع «معاناة» المحتجين.
وفي السياق، دعا وزير الخارجية جان ايف لو دريان، أمس، الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى عدم التدخل في الشؤون السياسية الداخلية لفرنسا بعد تعليقاته الناقدة على تحرك «السترات الصفراء».
وصرح لو دريان في برنامج تلفزيوني: «اقول لدونالد ترامب، ورئيس الجمهورية قال له أيضاً: نحن لسنا طرفاً في النقاشات الأميركية، اتركونا نعيش حياتنا حياة أمة».
أخبار ذات صلة