04-12-2018
مقالات مختارة
علي الامين
علي الامين
لم يعد خافيا أن غاية التعطيل الحكومي، خارجية بالدرجة الأولى والأخيرة، ولأهداف إيرانية، لا سيما أن الحكومة المفترضة التي أفشل حزب الله خروجها إلى النور، هي حكومة يمتلك فيها هو وحلفاؤه وأتباعه الأكثرية أي 17 من أصل 30 وزيرا، ورغم ذلك فهو لا يريد تشكيل الحكومة. فالسياسة التي تقف وراء هذا السلوك باتت مكشوفة ومكررة، كما قال رئيس الحكومة السابق، تمام سلام، إن حكومته التي بقيت نحو عام حتى أمكن تشكيلها، كان تاريخ الحل السحري لإعلانها وصول الأميركيين والإيرانيين إلى الاتفاق النووي في العام 2015، وهذا الاتفاق هو الذي جعل إيران تفرج عن التشكيلة الحكومية بحسب سلام.
من هنا فإن إيران تستنفر أوراقها في المنطقة العربية ومنها الورقة اللبنانية، فالمطلوب أن يرفع أحد المسؤولين الغربيين سماعة هاتفه ويطلب من القيادة الإيرانية، السعي لإقناع حزب الله بتسهيل عملية تأليف الحكومة اللبنانية، وهذا ما لا يبدو متاحا اليوم، ذلك أن الأطراف التي تريد منها طهران أن تدق أبوابها في هذا السبيل، ليست مهتمة على ما يبدو بأن تقايض طهران في هذه المرحلة. إذ تشكل العقوبات الأميركية لديها الأولوية التي لا يجب أن يخل بتنفيذها أي شيء آخر، خصوصا أن الثمن الذي تريده طهران يتصل حكما بتخفيف أو تقليص هذه العقوبات.
الأمر عينه يجري في العراق الذي أدارت فيه واشنطن ظهرها لكل محاولات إيران لاستدراجها من أجل المقايضة في لعبة الأسماء التي يمكن أن تتولى هذا المنصب الوزاري أو ذاك، ما يزعج إيران أن واشنطن غير مبالية بمن سيأتي وزيرا للداخلية أو للدفاع في العراق، فواشنطن على ما يبدو، خلصت إلى أنها لن تُستدرج إلى التفاوض مع إيران في مسائل تفصيلية، طالما كان هذا التفاوض يوفر مكسبا لإيران، وبالتالي الإدارة الأميركية ترفع شروطها الـ11 بوجه طهران، وعلى إيران أن توافق عليها أولا، ثم بعد ذلك يتم التفاوض لا على تعديلها، بل على كيفية تنفيذها. وهي المطالب التي لا تفصل بين الملف النووي والسياسة الخارجية الإيرانية، بل تتعامل معهما كملف واحد من دون تجزئة.
باختصار واشنطن غير مهتمة بالعروض الإيرانية، ولا يبدو أنها تخضع لابتزاز على هذا الصعيد، فإدارة الرئيس دونالد ترامب تركز بوضوح على تغيير سلوك إيران، وبالتالي تبدو محاولات الأخيرة لاستدراج واشنطن إلى تفاوض الضرورة في ملفات جزئية، غير قابلة للتحقق، وهذا ما يجعل طهران أمام مأزق العجز عن تسييل نفوذها الإقليمي للتملص من العقاب الأميركي، وهذا ما يفسر إلى حدّ بعيد عدم قدرة روسيا وإيران على تسييل ما وصفتاه بانتصار حلفهما في سوريا إلى نتيجة سياسية، فها هي لقاءات أستانة لم تستطع أن تترجم التفوق الروسي والإيراني إلى حلّ سياسي، طالما أن واشنطن وأوروبا فضلا عن الدول العربية لم تعط أي شرعية لهذا المؤتمر، فيما أعلن مندوب الأمم المتحدة في سوريا ستافان دي ميستورا فشله، وهي إشارة إلى أن طهران أو موسكو لن يفيدهما ما حققتاه عسكريا، طالما بقي الموقف الدولي مصرا على مقررات جنيف كمرجعية للحل، والأهم أن لا طهران ولا موسكو قادرتان على إعادة ترميم البنيان السوري من دون دعم واشنطن.
وفي لبنان صورة مصغرة عن كل ذلك، فحزب الله هو الأقوى عسكريا وأمنيا ويسيطر بالقوة على الجغرافيا اللبنانية وعلى مفاصل السلطة وعلى الدولة إلى الحدّ الذي يريده هو، وليس الحدّ الذي يستطيعه، ولكن فائض القوة هذا هو نفسه يجعله مربكا، بل عاجزا عن أن يدير الدولة بالكامل، فيسعى دوما إلى تطويع جميع القوى، ودفعها بالإغراء أو الإكراه إلى تنفيذ ما يريده من سياسات، لا بهدف الشراكة في حكم البلد، كما يقول قادته دوما، بل بهدف أخذه لمكاسب السلطة وإحالة مسؤوليات السلطة على الآخرين ممن يسميهم شركاء، والدليل على ذلك أنه بكلمة من أمين عام حزب الله تتعطل عملية تشكيل الحكومة، وبكلمة منه تسير عجلة التشكيل.
يجلس حزب الله على كرسي الانتظار في لبنان اليوم. انتظار مسار العقوبات الأميركية على طهران والعقوبات الموازية عليه، ويترقب كيف سيستقر مسار التسوية في سوريا، وماذا سيجري في اليمن، فيما هو عاجز عن أن يكون فاعلا في هذه المسارات التي باتت في مقلب الحلول وإن لم تكن داهمة، لكن مسار الأزمات المستعصية والحروب المتناسلة استنزف خياراته وباتت المنطقة العربية المدمرة أمام مرحلة جديدة، فوظيفة حزب الله انتهت، أي الوظيفة القتالية والتدميرية، لقد أنجز مهمته التدميرية وبات اليوم أمام ركام في سوريا وركام سياسي واجتماعي وحضاري في لبنان وحيث يتواجد.
ليس لدى حزب الله ما يؤهله لأن يساهم في بناء دولة، هو يتقن فن تدمير الدول، وأنجز ما يتقنه، لذا تبرز قوة حزب الله في التعطيل، في القدرة على التدمير لا في القدرة على البناء، في خلق الأزمات لا في إيجاد الحلول، في تجزئة المجتمع وإفراغه من الحيوية والإبداع، لا في بناء نموذج جاذب لغير العصبيات المذهبية والطائفية، هو يتنفس ويحيا في الأزمات ويختنق في مسار الحلول، لذا هو مربك في تفوقه العسكري على الجميع في لبنان، باعتبار أن التفوق والانتصار ولو بقوة السلاح يفرض مسؤوليات على المنتصر هو عاجز عن تحملها، تلك المسؤوليات التي تتصل ببناء الدولة في الاقتصاد وفي الاجتماع وفي السياسة وما إلى ذلك من عناوين مرتبطة بالدولة وليس بالميليشيا أو المنظمة الأمنية العسكرية أو حتى الجهادية.
التعطيل للحكومة اللبنانية والابتزاز بالواسطة للمجتمع الدولي وصلا إلى نهايتهما، فحزب الله الذي أثار الفوضى وتورط بها في كل الجغرافيا العربية، هو نفسه من كان شديد الانضباط حيال المسّ بأمن إسرائيل، حيث صارت الحدود الجنوبية للبنان مع فلسطين منطقة الاستقرار النموذجي في الشرق الأوسط، وبات عاجزا حتى عن الحديث عن شق طريق القدس الذي طالما مرره ولا يزال في الحرب السورية، وتحول من طرف طالما قاتل وخوّن حتى منظمات فلسطينية لأنها بنظره تهاونت في قضية تحرير فلسطين، إلى طرف شديد الانضباط والالتزام تجاه أمن حدود فلسطين المحتلة، وقصارى ما يقوله زعيمه هو إذا اعتدت علينا إسرائيل سنرد عليها، ونجح في طي كل ما كان يقوله في السابق عن إنهاء إسرائيل وعن تحرير فلسطين، بل حتى عن تحرير مزارع شبعا.
قوة حزب الله لم تعد ميزة له، بل تحولت إلى نقيصة، وهي قوة مرشحة للانهيار والتلاشي، بعدما تلاشت كل مقومات مشروع قيامها كقوة غايتها تحرير فلسطين، وقيام الحكم الإسلامي، وصارت وظيفتها الوحيدة السلطة بمفهومها الأعمى، وبات الحزب عاجزا عن تحديد من هو عدوه أو صديقه وحليفه، بل عاجزا عن قول ماذا يريد، فضلا عن معرفته.
قصارى ما يستطيعه حزب الله اليوم أن يبحث عن انتصار ولو بالوهم كما هو الحال في لبنان، انتصار على الدولة المتهاوية وانتصار بالواسطة عبر وئام وهاب، ولم يعد لدى الحزب ما يقوله لمحازبيه سوى أننا قادرون على صناعة مجموعة نواب 8 آذار، والإعلاء من شأن وئام وهاب في وجه وليد جنبلاط أو سعد الحريري. إنها النهايات التي تلي وهم انتصار الدويلة على الدولة، وزمن الانكشاف على الواقع اللبناني العاري بانتصار حزب الله، بكل ما ينطوي عليه هذا الانتصار من خواء أو هزيمة سياسية وحضارية نكراء.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار