04-11-2018
صحف
اليوم يوضب المشنوق حقائبه بعدما بات خروجه من وزارة الداخلية محسوماً، إثر قرار زعيم تيار المستقبل، رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري فصل النيابة عن الوزارة، وهو القرار الذي فخّخ العلاقة مع المشنوق، على الرغم من أن مصادر سياسية رفيعة تؤكد لـ"العربي الجديد" أن الحريري أبلغ المشنوق قبل الانتخابات النيابية الأخيرة في مايو/ أيار الماضي، أنه سيفصل بين هذه المواقع، مخيّراً إياه بين أن يكون نائباً عن بيروت، أو وزيراً. إلا أن المشنوق اختار النيابة، خصوصاً أنه كان يمنّي النفس بنتيجة كبيرة في الانتخابات تعيده بقوة إلى الوزارة أو حتى إلى ما هو أهم منها. وعقب صدور نتيجة الانتخابات وفوزه بنتيجة ضعيفة، أدرك المشنوق أن خروجه من الداخلية بات محسوماً، وأتت فكرة رئاسة الحكومة، التي يقال إنها لم تفارق ابن العائلة الصحافية العريقة في بيروت.
ومنذ انتهاء الانتخابات الأخيرة، انكفأ المشنوق. طيلة أشهر من عملية تأليف الحكومة، بقي على هدوئه، حتى عندما اشتدت المعركة، وبدأت تأخذ منحى يتعلق بالحديث عن صلاحيات الرؤساء، والدستور. لكنه قرر قبل أيام العودة إلى الأضواء، تاركاً أكثر من علامة استفهام، خصوصاً عن التوقيت المتزامن مع أزمة عدم تأليف الحكومة، وعرقلة "حزب الله" لجهود الحريري قبل ربع الساعة الأخير الفاصل، عبر افتعال أزمة تمثيل النواب السنّة المحسوبين على قوى "8 آذار".
انتهز المشنوق الفرصة. تقول مصادر "العربي الجديد" إن المشنوق تبلّغ من "حزب الله" رسمياً، خلال الاتصالات واللقاءات الدورية بينهما، إصراره على تمثيل النواب السنّة الذين يطلق عليهم صفة "المستقلين"، قبل أن يبادر المشنوق لاحقاً بعد تعرقل تشكيل الحكومة إلى طرح اسمه كرئيس للحكومة، فقوبل بالإيجاب، خصوصاً أن "حزب الله" ينظر إلى المشنوق نظرة إيجابية، نتيجة التجربة معه خلال توليه وزارة الداخلية، لكن بشرط التسويق لنفسه وخصوصاً سنّياً، حتى لو تطلب الأمر هجوماً على الحزب. مع العلم أن العلاقة بين المشنوق و"حزب الله" ترسخت خلال فترة وجود الأول في وزارة الداخلية. وربما مشهد حضور مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا أحد الاجتماعات الأمنية في وزارة الداخلية كان كافياً للدلالة على الخط السياسي الذي اختاره المشنوق لنفسه، الذي يمكن وصفه بأنه "لعب على حبال السياسة اللبنانية". كما سلّف المشنوق الحزب أكثر من موقف وخطوة، لعل أهمها تسليم بلدة الطفيل الحدودية له، في مرحلة دقيقة شهدت معارك طاحنة بين النظام السوري و"حزب الله" من جهة، وبين المجموعات المسلحة من جهة ثانية. ولم ينقطع التنسيق يوماً بين المشنوق و"حزب الله"، حتى في المراحل التي شهدت تصعيداً كلامياً من قِبله ضد الحزب، وتطلّبت شد العصب الطائفي، تماماً مثلما حصل في الانتخابات النيابية الأخيرة، التي خرج منها المشنوق بانتصار هزيل.
تفسر المعلومات عن طرح المشنوق اسمه كرئيس للحكومة سر عودته فجأة، وتصريحاته عالية السقف، التي بلغت حد المزايدة على الحريري سنّياً وسعودياً، بما أنه يدرك أن "حزب الله" ليس في وارد التنازل حكومياً، تماماً مثل الحريري الذي بات محشوراً سياسياً وشعبياً بعد تراكم علامات الاستفهام حول التنازلات التي يقدّمها للحزب، على الرغم من أن المشنوق شخصياً كان عراب سياسة "ربط النزاع"، وفتح صفحة جديدة.
انطلاقاً من هذا الواقع، تضع المصادر مواقف المشنوق الأخيرة في خانة المزايدات على الحريري لحشره، على الرغم من أنه يدرك أن وصوله إلى كرسي رئاسة الحكومة، لا يمكن إلا أن يمر عبر الحريري، تماماً كما حصل عندما وصل إلى وزارة الداخلية، أو بتعبير آخر أن يكون نقطة تلاقٍ تعبّد الطريق له. وبناءً عليه يبدو مفهوماً الحديث أخيراً في أكثر من وسيلة إعلامية وصحافية عن أدوار المشنوق بوصفه حاجة وضرورة سنّياً وحريرياً.
يملك المشنوق أكثر من ورقة رابحة. لا شك أنه من بين الأسماء التي حجزت لنفسها موقعاً. أولى أوراق القوة كما بات معلوماً علاقته بـ"حزب الله"، وثانيها علاقته بآل الحريري من الأب رفيق الحريري إلى نجله سعد، على الرغم من مرورها أكثر من مرة بأزمات. وثالثها نجاحه في بناء علاقات إقليمية صلبة مع أكثر من دولة، وخصوصاً مصر التي تربطه بها علاقة قوية منذ أيام "النضال العروبي"، مروراً بالسعودية التي بدا واضحاً أنه سلّفها أكثر من موقف في الأيام الأخيرة في قضية مقتل جمال خاشقجي، متجاوزاً حتى سقف الحريري، ومستنداً إلى علاقته القوية بأكثر من شخصية سعودية، يبدو أنها مهدت طريقه إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وصولاً حتى إلى النظام السوري، بما أن المشنوق معروف بصداقاته بأكثر من شخصية لبنانية محسوبة على هذا النظام.
كل هذه العوامل يحاول المشنوق توظيفها راهناً، ليبقى أمام تحدي القدرة على تسويق نفسه لبنانياً، وتحديداً ضمن طائفته، ولعلها المهمة التي قد تكون الأصعب، خصوصاً في ظل وجود شبه إجماع وطني على الحريري، وتحديداً من قِبل رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري. أما سنّياً فيحاول المشنوق، إلى جانب رفع التصريحات عالية النبرة، توظيف عدة شغل يتقنها جيداً بوصفه صحافياً سابقاً مخضرماً، مستنداً إلى النهج ذاته الذي اتّبعه عندما كان في فريق رفيق الحريري يدير شؤون الإعلام والصحافة. وعليه يبدو مفهوماً انتشار مقالات تشيد به وبدوره، والتي يرسل عبرها رسائل سياسية إلى من يعنيه الأمر، وخصوصاً الحريري.
وإلى أدوات الترويج التي يعتمدها المشنوق، برز في الأيام الأخيرة في وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغ #المشنوق_ضمير_السنة، لكن المدقق في هذا الهاشتاغ يلاحظ وفق ما يؤكد أكثر من خبير في هذه المواقع، أنها انطلقت عبر حسابات وهمية، بتغريدة واحدة تضمّنت تعبير "معك" في الثانية ذاتها، وهي خاصية تتيحها بعض التطبيقات الهاتفية الحديثة، قبل أن يتلقف كثيرون هذا الهاشتاغ، ويستخدموه ضد المشنوق.
على الرغم من ذلك يدرك المشنوق أن مشروع زعامته انتهى في الانتخابات الأخيرة بعدما جاء كآخر مرشح فائز من الطائفة السنّية على لائحة "المستقبل" في بيروت. وما لم يفلح في تحقيقه وهو على رأس إحدى أهم الوزارات الخدماتية، لا يبدو أنه سيكون سهلاً لدى خروجه منها. لكن يبدو أن طريق السراي الحكومي وحده ما يمكن أن يعيد المشنوق بقوة إلى الساحة السياسية، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الوصول إلى منصب رئاسة الحكومة.
سابقاً، وتحديداً في عام 2011، طرح المشنوق نفسه، بحسب معلومات "العربي الجديد"، رئيساً لحكومة توافقية، غداة استقالة نواب "8 آذار" من حكومة سعد الحريري الأولى، وخصوصاً لدى "حزب الله" والنظام السوري، لكن ظروف المرحلة تلك لم تسفعه، قبل أن يرسو الخيار على نجيب ميقاتي. وبعد حكومة ميقاتي، طرح المشنوق أيضاً نفسه رئيساً لحكومة انتقالية لإجراء الانتخابات، لدى أوساط سنّية محلية وإقليمية، إلا أن الخيار رسا على تمام سلام، قبل أن يحاول اليوم مرة ثالثة أخيراً.
أما في تيار "المستقبل"، فينظر كثيرون إلى المشنوق على أنه مشروع مشابه لوزير العدل السابق، أشرف ريفي، لكنه يستخدم أدوات مختلفة، لعل أهمها البقاء إلى جانب "المستقبل"، وتكرار الحديث عن وقوفه إلى جانب الحريري، في أكثر من مرحلة حساسة، مثل مرحلة احتجاز الحريري في السعودية (نوفمبر/ تشرين الثاني 2017). بعد هذه المرحلة شهدت العلاقة بين الحريري والمشنوق انفجاراً واضحاً. ما كان يروج له المشنوق على أنه وقوف إلى جانب الحريري، كان الأخير يعبّر في مجالسه الخاصة عن عكسه، وسط أحاديث تشير إلى دور سلبي أداه المشنوق في هذه المرحلة.
كبرت كرة الثلج بين الحريري والمشنوق. علامات الاستفهام التي يرسمها من في تيار "المستقبل" اليوم كثيرة، لا تبدأ من محاولة المشنوق بناء زعامة له في بيروت، مستغلاً موقعه في "المستقبل"، وكونه إحدى أبرز الشخصيات البيروتية المحسوبة على هذا التيار، ولا تنتهي عند ما يعتبره كثيرون في "المستقبل" محاولة استغلال نفوذه في وزارة الداخلية لتقديم خدمات تصب في صالحه وليس في صالح التيار الذي يمثل.
يدرك المشنوق أنه ليس شخصية محبوبة على الصعيد الشعبي. حاول خلال فترة وجوده في الداخلية أن يثبّت أقدامه في بيروت، وأن يبني زعامة جديدة، مستغلاً حالة الفراغ السياسي على صعيد الزعامات في المدينة. ووفق ذلك رسخ علاقته بالطبقة التقليدية في المدينة التي تربطها بالدولة عموماً مصالح أساسية، بالإضافة إلى التمدد في اتحاد العائلات البيروتية الذي أسسه يوماً رفيق الحريري. لكن نتائج الانتخابات الأخيرة أتت كما لم يشته المشنوق. خرج بعدها ليحمّل "المستقبل" والحريريالمسؤولية، متحدثاً عن أنه غُدر به، وأنه طُعن، على الرغم من أن مصادر رفيعة تؤكد لـ"العربي الجديد" أن الحريري واجه صعوبة في التسويق للمشنوق على مستوى الكوادر الحزبية، وكذلك على مستوى القواعد الشعبية. انتهت الانتخابات، ابتعد نهاد المشنوق عمن "غدر به"، ولم يحضر اجتماعات "المستقبل"، وخرج ليتحدث عن استقلاليته، وعن أنه ليس محسوباً على التيار، بل متحالفاً معه.
اليوم، تواجه طموحات المشنوق للوصول إلى رئاسة الحكومة كثيراً من الصعوبات، من التمسك الداخلي بسعد الحريري، وصولاً إلى موقف بعض القوى الدولية. لكن الأكيد أن المشنوق نجح في اللعب على التناقضات إلى الحد الأقصى، وهو نجاح قد يحمله إلى رئاسة الحكومة، أو قد يخرجه نهائياً من الحياة السياسية.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
المشنوق يغادر ساحة النجمة: البرلمان ليس مصدر السلطات
أبرز الأخبار