أعاد المرسوم الجديد للتجنيس، بتضمّنه 388 فرداً أُدرجوا في 255 طلباً أو ملفاً، إلى الضوء فضيحتين متفاوتتي الأهمية واكبتا تجنيس أفراد خلافاً للقانون في النص، وللتقاليد في التوقيت، وللأصول في إخفائه والاختباء ورائه. 

الفضيحة الأولى أعلن عنها الرئيس رفيق الحريري، وكان على رأس حكومته الأولى، عندما دخل على جلسة مناقشة عامة في مجلس النواب في 21 حزيران 1994، طالباً الكلام في المستهل ـ عائداً لتوّه من قصر بعبدا ـ كي يقول إنه يزف إلى اللبنانيين «بشرى» توقيعه ورئيس الجمهورية الياس هراوي ووزير الداخلية بشارة مرهج «مرسوم التجنيس لكل المستحقين في خطوة انتظرها عشرات الآلاف من اللبنانيين المحرومين من نعمة المواطنية». للفور، استقبلت القاعة العامة كلامه بالتصفيق، قبل أن يفيق اللبنانيون لاحقاً على مرسوم منح أكثر من 120 ألف شخص الجنسية اللبنانية، بينهم مستحقون مزمنون وأصحاب حق مؤجل. لكن بينهم أيضاً آلافاً جيء بهم إليها كي يتكشّف في ما بعد، في أول انتخابات نيابية عامة (1996)، أن هؤلاء ليسوا سوى أصوات للاقتراع وقلب التوازن الديموغرافي في البلاد رأساً على عقب. 

المجنسين أشخاص من جنسيات عربية إلى سوريين وفلسطينيين وأجانب. في الأيام الأخيرة، جاء دور المرسوم الحالي الذي يتوسّع السجال بإزائه تبعاً لمعطيات عدة:
أولها، أن التعامل معه يجري على نحو هرم مقلوب. أول المسؤولين هو صاحب التوقيع الدستوري الأول الذي هو وزير الداخلية نهاد المشنوق، المعني بإعداد الملف واستكمال عناصره والتحقق منه ومراجعة الإدارات الأمنية المختصة بتوفير المعلومات حيال قانونية منح الجنسية للمرشحين لها. بيد أن التحقق هذا استثنى الأمن العام، الإدارة الأولى المعنية بحركة دخول البلاد والخروج منها ومراقبة التنقّل. يأتي بعد الوزير التوقيع الدستوري الثاني لرئيس الحكومة سعد الحريري المعني بدوره ـ بوصول الملف «النظيف» إليه ـ التحقق من محتواه، انتهاء بالتوقيع الدستوري الثالث لرئيس الجمهورية ميشال عون. واقع السجال اليوم اقتصار توجيه أصابع الاتهام على رئيس الجمهورية كما لو أنه وحده المسؤول، وتالياً تجاهل تدرّج المسؤولية عن هذه الورطة. بذلك يصبح «الاتهام السياسي» الموجّه إلى الرئيس في ملف قانوني محض جزءاً لا يتجزأ من اشتباك سياسي في ملف آخر. 
ثانيها، يمنح القانون رئيس الجمهورية صلاحية استنسابية في منح الجنسية لغير اللبنانيين. صلاحية غير ملزمة، لكنها تقديرية. له أن يستخدمها أو يحجم عنها. بيد أن استخدامها يخضع لمعايير القانون الذي يرعى أحكامها، وهو القرار 15 الصادر في 19 كانون الثاني 1925، النافذ مذذاك (زمن الإنتداب الفرنسي)، وإن طرأت عليه تعديلات في العقود التالية. وفق المادة الثالثة فيه، يمكن منح الأجنبي «الذي يؤدي للبنان خدمات ذات شأن» الجنسية اللبنانية. على أن يكون قبوله بموجب قرار منفصل. 
كانت الصلاحية عامذاك ــــ والبلاد في ظل «لبنان الكبير» قبل نشوء الجمهورية اللبنانية العام التالي ــــ في يد المفوض السامي الفرنسي. سرعان ما انتقلت إلى رئيس الجمهورية الذي ورث، مع الاستقلال ومغادرة الانتداب، صلاحيات المفوض السامي وسلطاته. مذذاك، نشأ عرف تعاقب عليه الرؤساء اللبنانيون بمنحهم أفراداً غير لبنانيين قليلين عشية مغادرتهم ولايتهم الجنسية ممن أدّوا «للبنان خدمات ذات شأن» تبعاً للمادة الثالثة. اقترن هذا العرف بتقليدين: أن يكون هذا الإجراء في خاتمة الولاية فحسب، وأن يقتصر على عدد قليل من الأفراد على نحو يخصص لكل مَن يُمنح الجنسية مرسوم خاص به لا يشمل أفراد عائلته إلا إذا نصّ المرسوم على عددهم. أول خرق فاضح للتقليدين كان مع هراوي والحريري الأب في مرسوم 1994 في توقيته، قبل سنة وخمسة أشهر من الموعد الدستوري لانتهاء الولاية التي صار إلى تمديدها، وحوى آلاف الحاصلين على الجنسية في مرسوم واحد لم يخضع للتحقيق والتدقيق

ثالثها، منح الجنسية ليس صلاحية دستورية، ولا ينص عليه الدستور على غرار كلامه في الصلاحيات المقتصرة على الرئيس في المادة 53 عن منح عفو خاص واعتماد السفراء ومنح الأوسمة. لكن المادة السادسة من الدستور تنص على منح الجنسية أو التجريد منها تبعاً لأحكام قانون خاص. بدورها المادة 65 التي تحدّد الحالات الـ14 للمواضيع الأساسية التي تتطلب الموافقة عليها ثلثي مجلس الوزراء، تدرج الجنسية في عدادها، على أن يخضع الأمر لقانون يقره مجلس النواب بعد موافقة مجلس الوزراء بالنصاب الموصوف. إذذاك، يُعتد بمنح الجنسية لأعداد تكبر أو تصغر وفق مقتضيات القانون والحاجة والضرورة. ضوابط كهذه منفصلة تماماً عن الصلاحية التقديرية لرئيس الجمهورية في منحها. لكن هذه هي ابنة القرار 15 النافذ.
على نحو كهذا، هُرّب مرسوم 1994 من طريق مجلس النواب، إذ ضم 210 آلاف معني، بتوقيعه سراً، فلم يدر البرلمان به إلا عندما «زف» النبأ إليه الحريري الأب. فيما واقعه يقتضي ــــ بهذا الكمّ من المجنسين ــــ المرور بمجلس النواب في صيغة قانون ينصف المستحقين في أضعف الإيمان، ووحدهم فقط. إذ ليس من قبيل المصادفة أن أولئك جميعاً قدّموا «خدمات ذات شأن» للبلاد، وكذلك المجنسين الـ644 في عهد سليمان، وصولاً إلى المجنسين الجدد الـ388 في عهد عون.
رابعها، وقّع رئيس الجمهورية المرسوم في 11 أيار، قبل عشرة أيام من الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء في 21 أيار، أي قبل تحوّل الحكومة إلى تصريف الأعمال، إذ ينكر على الرئيسين والوزير المعني اتخاذ أي إجراء تنفيذي كهذا. بذلك تفادى رئيس الجمهورية جزءاً من ثغر المرسوم دونما تفاديه الوقوع في ورطة توقيته، ولم ينقضِ بعد الثلث الأول من الولاية، ولا كذلك في مبرّرات استعجال تجنيس هؤلاء والبلاد على أبواب حكومة جديدة، ناهيك بأعدادهم. مع ذلك، أضحى المرسوم أمراً واقعاً ومكّن المستفيدين منه من الحصول على حقوق مكتسبة بلا حاجتهم إلى نشره في الجريدة الرسمية. في حال كهذه، يناط تبليغهم بالإدارة المعنية بتنفيذ أحكامه. لم يعد في إمكان رئيس الجمهورية التراجع عنه، سوى بمرسوم جديد لا يصدر إلا عن حكومة مكتملة الدستورية، تصحيحاً للمرسوم الحالي، على أن يسبقه صدور تقرير المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وفريق المديرية، بعد التدقيق في الأسماء المجنسة. يقتضي ذلك كله وقت طويل يستغرقه التدقيق والتحقيق، ثم انتظار حكومة جديدة تحوز ثقة البرلمان، كي يُصوّب الخطأ الجسيم.