01-06-2018
عالميات
وتستعد الحكومة الإيرانية لمواجهة تدهور اقتصادي حتمي ستكون له تداعيات اجتماعية خطيرة، الأمر الذي وحّد الصف الإيراني، وجمع المعتدلين والمتشددين ضمن بوتقة واحدة لحماية النظام من خطر غضب شعبي مدمر، انكشفت بعض ملامحه خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد نهاية 2017 واستمرت إلى غاية شهر كانون الثاني 2018، ورفعت فيها لأول مرة شعارات ضد المرشد الأعلى وكل المنظومة الحاكمة.
وهدأت حدة الاحتجاجات لكنها لم تخمد، وهي تطل برأسها بين فترة وأخرى. وتحاول الحكومة إدارة شؤونها المالية بطريقة تحمي النظام من الآثار الملموسة لهذه العقوبات، مستخدمة ما تسميه “اقتصاد المقاومة”.
ويستشرف خبراء في مركز ستراتفور للدراسات الأمنية والاستراتيجية وضعا اقتصاديا خانقا ينتظر إيران، فالعقوبات الأميركية قوية بما فيه الكفاية بحيث ستضمن دخول الاقتصاد الإيراني في حالة من الركود.
وعلى الرغم من أن الحكومة ستحاول منع حدوث الاضطرابات، فإن الوضع الاقتصادي لن يؤدي إلا إلى تفاقم مشاكل عدم المساواة في الأجور القائمة بالفعل، ما سيؤدي حتما إلى اندلاع المظاهرات والاحتجاجات وبشكل يتوقع الخبراء أن يكون أقوى من تلك احتجاجات 2018-2017.
يذكّر الوضع الذي تمر به إيران بالأوضاع سنة 2012، العام الأخير الذي واجهت فيه طهران مثل هذه العقوبات المفروضة. ففي السنوات التي سبقت توقيع الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015، أصدرت الولايات المتحدة والأمم المتحدة عددا من العقوبات، وفي سنة 2012، نفّذ الاتحاد الأوروبي حظرا نفطيا على إيران. وتسبب ذلك في تقلص حجم الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.9 بالمئة، وتراجعت الصادرات النفطية بمقدار أكثر من مليون برميل في اليوم.
وساءت الأمور بين أوائل 2012 ومنتصف 2013، عندما خسر الريال الإيراني أكثر من ثلثي قيمته، وبلغت البطالة ذروتها حتى وصلت إلى نحو 14 بالمئة. وتفاقمت المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ودفعت الإيرانيين للاحتجاج ضد حكومة لا تستطيع حتى توفير الغذاء الأساسي لهم.
لكن هناك بعض الاختلافات الرئيسية بين موقف إيران اليوم مقارنة بالأوضاع في عام 2012. فالولايات المتحدة الآن هي القوة الرئيسية المحركة للعقوبات ضد إيران، فيما يبدو موقف الأوروبيين متذبذبا، وأيضا لا يوجد هناك نظام عقوبات محدد من الأمم المتحدة، كما كان يحدث قبل خطة العمل المشتركة. لكن، خبراء في مركز ستراتفور يؤكدون أن عقوبات الولايات المتحدة قوية ومؤثرة
وفي أعقاب العقوبات الأميركية المشددة، لا تستطيع إيران ببساطة تجنب الركود الاقتصادي الذي قد يضرب البلاد كنتيجة لذلك، حيث تزداد أزمة عملتها سوءا، بسبب تراجع الريال الإيراني إلى النصف عما كان عليه قبل ست سنوات وسط توقعات بأن يستمر في الانخفاض.
وهناك طريقة حاسمة بالنسبة إلى إيران لضمان قدرتها على تحمل العقوبات، وهي تنفيذ خطط طوارئ بالنسبة للشحن، والبحث عن الدول التي ترغب في المخاطرة بفرض عقوبات أميركية ثانوية على دخول الموانئ. وتشمل خيارات هذه الدول باكستان وقطر والموانئ العراقية الجنوبية مثل ميناء البصرة.
وزادت هذه الدول من نشاطها التجاري مع إيران خلال العام الماضي، في حين خفّضت القوى الكبرى الأخرى من نشاطها التجاري مع طهران. وبما أن الولايات المتحدة تخلت عن خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن إيران تعمل الآن بجد بشكل أكبر من أجل ترسيخ الاتفاقيات مع هذه الدول.
لكن التهريب عبر الدول المستعدة للمخاطرة بفرض العقوبات سيكون أصعب مما كان عليه عام 2012. ومن هنا تزيد هذه التعقيدات من احتمال أن تضطر إيران في النهاية إلى مقايضة النفط بالبضائع مع اشتداد ضغط العقوبات عليها.
كلما أصبح الاقتصاد أسوأ، ازداد احتمال ارتفاع أسعار السلع وتزايد عدم المساواة في الدخل وتضاعف الاحتقان الاجتماعي. ولطالما كانت أسعار الغذاء والبطالة من العوامل الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الاحتجاج والاضطرابات في إيران . لذا فإن الحكومة ستحرص على إبقاء أسعار السلع تحت السيطرة، حتى لو كان ذلك يعني بعض التضحيات المالية مثل شراء شحنات بخسارة أو الدفع نقدا حتى يتمكن الشعب الإيراني من تحمل تكاليف الطعام.
لكن الخبراء يؤكدون أن هذه الحلول ليست مصممة لتحقيق المنفعة طويلة الأجل بالنسبة لإيران، ولا يمكن للحكومة أن تتبنى هذه الحلول لعقود من الزمن. وبدلا من ذلك، تأمل طهران بأن يتمكن “اقتصادها المقاوم” من السيطرة على أوضاع البلاد حتى مغادرة ترامب وإدارته من واشنطن.
ولسوء حظ الحكومة، فإن الإيرانيين الآن أكثر تشاؤما مما كانوا عليه منذ سنوات حيث أن خطة العمل المشتركة التي وعد روحاني بأنها ستضخ ما قيمته 50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لم تحقق سوى 3.4 مليار دولار في عام 2017.
وفي جميع أنحاء إيران ، من المحتمل أن ينفد الصبر قبل دخول رئيس أميركي جديد إلى البيت الأبيض، مما يعني أن الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية ذات الدوافع الاقتصادية ستصبح أمرا لا مفر منه.
أبرز الأخبار