مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

المفكرة تنشر مقابلة مع مدير عام المناقصات جان علية: "مكافحة الفساد" خدعة من دون استقلال الهيئات المخوّلة ذلك

19-05-2018

محليات

"لا يمكن لإدارة المناقصات أن تمرر إتفاقاً رضائياً بقبعة مناقصة"، قالها مدير عام المناقصات لـ "المفكرة" عندما قابلته بداية العام الحالي. المواقف الحاسمة في الدفاع عن استقلالية إدارة المناقصات التي إتخذها عليا، والتي برزت بوضوح عام 2017، دفعت المفكرة للاهتمام بإلقاء الضوء على مسيرته بوصفه شخصية مسؤولة، تميزت بأدائها وفي مواجهتها للفساد المسيطر على الإدارة. من هنا أجرت معه هذه المقابلة، بهدف نشرها ضمن عدد خاص (لمتكتمل مواده بعد) حول أبرز التطورات التي حصلت عام 2017 على صعيد مؤسسات الدولة من جهة، والحراك والخطاب العام من جهة ثانية.

تطورات خطيرة حصلت منذ إجراء المقابلة حتى الأيام الأخيرة. فبعدما عمد رئيس التفتيش المركزي جورج عطية إلى منع عليا – من دون وجه حق – بالإدلاء بأي معلومات تتعلق بالمناقصات التي جرت خلال العام 2017 ضمن المقابلة. وصلت الأمور اليوم إلى حد توجيه "تحذير" خطي من رئاسة التفتيش المركزي إلى عليا، تنصّب فيه الأخيرة نفسها "سلطة تسلسلية" على إدارة المناقصات. بل أقدمت الوكالة الوطنية على حذف التوضيحات الواردة من علية بشأن عمل إدارة المناقصات والعراقيل التي تواجهها، بناء على طلب غير مبرر من عطية.

خطورة كتاب عطية لا تنحصر في ما يعبر عنه من تصعيد في التضييق على إدارة المناقصات ودورها الرقابي. إنما هي تشكل حلقة من مسلسل الفصام الحاد بين ما تعلنه السلطة من خطط ونصوص ترمي إلى تطوير وتحصين الواقع الرقابي، وما تفعله في الواقع من من خلال لجم محاولات تطبيق هذه الخطط والنصوص والالتزام بها من قبل الموظفين.

فما معنى وضع قوانين للوصول إلى المعلومات أو مكافحة الفساد أو الانضمام إلى اتفاقية مكافحة الفساد، ما معنى وضع استراتيجية مكافحة الفساد، إذا عمدت الدولة إلى التضييق على الهيئات الرقابية وموظفيها الأكثر انخراطا في حماية الصالح العام والدفاع عن حقوق الدولة؟ وألا تصبح إذ ذاك خطط مكافحة الفساد (ومنها الاستراتيجية المعلنة في مقر رئاسة الوزراء في 24 نيسان 2018) مجرد واجهة خادعة اصطنعت لحجب الممارسات الآيلة إلى العكس من ذلك تماما، أي إلى تجريد الموظفين المعنيين بمكافحة الفساد من امكانية ذلك؟

هذه الحالة يعبر عنها عطية من خلال مأخذه على عليا التذرع بأحكام القانون رقم 28/ 2017 (أي الحق بالوصول إلى المعلومات)، للإدلاء بتصريحات صحافية، ومقابلات إعلامية". وأن ذلك يحصل "دون الحصول على إذن من الرئيس التسلسلي"، وفي هذا تعد على استقلالية إدارة المناقصات المكرسة قانوناً. أكثر من ذلك، يأتي "تحذير" عطية "التسلسلي" بعد إقرار مشروع تعديل قانون التفتيش المركزي، الذي ينشئ "إدارة الصفقات العمومية". وهو تعبير تشريعي عن ضرورة تثبيت إستقلالية هذه الهيئة الرقابية.

أيضاً يتهم "التحذير" علية باستغلال المركز الوظيفي لأمور شخصية على خلفية "مراجعة وزير الإعلام والوكالة الوطنية للاعلام بصفتكم الوظيفية في غير المواضيع التي أولاكم إليها القانون". وبات معلوماً، وهذا تداولته وسائل الإعلام، أن علية تواصل مع هذه الأطراف فيما يتعلق بالنقص اللوجستي الحاد في ادارة المناقصات والذي أدى إلى تعطيل عملها. فكيف تعتبر هذه الشؤون "تتعلق بشخص (علية) كمواطن".

من هنا، تسرّع المفكرة نشر مقابلتها مع علية، التزاماً منها بالدفاع عن كل موظف يكافح في موقعه لحماية مصالح الدولة وبشكل موازٍ عن إستقلالية مؤسسات الرقابة، داعية كل مواطن لبناني إلى الدفاع عمن يدافع عن مصالحه (المحرر).

التلزيمات الرضائية التي تلبس قبعة المناقصات، واحدة من عناوين الفساد في لبنان. وقلة قليلة من المرات التي تمكن بها الرأي العام من الإطلاع على مكامن الخلل في المناقصات بسبب صعوبة الوصول إلى المعلومات المتصلة بها والإطلاع على سير أمورها. خلال العامين الأخيرين، بدأ يبرز سياق جديد، أتاح للمجتمع معرفة كبيرة بمكامن الفساد وكيفية إدارته في هذا المجال. الملف الأبرز لعام 2015 إرتبط بـ "الميكانيك". لتكرّ من بعدها سبحة من الملفات التي توالت، من بينها مثلاً ملف بواخر الكهرباء خلال العام 2017. هذه التطورات على صعيد مواجهة النهج المتبع في التلزيمات ذات الطابع العام، ارتبطت بالاستقلالية والمهنية العالية التي تعامل بها المدير العام، جان علية، مع هذه الملفات، تحصينا لدور الإدارة الرقابي في هذا المجال. المبدأ بالنسبة لعلية واضح: "يمكن لوزير أن يتحلى بالشجاعة ليتعاقد مع شركة بالتراضي، إلا أنه لا يمكن لإدارة المناقصات أن تمرر إتفاقا رضائيا بقبعة المناقصة، ولا يمكن لأحد أن يفرض عليها ذلك".

تقابل "المفكرة" علية، للوقوف على تجربة رائدة لموظف أخذ على عاتقه، إعادة الإعتبار إلى دور المؤسسات الرقابية والدفاع عن استقلالها، في وقت تتفاقم فيه التدخلات السياسية في عمل كل السلطات والمؤسسات. وأن تنشر هذه المقابلة في هذا العدد المخصص لأهم التطورات القانونية الحاصلة في سنة 2017، إنما يعكس قناعة "المفكرة" بمحورية الدور الذي لعبه علية خلال هذه السنة والنموذج الذي قدمه. 

المفكرة: متى توليت وظيفتك في إدارة المناقصات وضمن أي نظام توظيف؟

علية: دخلت إلى الوظيفة العامة منذ عام 1993 كمدقق حسابات فئة ثالثة في ديوان المحاسبة، حيث تأهلت إليها من خلال مباراة في مجلس الخدمة المدنية. استمررت في هذه الوظيفة حتى عام 2002. وقتها ترفعت في إطار دورة تأهيل أقامها مجلس الخدمة المدنية إلى الفئة الثانية. في عام 2012، تم تعييني كمدير عام لإدارة المناقصات، وفقاً لآلية كانت معتمدة في عهد الرئيس ميشال سليمان في اختبارات مجلس الخدمة المدنية.

 

المفكرة: ما هي خلفيتك الأكاديمية أو المهنية، وكيف ترى أنها أثّرت في قيامك بهذه الوظيفة؟

علية: عندما دخلت إلى ديوان المحاسبة، كانت معرفتي تقتصر على شؤون التدقيق والحسابات، بناءً على شهادة في إدارة الأعمال وخبرة عملية في تدقيق الحسابات والميزانيات في القطاع الخاص المختلف عن حسابات الدولة، لأنها مرتبطة بنصوص قانونية ودستورية. وتطويرا لمعارفي، عمدت إلى دراسة الحقوق إلى جانب وظيفتي في ديوان المحاسبة. وأنا اليوم حائز على دكتوراه في القانون العام إلى جانب شهادة إدارة الأعمال. برأيي، ليس من الجيد أن ينظر القاضي المالي من عين قانونية فقط، بل يجب أن يتمتع بمعرفة في الأمور المحاسبية. بالتالي، من شأن جمع هاتين الصفتين في شخص واحد المساهمة في تفعيل ديوان المحاسبة، والحد من مشاكله وأبرزها التأخر في البت بالحسابات.

 

المفكرة: تمارس وظيفتك في أصعب الظروف السياسية، ما هي أهم أوجه محاولات التدخل في عملك؟

علية: عند تقدمي للمباراة التي أهلتني إلى منصبي في إدارة المناقصات، سألني أحد أعضاء اللجنة الفاحصة: "أنت مقبل على عمل مليء بالضغوط، فكيف ستواجه ذلك". إجابتي كانت أني "مدركٌ لوجود الضغوط، إلا أنه لا يوجد أي سياسي لبناني يعترف أو يجاهر علناً بأنه يرغب بمخالفة القانون، بالتالي في حال نجحت سأطبق القانون ولا أعتقد أنني سأجد من يواجهني". التدخلات والضغوطات مسألة لا تتعلق بشخص إنما ترتبط بنهج. ويمكن على هذا الصعيد التمييز بين مرحلة ديوان المحاسبة، التي لم أواجه فيها الضغوط على الرغم من عملي على ملفات كبيرة مثل ملف النفط والمازوت الأحمر، إضافةً إلى ملف حسابات المهمة، وبين مرحلة إدارة المناقصات حيث أصبحت في الواجهة، بالنسبة لي هي مرحلة صراع بين الحق والباطل. غياب الضغوط في ديوان المحاسبة يعود لاقتصار عملي على تدقيق الحسابات، ورفع التقرير إلى القاضي الذي هو في الواجهة. والحال أن السياسيين كانوا بعيدين عن حياتي المهنية.

كمدير عام لإدارة المناقصات أكثر ما أبغضه هي الاتصالات التي تردني من السياسيين، عندما يكون لدى المتصل طلب مخالف للقانون.

أبرز هذه الطلبات، هو أن أتدخل في عمل لجان المناقصات. والمتصلون بي يجهلون أو يتجاهلون ما كنت دوما أوضحه لهم وقوامه أن مدير عام إدارة المناقصات ليس الرئيس التسلسلي لهذه اللجان، ولو كان كذلك لأصبحت اللجان أداة تنفذ رغباته. دور إدارة المناقصات بالنسبة لعمل اللجان هو فقط رقابي. هي تقوم بعملها باستقلال، ولا تحاسب سوى إذا خالفت القانون، وفقط من قبل ديوان المحاسبة والنيابة العامة المالية أو من خلال القضاء الإداري. ورغم هذه التوضيحات التي كنت أسهب في تبيانها عند كل اتصال من هذا النوع، كان الوزير المعني يعود ليتدخل مباشرةً لدى اللجنة.

أول ملف عرض علي بعد استلامي إدارة المناقصات كان مشوباً بأخطاء كثيرة، وقد اتّضح لي أن عمل لجنة المناقصات كان موجّهاً. هذه المناقصة أدت في وقتها إلى مواجهة مع البعض، بسبب كتابتي مطالعة لرئيس التفتيش وديوان المحاسبة عن مخالفات مرتبطة بها. لكن، ونظراً إلى مصداقيتي ومضمون المطالعة المسند إلى حجج وبراهين ومواد قانونية، رفض مراقب عقد النفقات عمل اللجنة مستنداً إلى تقريري. وقد حذا حذوه ديوان المحاسبة. في هذا السياق، كانت التدخلات تطالبني بوضع تأشيرة على الملف، وإحالة الملف كما وردني من اللجنة من دون التدقيق به. رفضت بشكل صارم أن تكون إدارة المناقصات قلمًا للمناقصات، وأكدت على دورها الرقابي الفاعل في الحفاظ على المال العام.

الشكل الحديث للتدخل في عمل اللجان، عرفناه في ملف الميكانيك، حيث باتت اللجان تُفرض علينا كإدارة مناقصات بدلاً من أن نختار أعضاءها، وفقاً للآلية القانونية من ضمن اللوائح المعتمدة لذلك من قبل هيئة التفتيش المركزي.

 

المفكرة: إلى أي مدى تلجؤون إلى الإعلام لحماية صلاحياتكم الرقابية؟

هناك من يحثّ على منعنا من التحدث إلى وسائل الإعلام، وهذا أمر مخالف لموجب النشر الذي يقع علينا في ظل إقرار قانون الحق بالوصول إلى المعلومات. أنا أعرف القانون وما الذي يخضع لموجب السرية وما الذي يخضع لموجب النشر، ومسار المناقصات العامة تأتي ضمن الفئة الثانية، فكيف يطلب عدم التطرق لها؟ التفتيش المركزي يتألف من إدارة التفتيش المركزي وإدارة المناقصات. نحن إدارة موازية لإدارة التفتيش غير تابعين لها، وإنما مرتبطون إداريًا فقط برئيس التفتيش المركزي. ويجب أن تكون إدارة المناقصات بحماية رئيس التفتيش المركزي الذي يجب أن يقف في وجه من يتعرّض لها ويدافع عنها أو على الأقل يُعطي رئيسها الإذن للدفاع عنها.

 

المفكرة: ما هي أبرز الملفات التي توليت العمل عليها وما هي الاشكاليات المشتركة بينها؟

علية: في ديوان المحاسبة كنت سعيداً بالنتائج التي حققناها على صعيد ملف حسابات المهمة حيث بدأت بالعمل على حسابات تعود لعام 1991 وما بعد، منذ سنة 1995. حيث وضعت لجنة المال والموازنة يدها عليه، وكانوا يطلبون الاستماع إلينا. أدى هذا العمل إلى تبلور معادلة قوامها أن لا موازنات من دون قطع حساب، وأنه لا يمكن إقرار قطع الحساب من دون حساب المهمة. مع الأسف، المسألة تحولت فيما بعد إلى نقاش سياسي بدلاً من الإلتزام بالحلول التقنية، أي إعادة تدقيق شاملة للحسابات ومحاسبة المخطئ والمهمل متى وجد. خلال سنتي الأولى في إدارة المناقصات، وفي إطار عام مناقصة جمع ونقل نفايات البلديات، عام 2012، كان لنا ملاحظة على دفتر الشروط، لناحية عدم تطرق المناقصة لمسألة معالجة النفايات. فهذا نقص جوهري وغير منطقي برأينا. سَألنا ماذا نفعل بالنفايات بعد جمعها. وقد تمت مواجهة إعتراضنا هذا بأن المعالجة هي لمجلس الإنماء والإعمار، واتهمنا بعرقلة المناقصة، التجربة أثبتت فيما بعد صواب رأي إدارة المناقصات.

عام 2015، دفعتني مناقصة المعاينة الميكانيكية إلى الخروج عن صمتي، فهذا الملف تجاوز كل معايير الاستقلالية والحيادية والموضوعية والنزاهة. وقد وصلت الأمور حد التدخل في عمل لجنة المناقصات، ومراقبتها عند رفض أو قبول أي شركة.

المناقصات والملفات التي تعاملت معها كثيرة، إلا أن المخالفات تأتي متشابهة. فبعض دفاتر الشروط  تعد على قياس مؤسسة معينة من خلال إدراج تفاصيل مطابقة لمواصفات شركة بذاتها، لكنها غير ضرورية لسير المناقصة. المهل أيضاً تشكل أداة ضغط، يتأخرون عن طرح المناقصة ثم يطلبون منا إنجازها بشكل ملح ومستعجل، على أمل أن لا ندقق فيها.

 

المفكرة : ما هي رؤيتك بالنسبة لدور الهيئات الرقابية؟

علية: لحماية الدور الرقابي لإدارة المناقصات، يجب التأكيد على أنها "إدارة" وليست "مكتب مناقصات". والمعنى أنني لا أعمل في مكتب مناقصات ينحصر دوره في تحديد مواعيد الجلسات، وتلقي الرسائل البريدية وإحالة الملفات. دور إدارة المناقصات هو رقابي في مجال المناقصات وهذه هي إرادة المشرع منذ العام 1959، وقد أكد عليها في نظام المناقصات لا سيما المادة 17 منه، وهذا ما هو معمول به في معظم دول العالم.

على هذا الصعيد تبرز مشكلة فهم علاقتنا برئاسة مجلس الوزراء.  أنا أتمسك بالمعايير العالمية والنصوص القانونية النافذة منذ العام 1959 والتي تقول أن كل المؤسسات الرقابية يجب أن تكون مستقلة وظيفيًا عن السلطة التنفيذية. البعض يعتبرنا جهازًا تابعًا لرئاسة  مجلس الوزراء، لكن الحقيقة هي أننا مرتبطون إدارياً بهذه الرئاسة، وهذا يضرب أساس قيام مؤسسات الرقابة، ويُعطّل دورها، وينفي مبرر وجودها. وإلا لماذا تتكلف الدولة على مؤسسات رقابة إذا كانت هذه المؤسسات أداة للسلطة تنفذ أوامرها؟ أي عمل رقابي ستقوم به؟ وهي تحت سلطة من انوجدت لمراقبته؟

 

المفكرة: ما التقدم الذي أحرزته على صعيد عملت في إدارة المناقصات؟

علية: منذ عام 2012 وأنا أحاول التعامل مع الواقع الذي تحدثنا عنه. من جهتي، حاولت أن أبقى مرناً، وأتساهل في الأمور التي تندرج ضمن فئة الشكليات. مثلاً المناقصة التي يفترض حصولها ضمن برنامج عملنا في الإدارة بعد شهرين من الإعلان عنها يمكن تقريب موعدها لتصبح بعد شهر، رغم ضغط العمل وانزعاج الموظفين، ما دام الأمر لا يمس بجوهر المنافسة. لكنني رفضت وأرفض أن أتساهل في أمور تنطوي على مخالفة للقانون. وفي هذا السياق أصر على كتابة المطالعات القانونية التي تظهر المخالفات في المناقصات، وماهية العلاقة بين إدارة المناقصات بالتفتيش المركزي والأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأيضاً بموجب النشر الواقع على عاتقنا. وفي الناحية الأخيرة، إصدار قانون الحق بالوصول إلى المعلومات كان له الدعم الكبير لنا وللرأي العام.

في هذا السياق، طلبت وضع آلية مرتبطة بحق الوصول إلى المعلومات وموجب النشر، حيث أنه لا بد من نشر بعض المعلومات ولابد من معاقبة من يمتنع عن نشر هذه الفئة من المعلومات ويمنع نشرها.

 

المفكرة: كيف تصف الحاجة إلى تطوير النصوص القانونية لتفعيل عمل إدارة المناقصات بشكل عام، وخاصة فيما يتعلق بمشروع هيئة التفتيش المعروض حالياً أمام لجنة الإدارة والعدل بشكل خاص؟

علية: حصة إدارة المناقصات من الرقابة على الإنفاق العام هي أقل من 10%. أي أن النسبة الأكبر من الإنفاق العام على صعيد المناقصات ليست خاضعة حالياً لرقابة إدارة المناقصات، وذلك بسبب تعطيل الدور النصي (أي القانوني) لهيئات الرقابة.  ويندرج في هذا الإطار المناقصات التي تجريها المؤسسات ومنها مؤسسة كهرباء لبنان ومجلس الإنماء والإعمار وغيرها من المؤسسات. أمام هذا الواقع تبرز الحاجة إلى تحويل إدارة المناقصات إلى هيئة مستقلة لمراقبة الصفقات. وهو مضمون التعديل الذي اقترحناه في سياق العمل على تعديل قانون التفتيش المركزي. وتمت صياغة هذا التعديل. ولكن مؤخراً، بعد أن وقفت إدارة المناقصات بوجه صفقة بواخر الكهرباء تحديدًا، ثمّة من يحاول تعطيل مشروع القانون، وإعادة عقارب الساعة ثلاث سنوات إلى الوراء. فخلال السنوات الثلاث الماضية، عقدت في لجنة الإدارة والعدل ما يناهز الخمسين جلسة، وأنجزت مواد تتعلق بقواعد أساسية مثل إخضاع مناقصات البلديات والمؤسسات العامة لإشراف هيئة إدارة المناقصات ورقابتها.[1]

 

المفكرة: هل تعتقد أن قيامك بدورك في الإدارة يضع ووظيفتك في موقع خطر؟

علية: فعلاً، طرح موضوع إقالتي من الوظيفة في مجلس النواب. أما رئيس الحكومة فقال أن مسألة إقالة جان علية غير مطروحة، متابعاً بلغته الديبلوماسية أنه لا يمكن لمدير عام الإمتناع عن تنفيذ قرارات مجلس الوزراء. وأنا قلت وأُردد: أنا لا أمتنع عن تنفيذ قرارات مجلس الوزراء، بل أقوم بواجبي وهو لفت النظر عند مخالفة القانون. على الرغم من ذلك، أريد أن أؤكد أنني سأدافع عن صلاحيات إدارة المناقصات طالما أنا رئيسها، وأتمسك بإبداء الرأي القانوني دون سواه.

 

المفكرة: كيف تصفون الدور الذي يلعبه القضاء بالنسبة لما يتعلق بتحصين دوركم كهيئة رقابية؟

علية: بالمبدأ، لا بدّ أن ننظر إلى القضاء على أنه يشكل ضمانة تحمي الموظف النظيف والمستقلّ. ولكن في موضوع مناقصة الميكانيك تحديداً، وأمام بُطء المسار الذي سلكته في مجلس شورى الدولة المؤتمن على مبدأ المشروعية، نتطلع إلى تطبيق المعايير الضامنة للحيادية والموضوعية في مجال عمل كل الهيئات الرقابية والقضائية والإدارية.

 

المفكرة: ما هي أبرز النجاحات والإخفاقات على صعيد إدارة المناقصات خلال عام 2017؟

علية: عام 2017 برزت مناقصة الكهرباء، التي على الرغم من كافة محاولات إدارة المناقصات لتصحيح مسارها باتجاه اعتماد الشفافية والمنافسة واحترام القواعد القانونية، أصر مجلس الوزراء على تنفيذها كما هي. ما أقوله في هذا السياق أن إدارة المناقصات لا تتمرد على قرارات مجلس الوزراء، وإنما تلفت إلى المخالفات القانونية عند وجودها، وعندما تتفاقم المسألة كل ما أستطيع القيام به هو الطلب إليهم الإصرار والتأكيد على تنفيذ الخطأ، عندها نقوم بتنفيذه[2]. وهذا ما حدث بالنسبة لمناقصة بواخر الكهرباء الأخيرة. فبعد تلقي  الإصرار والتأكيد على إطلاق مناقصة الكهرباء بدفتر شروط مخالف، أطلقتها إدارة المناقصات وأرسلت كتابًا إلى الوزير المعني ونسخة عنه لرئاسة مجلس الوزراء تضمن ما معناه "إن إدارة المناقصات تطلق هذه الصفقة عملاً بقرار مجلس الوزراء، وهي غير مسؤولة عن نتائجها أو مسارها أو ما قد ينشئ عنها من ضرر في المال العام".

بالمقابل، حققت الادارة إنجازاً في موضوع السوق الحرة، وذلك بسبب تجاوب الوزير المعني لناحية وضع دفتر شروط يسمح بالمنافسة، رفع البدل من 17 مليون سنوياً في السنوات الأخيرة إلى ما يزيد عن مئة مليون دولار. هذا نموذج نفتخر به ونسعى لتعميمه، من خلال السماح للإدارات والمؤسسات بالعمل ومحاسبتها عندما تخطئ من قبل المراجع المختصة.    

 

المفكرة: تم التهجم على دوركم من قبل الإعلام في السنة الماضية[3]. كيف رددتم على ذلك؟ وما هو تقييمكم لهذه التهجمات لجهة تأثيرها على الصالح العام؟

علية: لم أتعرض لتهجمات فعلياً. إنما ظهر البعض في الإعلام وهو يقول أن العلنية ليست للموظف بتلميح منه إلى أن الموظف يجب أن يعمل حصراً لمصلحة السلطة وينفصل عن مجتمعه وأهله ووطنه. وذكر أنهم أرسلوا لي دفتر شروط في مسألة الكهرباء، رددته لهم بشكل فضيحة. هنا أرغب بالتوضيح بأنني لست ساحراً لأحول دفتر شروط إلى فضيحة. إنني استلمت 4 أوراق في مناقصة مقدارها تقريبًا مليار و800 مليون دولار، أطلق على هذه الأوراق الأربعة إسم دفتر الشروط، فقمت بواجبي لا أكثر ولا أقل. 

 

المفكرة: صدر قانون الوصول إلى المعلومات خلال سنة 2017. كيف تطبقون هذا القانون على صعيد التفتيش المركزي أو هيئة المناقصات؟ وما تقييمكم لأهمية القانون عملياً على صعيد تعزيز الشفافية في العمل الإداري؟

كل مراجعة وصلتني إلى إدارة المناقصات بهدف الوصول إلى ملف بالاستناد إلى قانون الحق بالوصول إلى المعلومات من أي مرجع كان، كنت أجيب عليها في اليوم نفسه. وأنا أطبق قانون الحق الوصول إلى المعلومات ليس فقط من خلال الرد على الطلبات، إنما من خلال التقارير والمعلومات التي أدلي بها. كما أني أبادر من تلقاء نفسي بعد الحصول على الموافقات القانونية إلى نشر مستندات غير خاضعة لموجب النشر الحكمي. إن قانون الحق بالوصول إلى المعلومات عبارة عن نص تنظيمي لحق موجود أصلاً. وفي ظل إقرار القانون المذكور لا بدّ من أن نتعاون ونقدم على تجارب لتحديد كيفية نشر معلومات عن الصفقات لا سيما أنها تتعلق بالإنفاق العام الحاصل من جيوب المواطنين. وأنا أرى أن قانون حق الوصول إلى المعلومات عدّل ضمنًا نظام الموظفين، بحيث بات الموظف ملزمًا بنشر المعلومات التي يطالها هذا القانون. فهذه المعلومات ولا سيما مسار الإنفاق العام هي ملك للرأي العام وليست لأي شخص.

 

 

[1] - بعد فترة من إجراء المقابلة، أعلن عن إقرار مشروع تعديل قانون التفتيش المركزي في لجنة الادارة والعدل. بنص مشروع التعديل على إنشاء إدارة للصفقات العمومية تضع دفاتر الشروط وتراقب كل الصفقات العامة باستثناء التي تجريها وزارة الدفاع والأمن الداخلي والأمن العام.

[2] - تنص المادة 14 من نظام الموظفين على التالي: "يتوجب على الموظف بشكل عام أن يستوحي في عمله المصلحة العامة دون سواها ، ويسهر على تطبيق القوانين والانظمة النافذة ، دون اي تجاوز او مخالفة اواهمال". وأن "يخضع لرئيس المباشر وينفذ اوامره وتعليماته الا اذا كانت هذه الاوامر والتعليمات مخالفة القانون بصورة صريحة واضحة . وفي هذه الحالة ، على الموظف ان يلفت نظر رئيسه  خطيا الى المخالفة الحاصة ولا يلزم يتنفيذ هذه الاوامر والتعليمات الا اذا اكدها الرئيس خطيا ، وله ان يرسل نسخا عن المراسلات الى ادارة التفتيش المركزي".

[3] - صرح وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال إستضافته في حلقة كلام الناس بتاريخ 3 آب 2017 الآتي:

- فيما يتعلق بمناقصة بواخر الكهرباء: (...)"مدير عام مناقصات يصله دفتر شروط فيرده بفضيحة".

فيما يتعلق بمكناقصة الميكانيك: (...) "العلنية مش دور موظفين الدولة".

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما